الخميس 2 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

تحوّل الطاقة من أجل الأفراد والمجتمعات

نوال الحوسني
4 ابريل 2023 15:16

د. نوال الحوسني * 

تنمية العمل الإنساني متقاطع اليوم مع تسهيل الوصول إلى الطاقة، وقد أصبح أولوية في الأجندة العالمية. فالوصول إلى الطاقة أساسي في استدامة منظومة العمل الإنساني. وقد شكّل انعقاد النسخة التاسعة عشرة من معرض ومؤتمر دبي الدولي للإغاثة والتطوير "ديهاد" في شهر مارس الماضي نداءً للعمل العالمي المشترك من أجل تعزيز الوعي بهذه الصلة المهمة التي لا تحظى بما تستحق من تغطية، لا سيما في مجال تصميم السياسات. 

واليوم هناك أكثر من 70 مليون إنسان أجبرتهم الظروف القاهرة على النزوح من منازلهم والبحث عن الأمان بعيداً عن أوطانهم رغماً عنهم. وإذا بهم يعانون، في هذا المسار الذي فُرِض عليهم، من محدودية الوصول إلى الوقود والطاقة، بما انعكس سلباً على صحتهم ومعيشتهم ومحيطهم البيئي ومساهماتهم المجتمعية من مختلف الفئات. والسبب واضح.

فلمدة طويلة، كانت هناك نظرة سلبية اعتبرت تسهيل وصول هؤلاء اللاجئين والنازحين إلى الطاقة عبئاً إضافياً يستنزف موارد البلدان والمجتمعات المضيفة والاقتصادات النامية التي يحاول 70 مليون لاجئ ونازح بناء حياة كريمة فيها.

وفي السياق ذاته، يعاني أكثر من 125 مليون إنسان؛ من المتضررين من الكوارث الطبيعية والنزاعات، من عدم القدرة على التأثير في تصميم السياسات التي تعالج النقص الحاد في سهولة الوصول إلى الطاقة النظيفة. وهو ما يظهر بوضوح في الكثير من الممارسات الحالية في مجال تزويد مخيمات اللجوء والنزوح بالطاقة، بطرق غير آمنة أحياناً قد تفتقر للكفاءة وتسبب التلوث.

وتعد تداعيات هذه الظروف المعيشية عائقاً رئيسياً أمام النمو الاقتصادي وتوليد الفرص. ويرتفع معدل التسرب المدرسي للأطفال اللاجئين بخمسة أضعاف مقارنة بالأطفال غير اللاجئين. ولدى 50% فقط منهم وصول للتعليم الأساسي، مقارنة بالمعدل العالمي الذي يتجاوز 90%. كما أن 1% فقط من الشباب النازحين قادر على الالتحاق بالجامعات. ولا يصل سوى 10% من اللاجئين إلى كهرباء الإنارة والتدفئة والطهي وتوليد الطاقة بانتظام. ويعتمد 80% من سكان المخيمات على وقود غير نظيف للطهي والتدفئة، وهو سبب من أسباب وفيات سنوية تصل إلى 20 ألفاً، خاصة بين النساء والأطفال، بسبب التلوث وغيره من التداعيات الناجمة عن الطهي غير النظيف. 

لكن الصورة لها جانب مشرق أيضاً، كما في مخيم الأزرق للاجئين في الأردن، والذي أثبت خلال السنوات الخمس الماضية أن الطاقة النظيفة تقدم حلاً نوعياً يغيّر حياة الأفراد والمجتمعات نحو الأفضل، ويصنع الفرص، ويبني جسراً بين التنمية والعمل الإنساني من خلال تحسين الأمن الغذائي، ومستويات التغذية والصحة العامة، ومؤشرات الأمان والتعليم.

ويعد مخيم الأزرق، الذي تكفلت دولة الإمارات بإقامته عام 2013 لعشرات آلاف اللاجئين في الأردن، الأول من نوعه في العالم الذي يعمل بالطاقة المتجددة. وهو يضم محطة شمسية كهروضوئية باستطاعة 2 ميجاواط، مكّنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من توفير الطاقة المستدامة لأكثر من 20,000 لاجئ من سوريا.

وحين ننظر إلى التنمية المستدامة من وجهة نظر من هم في أشد الحاجة للدعم والمساندة، ندرك بالفعل أهمية الوصول إلى الطاقة، كأولوية إنسانية لا جدال فيها. كما يتضح لنا بأن انتقال الطاقة لا يعتمد فقط على التكنولوجيا والتمويل، بل هو أيضاً يعني سياسات الشمول والإشراك الاجتماعي. والمجتمع الدولي مطلوب منه ضمان وصول أصوات جميع اللاجئين والنازحين، سواء بسبب النزاعات أو التغيرات المناخية، ليساهموا في صياغة مستقبل تحوّل الطاقة وضمان وصول منافع الطاقة النظيفة للجميع بالتساوي.

لقد تم تحقيق تقدم في السنوات الماضية وهناك قصص نجاح عديدة، حيث تشير تقارير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة "آيرينا" التي تتخذ من أبوظبي ودولة الإمارات العربية المتحدة مقراً دائماً لها، إلى أن المنظمات الإنسانية عالمياً تنتقل بوتيرة أسرع إلى الطاقة المتجددة في عملياتها التشغيلية. وهذا لا يقلل البصمة البيئية وحسب، بل يوفر أيضاً نموذجاً ريادياً لكيفية دمج حلول الطاقة المتجددة في المجتمعات. لكن علينا أن نتحرك بشكل أسرع لنساهم في تعزيز مرونة المجتمعات الهشة مناخياً، والتي لديها أيضاً دور محوري في تحوّل الطاقة، وذلك من خلال تسريع الوصول إلى الطاقة النظيفة وتكريس السياسات التي تدعمها.

إن تمكين اللاجئين من الوصول إلى الطاقة هو مكوّن رئيسي من مكونات البعد الإنساني لمنظومة تحوّل الطاقة عالمياً، ويحتاج إلى مبادرات سريعة، حتى لا تنمو على نحو موازٍ أعداد اللاجئين المناخيين مستقبلاً. 

وإذا ما استمر تجاهل التحذيرات، قد يصل عدد اللاجئين المناخيين في العالم إلى 1.2 مليار في العقود الثلاثة القادمة. ومع توقع زيادة عدد سكان الكوكب بواقع نصف مليار إنسان بحلول عام 2030، سيحتاج الجميع إلى الوصول العادل والشامل إلى الطاقة من أجل حياة كريمة. وهذه أولوية يجب أن تكون في مقدمة أولويات التنمية المستدامة. 

لذلك نحتاج إلى مشاركة الأفراد والمجتمعات في تسريع انتقال الطاقة، الذي يضع احتياجات المجتمعات والبيئة على نفس السوّية، ويؤكد على حق الوصول إلى الطاقة للجميع دون استثناء.

وفي هذا المجال، فإن تحول الطاقة من أجل الأفراد والمجتمعات ليس مبدأً تقنياً واقتصادياً ومادياً فحسب، بل هو متعدد المستويات ويشمل المجتمع وصناع القرار، ويتطلب تغييراً في الذهنية والبنى التحتية، والانتقال إلى اللامركزية في توفير وتوزيع الطاقة المتجددة. وهو ما يحتاج إلى استثمارات في البنية التحتية للطاقة المتجددة من ألواح شمسية وتوربينات الرياح ونظم تخزين الطاقة. كما يتطلب سياسات وتشريعات تكرّس التحول للطاقة المتجددة عبر العالم. ويقتضي أيضاً بناء القدرات وتطوير المهارات للمجتمعات المحلية ورواد الأعمال والمبتكرين للمساهمة الفاعلة في اقتصاد الطاقة المتجددة.

إنجاح تحوّل الطاقة للأفراد والمجتمعات يتطلب بالضرورة إشراك جميع الشركاء والمعنيين وأصحاب المصلحة، بما في ذلك الحكومات والقطاع الخاص والمجتمعات المهمشة ومختلف قطاعات المجتمع وشرائحه لا سيما الشباب. 

وهذا تماماً تنوّع المشاركين الذين نتطلع إلى استقبالهم في مؤتمر الأطراف "COP28" بشأن المناخ والذي تستضيف من خلاله دولة الإمارات الجميع على أرضها إلى مائدة صناعة القرار المناخي هذا العام. هذه النسخة غير المسبوقة للقمة المناخية العالمية ستركز بشكل استراتيجي على تحييد مخاطر التغير المناخي، والتكيّف مع تداعياته، وتسهيل التمويلات المناخية، وتسريع تطوير العمليات والحلول المبتكرة المشتركة، بحيث تكون قمة "COP28" منصة دولية تسلط الضوء على الحلول العملية التي تعزز وصول النازحين واللاجئين إلى الطاقة.

إن تحقيق انتقال الطاقة للأفراد والمجتمعات وبجهودهم ليس بالمهمة السهلة، لكنه تحدٍ لا بد من أخذ زمام المبادرة فيه وعدم التغاضي عنه، فمن دونه لا يمكن مواجهة الأزمات المناخية والإنسانية المتشابكة، أو تسريع الوصول إلى المستقبل المستدام العادل الذي يشمل بتنميته الجميع.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©