الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

«جودة الهواء».. أولوية وطنية لتحقيق الاستدامة البيئية

«جودة الهواء».. أولوية وطنية لتحقيق الاستدامة البيئية
30 يناير 2023 01:52

شروق عوض (دبي)

تنفرد دولة الإمارات برؤية واضحة لجودة الهواء، من خلال إطلاق العديد من المبادرات الرامية إلى رفع نسبتها بما يتوافق مع الأولويات الوطنية الرئيسية من أجل تحقيق الاستدامة البيئية، وتوفير أفضل شروط الحياة الصحية والرفاهية للسكان، والجذب السياحي والاستثمار، وتشمل المبادرات تخصيص محطات أرضية لرصد جودة الهواء، وتوظيف الأقمار الصناعية لمتابعة جودة الهواء، والاعتماد على نتائج «خوارزميات ونماذج» للتنبؤ بجودة الهواء والغبار، وإطلاق المنصة الوطنية لجودة الهواء وغيرها الكثير.
وتُعد جودة الهواء من القضايا البيئية المعقدة لاختلاف مصادر التلوث والتي تنقسم إلى طبيعية مثل العواصف الغبارية، وبشرية مثل وسائل النقل، والصناعات وغيرها، كما تنتقل ملوثات الهواء بفعل الرياح لمسافات طويلة تجتاز الحدود الجغرافية للدول، كما تعتبر العوامل الديموغرافية كمعدل النمو السكاني والكثافة السكانية العالية في المناطق الحضرية، والنمو الاقتصادي قوى دافعة مهمة ومؤثرة في جودة الهواء.

رصد الهواء المحيط
ونتيجة لإدراك الدولة المبكر لمسألة مساهمة تلوث الهواء بتبعات سلبية على كل من الصحة كأمراض الجهاز التنفسي، والبيئة كتفاقم ظاهرة التغير المناخي، والاقتصاد كالتسبب بخسائر مباشرة في مجال الرعاية الصحية، علاوة على الخسائر الأخرى غير المباشرة التي تنجم عن انخفاض إنتاجية العاملين والسياحة وغيرها، فلقد أطلقت العديد من المبادرات ومنها المباشرة برصد جودة الهواء المحيط في عام 2007 من خلال شبكة من محطات الرصد الأرضية ضمت 22 محطة موزعة في أنحاء الدولة، وارتفع عددها لغاية عام 2021 إلى 56 محطة رصد فاعلة.

حالة هواء المدن
وترصد الشبكة مجموعة من الملوثات إضافة إلى بيانات الأرصاد الجوية في كل ساعة، وتوفر معلومات تفصيلية عن حالة جودة الهواء في مختلف مدن الدولة، وتقيس الشبكة أربعة ملوثات غازية رئيسية، هي: أول أكسيد الكربون، وثاني أكسيد الكبريت، وثاني أكسيد النيتروجين، والأوزون الأرضي، بالإضافة إلى المواد الجسيمية بقطريها (الأقل من 10 ميكرون، والأقل من 2.5 ميكرون)، حيث تتم متابعة النتائج بشكل دوري ومقارنتها بالحدود الوطنية المنصوص عليها في قرار مجلس الوزراء رقم (12) لسنة 2006 بشأن نظام حماية الهواء من التلوث.

انخفاضات إيجابية
ووفقاً لبيانات الشبكة في الفترة الممتدة ما بين (2017 - 2021)، فقد شهدت مناطق الدولة السكنية، انخفاضاً ملحوظاً في المتوسط السنوي لتركيز تلوث الأوزون الأرضي، ليصل في عام 2021 إلى (59 ميكرو جرام/متر³)، بعدما كان (69 ميكرو جرام/متر³) في عام 2017، حيث وصلت نسبة الانخفاض في المتوسط خلال العام الماضي إلى 15%، وانخفاضاً ملحوظاً في المتوسطات السنوية للجسيمات القابلة للاستنشاق (قطرها 10 ميكرون) في عام 2021 بحوالي 10% عن المتوسطات في عام 2017، حيث بلغ المتوسط في عام 2021 (113ميكرو جرام/ متر³) في حين بلغ في عام 2017 (126 ميكرو جرام/ متر³)، 
كما سجلت مناطق الدولة السكنية، وفقاً لبيانات الشبكة أيضاً، تراجعاً في المتوسط السنوي لتركيز ثاني أكسيد الكبريت في عام 2021 بحوالي 31% عن عام 2017، حيث بلغ المتوسط في عام 2021 (7 ميكرو جرام/متر³) وفي عام 2017 (10 ميكرو جرام/متر³)، وانخفاضاً في المتوسطات السنوية لتركيز ثاني أكسيد النيتروجين، لتصل إلى حوالي 22% في عام 2021 عن عام 2017، حيث بلغ المتوسط في عام 2021 (29 ميكرو جرام/متر³) وفي عام 2017 (38 ميكرو جرام/متر³).
جهود وطنية
ويُعد تحسن جودة الهواء في الدولة دليلاً على نجاعة خطط الدولة في إدارة ورصد جودة الهواء بفعالية، والتخفيف من التلوث لحماية الإنسان والنظم الإيكولوجية، ونتيجةً حتميةً للجهود الوطنية القائمة في كثير من القطاعات المؤثرة كالطاقة والبنية التحتية والنقل والبناء والتشييد والنفايات والصناعة والبلديات، حيث هناك الكثير من الاستراتيجيات المساهمة في خفض معدلات الانبعاثات الناتجة عن أنشطة القطاعات المؤثرة، من أهمها استراتيجية الطاقة، استراتيجية النقل، استراتيجية النفايات واستراتيجية الاقتصاد الدائري وغيرها الكثير، بالإضافة إلى التحديثات التي اعتمدتها الجهات المختصة مؤخراً بشأن بعض المواصفات المعنية بأنواع الوقود والمركبات والأجهزة وغيرها، مما ساهم أيضاً بزيادة الكفاءة وتحسين جودة الهواء والحد من الانبعاثات.

قياس 4 ملوثات
وضمن مبادرات الدولة المباشرة بالقياس الفعلي لمؤشر نسبة جودة الهواء في 2014، من خلال تقييم 4 ملوثات رئيسية وتشمل: ثاني أكسيد النيتروجين، وأول أكسيد الكربون، وثاني أكسيد الكبريت، والأوزون الأرضي، وتوظيف الذكاء الاصطناعي مثل الأقمار الصناعية لمتابعة جودة الهواء خلال 2016، حيث أطلقت وزارة التغير المناخي والبيئة المرحلة الثانية من مشروع مراقبة جودة الهواء عن طريق الأقمار الصناعية، بغية التعرف على مصادر الملوثات العابرة للحدود (الملوثات الغازية والمواد الجسيمية)، بالإضافة إلى مقارنة البيانات الصادرة من الأقمار الصناعية بتلك التي يتم قياسها من المحطات الأرضية لرصد جودة الهواء، كما يتضمن المشروع التحليل الكيميائي للمواد الجسيمية ذات القطر الأقل من 2.5 ميكرون، وذلك لتحديد مصادر انبعاثها ووضع الخطط المناسبة لخفضها.

سياسات تمكينية
تبنت دولة الإمارات في السنوات القليلة الماضية حزمة من السياسات والخطط الاستراتيجية التي ستكون من شأنها المساهمة في الحد من تلوث الهواء، ومن أهمها: استراتيجية الإمارات للتنمية الخضراء، والخطة الوطنية للتغير المناخي، والاستراتيجية الوطنية للطاقة، والاستراتيجية الوطنية للتثقيف والتوعية البيئية، والإدارة المتكاملة للنفايات، وغيرها من السياسات والخطط، كما ستسهم سياسات الابتكار والعلوم المتقدمة والذكاء الاصطناعي في المستقبل في إنجاح الجهود المبذولة في هذا المجال.

4 موجهات استراتيجية 
تُعد «الأجندة الوطنية لجودة الهواء 2031» التي أطلقتها خلال العام الماضي (2022)، إطاراً عاماً لقيادة وتنسيق جهود الجهات الحكومية الاتحادية والمحلية، ومؤسسات القطاع الخاص في رصد وإدارة جودة الهواء بفاعلية، والتخفيف من التلوث، لضمان تعزيز جودة الهواء والمساهمة في إيجاد بيئة آمنة وصحية، وتحسين جودة الحياة، بما يتماشى مع مستهدفات مئوية الإمارات 2071.
لضمان تحقيق توجهات الدولة بخصوص جودة الهواء، حددت الأجندة 4 موجهات استراتيجية ملزمة التعامل معها، وتشمل الحد من مستويات تلوث الهواء الخارجي ونسبة التعرض لها، وتحسين جودة الهواء الداخلي، وتقليل مخاطرها على صحة الإنسان، وخفض مستويات التعرض للروائح المحيطة، وتقليل مستويات الضوضاء والمحافظة عليها ضمن الحدود المسموح بها.
وارتكزت الأجندة على 4 محاور رئيسية، الأول يختص بجودة الهواء الخارجي ويشمل 8 برامج عمل رئيسة و29 مشروعاً في مجموعة من القطاعات تضم النقل والطاقة وتوليد الكهرباء والبناء والنفايات، والثاني جودة الهواء الداخلي ويضم 3 برامج عمل رئيسة و6 مشاريع تركز على معايير مواد البناء والمواد المستخدمة في الأعمال المنزلية والصيانة، والثالث محور الروائح المحيطة ويضم 4 برامج عمل و10 مشاريع موزعة على قطاع إدارة النفايات، والمياه العادمة والقطاع الصناعي بشكل عام، والمحور الرابع يختص بالضوضاء المحيط ويضم 5 برامج عمل و16 مشروعاً في قطاعات النقل والبناء والتشييد وقطاع الصناعة.
وتساهم الأجندة في الحد من انبعاثات ملوثات الهواء، في تحقيق العديد من الفوائد، منها خفض تلوث الهواء وتغير المناخ، والحد من انبعاثات بعض المواد المعروفة بإحداث الاحتباس الحراري، مثل الكربون الأسود والميثان، وتقليل الأمراض التنفسية.

خوارزميات ونماذج
شملت مبادرات الدولة  في عام 2017، تطوير كل من «خوارزمية» للتنبؤ بجودة الهواء لفترة تصل لثلاثة أيام متتالية، و«نموذج تنبؤ للغبار والعواصف الترابية» للتحذير منها، خصوصاً لمرضى الجهاز التنفسي والفئات الحساسة، ما يتيح الفرصة لهم ولغيرهم لاتخاذ الاحتياطات المناسبة قبل هبوبها، بالإضافة إلى مبادرات مراقبة التزام الأنشطة الصناعية المختلفة بالمعايير الوطنية، حيث أنشأت وزارة التغير المناخي والبيئة غرفة التحكم والمراقبة المركزية بوساطة الربط الشبكي والمراقبة التلفزيونية على المنشآت العاملة في مجال الكسارات والمقالع بالدولة، يتم عن طريقها مراقبة ورصد أعمال الكسارات بوساطة كاميرات المراقبة المثبتة فيها وأجهزة رصد جودة الهواء المحيط.

طائرات مسيرة
ضمن مبادرات الدولة بشأن رصد جودة الهواء، يتم استخدام الطائرات المسيرة (الدرون) في تنفيذ هذه المهمة، وتتيح هذه التقنيات تحكماً أفضل في الانبعاثات، وتدخلاً أسرع لمعالجة أي خلل قد يطرأ، وإطلاق المنصة الوطنية لجودة الهواء التي تمثل مرجعاً موحداً لحالة جودة الهواء بشكل آني ويومي في مختلف إمارات الدولة، مما يساعد في فهم أفضل للتأثيرات في جودة الهواء والمساهمة بالحفاظ على صحة السكان والبيئة، بالإضافة إلى اعتماد آلية موحدة للإبلاغ عن البيانات من كافة محطات الرصد بهدف حساب مؤشر جودة الهواء، ومؤشر تركيز المواد الجسيمية، وإطلاق المشروع الوطني لجرد انبعاثات ملوثات الهواء على مستوى الدولة، بهدف تحديث قوائم جرد انبعاثات ملوثات الهواء وحصر انبعاثات ملوثات الهواء من القطاعات المؤثرة، بما فيها الطاقة والنقل والبناء والتشييد والزراعة والنفايات والثروة الحيوانية.

سياسة بيئية
تشكل جودة الهواء المحور الثالث من المحاور الثمانية للسياسة البيئية العامة في الدولة، والذي يرتكز على مجموعة من المستهدفات منها رفع مساهمة الطاقة النظيفة في مزيج الطاقة في الدولة إلى 50% بحلول 2050، وتحسين جودة الهواء لتصل إلى نسبة 100% وفق الحدود الوطنية بحلول عام 2040 وغيرها الكثير، بالإضافة إلى التوجهات الرئيسية المتمثلة في تحسين جودة الهواء المحيط والداخلي والحد من الضوضاء المحيطة والروائح.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©