السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

الإمارات.. رؤى طموحة لحماية البيئة

الإمارات.. رؤى طموحة لحماية البيئة
2 ديسمبر 2022 02:24

شروق عوض (دبي)

من كثبان رملية إلى بيئة خضراء، تحدها جنة من أراضٍ زراعية ومحميات طبيعية وتنوع بيولوجي فريد ونسب معقولة من جودة هواء، فضلاً عن تكيف مع تداعيات تغير المناخ، ولم يتطلب الأمر سوى التصميم وترجمة رؤية طموحة تؤمن بأن لا مستحيل في قاموس القيادة الرشيدة، وإعداد السياسات لتحقيق الحلم، حتى أصبحت دولة الإمارات في مكانة عالمية متقدمة تنافس البلدان الأخرى التي منحتها الطبيعة بيئة خضراء من دون عناء، لكن مع وجود مشاريع وبرامج عملاقة، حققتها الدولة طوال 51 عاماً في قطاع البيئة، حيث لم تكتف باستصلاح الأراضي وزراعتها وحماية كائناتها الحية من التهديدات ومراقبة جودة الهواء على مدار الساعة ومؤشرات تغير المناخ على مدار الأشهر والعام، بل تخطط الآن على إحداث فارق يفوق التوقعات في مسيرة العمل المناخي عبر تحفيز المجتمع الدولي على رفع طموح هذا العمل، لإيجاد حلول ناجعة لعلاج أزمة تغير المناخ التي باتت تلقي بظلالها السلبية على كوكب الأرض ومكوناته البيئية، والالتزام بأهداف اتفاق باريس للمناخ. بدأت قصة المحافظة على البيئة في دولة الإمارات مبكراً، لتكرّس الدولة مكانتها باعتبارها رائدة عالمياً في السياسات الحكومية وتبّني وتطبيق الحلول المبتكرة في مختلف قطاعات البيئة كالزراعة والثروة السمكية والتنوع البيولوجي وجودة الهواء وتغير المناخ، ما جعلها وجهة دولية مفضلة عالمياً للعيش والعمل، ومقصداً لكل الباحثين عن بيئة خضراء نظيفة متطورة تتبنى كلّ جديد يسهّل حياتهم، وتوفر تجربة ممتعة للاستمتاع في أرض الإمارات.

1995.. العمل المناخي
كثفت الإمارات خلال مسيرتها البيئية جهودها في العمل من أجل المناخ مع انضمامها للاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن المناخ التي أطلقت في العام 1995، ولمدة 3 عقود شهد طموحها في مواجهة تحدي التغير المناخي عبر خفض مسبباته وتعزيز التكيف مع تداعياته ارتفاعات واتساعات عدة، أهمها 4 محطات رئيسة هي الانضمام لاتفاق باريس للمناخ 2015 وتسليم تقرير المساهمات المحددة وطنياً الأول في 2016 وتسليم التقرير الثاني للمساهمات في ديسمبر 2020، وإطلاق مبادرة «الحياد المناخي» في 2021، ثم تسليم الإصدار المُحدث من التقرير الثاني للمساهمات المحددة وطنياً في سبتمبر من العام 2022.
2010.. محاور وطنية
في عام 2010، اعتمدت دولة الإمارات رؤيتها الوطنية الخاصة «رؤية الإمارات 2021» التي تهدف لأن تكون دولة الإمارات العربية المتحدة ضمن أفضل الدول في العالم بحلول عام 2021 الذي صادف في هذا العام احتفال الدولة بذكرى مرور 50 عاماً على تأسيسها «اليوبيل الذهبي». وارتكزت هذه الرؤية على 4 عناصر رئيسية، تضم 6 محاور وطنية تمثل القطاعات الرئيسية التي سيتم التركيز عليها خلال السنوات المقبلة، ومن بينها محور البيئة المستدامة.

2017.. تحديد الأولويات
في عام 2017، بذلت الدولة جهوداً ملحوظة للحد من آثار التغير المناخي وتحقيق نمو اقتصادي مستدام، سواء بتقليل انبعاث غازات الدفيئة من خلال الاستثمار في مشاريع الطاقة النظيفة والمتجددة وتطوير المدن والأبنية الخضراء، أو بالتكيف مع تداعيات تغير المناخ المتوقعة عبر التوسع في المساحات الخضراء والعناية بالمحميات الطبيعية وغير ذلك من الجهود، وظهر ذلك جلياً من خلال اعتماد مجلس الوزراء الخطة الوطنية للتغير المناخي 2017-2050، وتضمنت الخطة إطاراً وطنياً متكاملاً لتوحيد الجهود وتحديد الأولويات وسد الفجوات وضمان التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص، كما تركز الخطة على 3 أهداف وهي إدارة انبعاثات غازات الدفيئة مع الحفاظ على النمو الاقتصادي، والتأقلم مع التغيرات المناخية، وزيادة القدرة على التكيف، وتعزيز التنويع الاقتصادي في الدولة من خلال تبني حلول مبتكرة بمشاركة القطاع الخاص.

51 سنة.. إنجازات متفردة
وتميز قطاع البيئة في الدولة طوال الـ 51 عاماً بإنجازات متفردة في مختلف مجالاته كالزراعة والثروة الحيوانية والمحميات وجودة الهواء والعمل المناخي، والنجاح في تأسيس منظومة بيئية متكاملة، كذلك انتهاج السياسات المتكاملة التي أثرت على البيئة في دولة الإمارات، ونالت التقدير الدولي بشكل كبير وملفت، وخير دليل على ذلك تصدر الإمارات دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الترتيب العام لتقرير «مؤشر الأداء البيئي 2022» الصادر عن جامعة ييل، حيث تربعت دولة الإمارات في المركز الأول عالمياً في 6 مؤشرات وهي: المحميات البحرية، خدمات النظام البيئي، قلة انحسار الأراضي الرطبة، قلة الاعتماد على الوقود الصلب المنزلي، انخفاض معدل نمو الكربون الأسود، وقلة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الغطاء الأرضي.
كما حلت دولة الإمارات في المركز الأول إقليمياً والثالث عالمياً في «مؤشر حيوية النظام البيئي»، متقدمة على ألمانيا، ولوكسمبورغ، وفرنسا، والمملكة المتحدة، والدنمارك، والسويد، وهولندا، وجاءت الإمارات أيضاً في المركز الأول إقليمياً في كل من «مؤشر التنوع البيولوجي والموائل الطبيعية»، و«مؤشر معالجة مياه الصرف الصحي» الذي حلت فيه بالمركز 13 عالمياً، كما تصدرت الإمارات الدول العربية في «مؤشر قلّة الصرف الصحي غير الآمن».

مشاريع طموحة
تسعى دولة الإمارات من خلال مشاريعها الطموحة والبرامج الواعدة للمحافظة على البيئة، لتكرار ما حققته خلال الـ 51 عاماً الأولى من إنجازات على الأرض، وتسجيل إنجازات مثيلة في السنوات المقبلة، ولكن في قلبها تغير المناخ، بعدما تمكنت الدولة في السنوات الماضية من بناء قاعدة صلبة لمجابهة تداعيات تغير المناخ الذي يعد الأكبر والأنشط والأكثر تأثيراً على المنطقة ودول العالم جمعاء، إلى آفاق واعدة لا يحدها سقف أو مستحيل. وها هي اليوم، تعيش دولة الإمارات تحت قيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، مرحلة جديدة من العمل المناخي، تواصل فيها حفظ توازن الحياة الطبيعية. 

1972.. رؤية زايد
سجلت دولة الإمارات قفزات نوعية في مختلف مجالات القطاع البيئي، حيث تعود البداية إلى ترجمة الدولة لرؤية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، حين قال: «لقد عاش آباؤنا وأجدادنا على هذه الأرض، وتعايشوا مع بيئتها في البر والبحر، وأدركوا بالفطرة وبالحس المرهف الحاجة للمحافظة عليها. وأن يأخذوا منها قدر احتياجهم فقط، ويتركوا فيها ما تجد فيه الأجيال القادمة مصدراً للخير ونبعاً للعطاء»، من خلال المشاركة بوفد رفيع المستوى في أول مؤتمر للأمم المتحدة حول البيئة الذي عقد في صيف عام 1972، أي بعد أشهر قليلة من تأسيس دولة الإمارات.

1993.. التزام بيئي
شكّلت رؤية الشيخ زايد لحظة تأسيس الدولة في عام 1971 سابقة على مستوى المنطقة، حيث شهدت الدولة خلال العقد الأخير من القرن العشرين حراكاً بيئياً واسعاً تزامن مع بدء مرحلة جديدة من التنمية الشاملة، وجاء إنشاء «الهيئة الاتحادية للبيئة» في فبراير 1993 ليؤكد التزام الإمارات بالمحافظة على البيئة، ويعزز من السياسات والتدابير الرامية لاستدامة التنمية، وبحلول الألفية الثالثة كانت دولة الإمارات قد طوّرت إطاراً تشريعياً ومؤسسياً متنامياً، فشهدت هذه الفترة صدور عدد من التشريعات البيئية، والانضمام إلى العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية متعددة الأطراف، وإصدار الاستراتيجية الوطنية البيئية وخطة العمل البيئي الوطنية.

إنتاج التمور
تعتبر الإمارات من الدول المتقدمة في إنتاج التمور على المستوى العالمي، حيث تبلغ مساهمتها نحو 14% من جملة الإنتاج العالمي للتمور، كما احتلت المرتبة التاسعة عالمياً من حيث الإنتاج المسوق بأكثر من 345 ألف طن وبقيمة تجاوزت 2 مليار درهم للفترة ما بين (2017-2018)، وفي المركز الثاني من حيث التصدير، إذ تشير الإحصاءات الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة الدولية (الفاو) بأنّ حجم الصادرات لعام (2019) لدولة الإمارات بلغ حوالي 146 ألفاً و821 طناً - لا تشمل كميات إعادة التصدير - بقيمة تجاوزت 647 مليون درهم، كما تشكل مساحة الأراضي المزروعة بأشجار نخيل التمر حالياً حوالي ثلثي مساحة الأراضي الزراعية في الدولة.

الثروة السمكية
في حين تمثلت إنجازات الإمارات بمجال تنمية الثروة السمكية، في توفير 46 موقعاً للإنزال السمكي على شريط ساحل الدولة، وهو مؤشر على ما تمثله البيئة البحرية والساحلية في الدولة البيئة الأهم من النواحي الاقتصادية والاجتماعية، وتوفير الحماية للثدييات البحرية مثل الدلافين والأطوم والسلاحف البحرية و27 نوعاً من أسماك القرش واللخم وحظر صيدها طيلة العام، بالإضافة إلى تطوير نشاط الاستزراع السمكي وتسهيل إجراءات إصدار التراخيص الخاصة بمزاولة هذا النشاط طوال السنوات الماضية، حيث بلغ عدد مزارع الاستزراع السمكي المرخصة 12 مزرعة منتشرة في مختلف أرجاء الدولة بـ2022.

توثيق مسيرة
ضمن الإنجازات التي توثق مسيرة الدولة طوال الـ 51 عاماً، فإن القفزات النوعية طالت مجالات البيئة مثل الزراعة والتنوع البيولوجي وجودة الهواء والثروة السمكية وتغير المناخ، ففي المجال الزراعي، قفز إنتاج أشجار الفاكهة من 38 ألف طن في 1977 إلى 394 ألف طن في 2020، وإنتاج المحاصيل الحقلية من 23 ألف طن في 1977 إلى 476 ألف طن في 2020، وقيمة الإنتاج النباتي من 96.8 مليون درهم في 1977 إلى 4.1 مليار درهم في 2020، ونمو في عدد الأبقار والماعز من 213.945 رأساً في 1976 إلى مليونين و451 ألف رأس في 2019، كما قفزت قيمة إنتاج مزارع الدواجن اللاحمة من 21.9 مليون درهم في 1980 إلى 619.6 مليون درهم في 2020، وكمية إنتاج مزارع الدواجن اللاحمة من 1.944 طناً في 1980 إلى 54.101 طن في 2020، وكمية إنتاج بيض المائدة من 40 مليون بيضة في 1980 إلى 1.155 مليار بيضة في 2020، وكمية إنتاج حليب مزارع الأبقار من 44 ألف طن في 1998 إلى 257 ألف طن في 2020، وقيمة إنتاج حليب الأبقار من 97.6 مليون درهم في 1998 إلى 536.4 مليون درهم.
وساهم 578.840 دونماً من أراضي الإمارات خلال 2020 في تحقيق نسب معقولة من الاكتفاء الذاتي لبعض المحاصيل، كما شجعت الدولة عبر القطاع طوال السنوات الماضية على تبني التكنولوجيا الحديثة وفقاً لظروفها المناخية، حيث تم التشجيع على استخدام نظم الزراعة المغلقة والمحمية والعمودية والعضوية.

توجهات وسياسات
ولضمان تحقيق منظومة العمل من أجل البيئة والمناخ، فقد تبنت الإمارات مجموعة من التوجهات والسياسات والمبادرات التي تشكل إطاراً عاماً لعمل القطاعات كافة؛ ومنها: توجه التحول نحو الاقتصاد الأخضر والطاقة، والسياسة العامة للبيئة للدولة، وسياسة الاقتصاد الدائري، والخطة الوطنية للتغير المناخي، والبرنامج الوطني للتكيف مع تداعياته، وتبني توجه إدماج العمل المناخي في استراتيجيات القطاعات كافة؛ ومن أهمها القطاع الزراعي عبر التوسع في نشر واستخدام نظم الزراعة الحديثة المستدامة، والانضمام للمبادرة العالمية «الابتكار الزراعي للمناخ»، ومبادرة الحياد المناخي 2050 التي تمثل محركاً مهماً لاستراتيجية التنويع الاقتصادي بالإمارات من أجل تطوير صناعات وتقنيات ومهارات ووظائف جديدة، إلى جانب حماية البيئة.

تنوع بيولوجي
من الإنجازات المتفردة في مجال التنوع البيولوجي، ارتفاع عدد المحميات الطبيعية من 6 محميات في 1996 إلى 49 محمية في 2020 وبنسبة ارتفاع المساحة الإجمالية للمحميات الطبيعية من مساحة الدولة عام 2020 لتصل إلى 15.53%، إضافة إلى ارتفاع مساحة المحميات البرية إلى 18.4% في 2020، فيما وصلت نسبة مساحة المحميات البحرية إلى 12.01%، بالإضافة إلى اعتماد 30 موقعاً مهماً للطيور، مع العلم أنّ آخر تحديث على خريطة المواقع المهمة للطيور في الدولة كان في عام 1994، وبلوغ متوسط نسبة الثدييات المهددة بالانقراض بنسبة 24%، بينما بلغ هذا المتوسط على الصعيد العالمي 25%.

جودة الهواء
من الإنجازات في مجال جودة الهواء، شهدت دولة الإمارات ارتفاعاً ملحوظاً في إجمالي المحطات العاملة بمراقبة جودة الهواء في مناطق الدولة كافة خلال الـ 5 سنوات الماضية، ليصل إلى 56 محطة عاملة في عام 2021، بعدما كان 39 محطة في عام 2017، وانخفاضاً ملحوظاً في المتوسط السنوي لتركيز تلوث الأوزون الأرضي في مواقع الدولة السكنية خلال عام 2021، ليصل إلى (59 ميكرو جرام/متر³)، بعدما كان (69 ميكرو جرام/متر³) في عام 2017، وانخفاضاً ملحوظاً في المتوسطات السنوية للجسيمات القابلة للاستنشاق (قطرها 10 ميكرون)، حيث بلغ المتوسط في عام 2021 (113 ميكرو جرام/ متر³).

قدرات بحثية
من أهم الإنجازات المتفردة لدولة الإمارات في مجال العمل المناخي، إطلاق «شبكة أبحاث تغير المناخ في دولة الإمارات» مطلع عام 2021، لتحقيق عدة أهداف؛ أهمها تعزيز القدرات البحثية والمعرفية للدولة ودول منطقة الشرق الأوسط في ملف مواجهة تغير المناخ، وإتاحة المجال أمام الأفراد للاطلاع على النتائج والدراسات لتعزيز الوعي البيئي لديهم، وتضم الشبكة عضوية 90 عالماً وباحثاً مناخياً من الجهات الحكومية والجامعات والمراكز البحثية المنتشرة في معظم أرجاء الدولة، بالإضافة إلى إنشاء شبكة مكونة من 94 محطة لرصد عناصر المناخ طوال شهور السنة على مستوى الدولة وغيرها الكثير.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©