الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

«الكربون الأزرق».. أنموذج الإمارات لمواجهة تغير المناخ

«الكربون الأزرق».. أنموذج الإمارات لمواجهة تغير المناخ
10 نوفمبر 2022 01:27

شروق عوض (دبي)

تأتي مشاركة الوفد الرسمي من دولة الإمارات حالياً في فعاليات الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «COP27»، في مدينة شرم الشيخ بمصر، وتحديداً في فعالية خاصة بعلوم المحيطات، ومؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات، والتي تقام الخميس المقبل، لريادتها في الاستفادة من الحلول المستندة إلى النظم البيئية للكربون الأزرق مثل غابات القرم والأراضي الرطبة ومناطق الأعشاب البحرية لمواجهة تحدي تغير المناخ، إضافة إلى دعمها اللامحدود لجهود الحفاظ على المحيطات وتوسيع نطاق العلم والابتكار من أجل تنفيذ الهدف 14 من أهداف التنمية المستدامة.
ورغم ما كشفت عنه نتائج مؤتمر «الأمم المتحدة للمحيطات لعام 2022»، قبيل انعقاد قمة شرم الشيخ في الفترة ما بين 6 و18 نوفمبر الحالي، من مواجهة المحيطات تهديدات غير مسبوقة نتيجة للأنشطة البشرية، حيث ستزداد حالتها الصحية وقدرتها على الحفاظ على الحياة سوءاً مع نمو عدد سكان العالم وزيادة الأنشطة البشرية، إضافة إلى ضرورة حماية الدول لحالة المحيطات بالتوازي مع معالجتها للقضايا الحاسمة مثل التغيرات المناخية وانعدام الأمن الغذائي وتناقص التنوع البيولوجي، إلا أن دولة الإمارات ملتزمة بهدفها بشأن إجراءات التكيف مع تداعيات التغير المناخي، بما في ذلك العمل عن كثب مع المنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص، لتحقيق الالتزام بالحفاظ على إدارة المحيطات بشكل مستدام عبر التكنولوجيا الخضراء واستخدامات مبتكرة للموارد البحرية ومعالجة الأخطار التي تهدد حوكمة المحيطات مثل التحمض والقمامة البحرية والتلوث والصيد غير القانوني وغير المبلغ عنه وغير المنظم وفقدان الموائل والتنوع البيولوجي.

رئة الكوكب
نتيجة للإدراك المبكر لما تشكله المحيطات من رئة للكوكب ومستودع كبير للكربون في الكوكب، حيث تغطي المحيطات 70 في المائة من سطح الأرض وتحتوي على 80 في المائة من جميع أنواع الحياة في العالم، فهي تنتج 50 في المائة من الأكسجين الذي نحتاجه، وتمتص 25 في المائة من جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وتلتقط 90 في المائة من الحرارة الإضافية الناتجة عن تلك الانبعاثات، فإن دولة الإمارات ملتزمة بمشاركة المجتمع الدولي في حماية المحيطات من آثار تغير المناخ، وبذل المزيد من الجهود على المستويين الإقليمي والعالمي لضمان استدامة المحيطات التي ترعى تنوعاً بيولوجياً يفوق التصور وتنتج الغذاء والوظائف والموارد المعدنية والطاقة اللازمة للحياة على كوكب الأرض من أجل البقاء والازدهار.

أهداف تنموية
ويأتي حرص الإمارات على تحقيق الهدف 14 من أهداف التنمية المستدامة، الذي اعتمد في عام 2015 باعتباره جزءًا لا يتجزأ من خطة التنمية المستدامة لعام 2030، ومجموعة أهدافه البالغ عددها 17 هدفًا تحويليًا، لأهميته في الحفاظ على محيطات العالم وبحاره وموارده البحرية واستخدامها على نحو مستدام من خلال النهوض بغايات محددة تركز على مجموعة من قضايا المحيطات، بما في ذلك الحد من التلوث البحري، وحماية النظم الإيكولوجية البحرية والساحلية، وتقليل التحمض إلى أدنى حد، والقضاء على صيد الأسماك غير المشروع والمفرط، وزيادة الاستثمار في المعرفة العلمية والتكنولوجيا البحرية، واحترام القانون الدولي الذي يدعو إلى الاستخدام الآمن والمستدام للمحيط وموارده.

دعم البلدان
وتدعم الإمارات خلال قمة شرم الشيخ إجراءات البلدان بشكل كامل لإدارة المحيطات بشكل مستدام، وبشكل خاص لتحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030، من خلال إنشاء أساس جديد، عبر التداخل بين العلم والسياسة، لتعزيز إدارة المحيطات والسواحل لصالح البشرية. 

أشجار القرم 
ومن المبادرات الريادية لدولة الإمارات بهذا الجانب، عملها بشكل استباقي على زيادة هدف زراعة أشجار القرم المحلي «المانغروف» من 30 مليوناً إلى 100 مليون بحلول 2030 -التي أُعلن عنها سابقاً ضمن التقرير الثاني للمساهمات المحددة وطنياً وفقاً لاتفاق باريس للمناخ-، حيث تعزز هذه المبادرة مكانة الدولة الرائدة عالمياً في الاعتماد على الحلول المستندة إلى الطبيعة والنظم البيئية للكربون الأزرق في مواجهة تحدي التغير المناخي والتزاماتها للحفاظ على استدامة غابات القرم.

حماية السواحل
وتلعب غابات القرم دوراً مهماً في حماية سواحل دولة الإمارات من ارتفاع مستويات سطح البحر، والعواصف الشديدة، وتوفير الموائل الطبيعية للتنوع البيولوجي، كما أنها تعمل كأحواض طبيعية للكربون، وتمثل الإمارات موطناً لـ60 مليون شجرة قرم، وتمتد هذه الغابات على مساحة تصل إلى 183 كيلومتراً مربعاً، وتلتقط 43,000 طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، ومع إضافة 100 مليون شجرة من أشجار القرم، سيصل إجمالي مساحة غابات القرم إلى 483 كيلو متراً مربعاً، وستساهم بدورها في التقاط 115.000 طن -تقريباً- سنوياً من ثاني أكسيد الكربون.

حوارات وطنية
وضمن توجهاتها الاستراتيجية لتعزيز مشاركة كل القطاعات في تحقيق مستهدفات دولة الإمارات بخفض معدلات الكربون والسعي نحو الوصول للحياد المناخي بحلول 2050، استضافت وزارة التغير المناخي والبيئة مؤخراً الحوار الوطني السادس للطموح المناخي، تحت شعار «تسريع وتيرة عزل الكربون من خلال الحلول القائمة على الطبيعة»، والذي استهدف كل القطاعات ذات الأولوية لتعزيز مساهمتها وجهودها في الاستفادة من النظم البيئية للكربون الأزرق، مثل غابات القرم (المانغروف)، والأراضي الرطبة ومناطق الأعشاب البحرية، لمواجهة تحدي التغير المناخي.

ركائز أساسية
ويمثل الاعتماد على الحلول القائمة على الطبيعة إحدى الركائز الرئيسة التي تعتمد عليها دولة الإمارات في مواجهة تغير المناخ، وتوفر غابات المانغروف فوائد عدة في التخفيف من آثار تغير المناخ وتعزيز قدرات التكيف مع تداعياته، حيث تساهم بشكل فعال في حماية السواحل من ارتفاع مستويات سطح البحر، وتوفير موائل طبيعية مناسبة للتنوع البيولوجي، كما تعمل كأحواض فعالة للكربون.

خطط COP28
وتعمل الإمارات كدولة مستضيفة لدورة 28 من مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP28 في مدينة إكسبو بدبي العام القادم، على مواصلة الحوارات حول تسريع وتيرة تنفيذ الحلول المناخية المبنية على المحافظة على معدل الاحتباس الحراري العالمي ضمن حدود 1.5 درجة مئوية، من خلال التركيز على كل القضايا كالمحيطات، ومشاركة المعرفة والخبرات مع الدول الأخرى واستكشاف فرص إبرام شراكات فعالة في هذا المجال، والاستفادة من جميع الحلول المتاحة في إطار التعاون والعمل الجماعي.
وتعمل الدولة على حماية البيئة البحرية والساحلية والحفاظ على نظمها البيئية تماشياً مع التزامها بتنفيذ الهدف الرابع عشر من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة. وتشمل هذه الجهود توسعة شبكة المحميات البحرية، وتنظيم قطاع الصيد، وتطوير قطاع تربية الأحياء المائية، ومكافحة التلوث البحري، وإعادة تأهيل النظم البيئية البحرية المتدهورة.

المناطق البحرية والساحلية
ونجحت الإمارات في تحقيق مستهدفات الهدف الرابع عشر من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة والتي كان موعدها النهائي في عام 2020، حيث خصصت الدولة 16 منطقة محمية بحرية تمثل 12.01% من مساحة مناطقها البحرية والساحلية. وحققت الإمارات الهدف 14.5 الذي يتضمن الحفاظ على 10% على الأقل من المناطق البحرية والساحلية. كما واصلت الدولة صدارتها العالمية في مؤشر الأداء البيئي ضمن فئة المحميات البحرية. وبفضل الإدارة المتكاملة للمناطق المحمية البحرية، والتي يتم تقييم فعاليتها بشكل دوري، حققت الإمارات كذلك الهدف 14.2 الذي يتطلب من الدول تطبيق إجراءات تهدف إلى حماية نظم البيئة البحرية والساحلية وإدارتها بشكل مستدام، واتخاذ خطوات عملية لاستعادتها.

أولوية الإمارات
إن حدوث أي خلل في الأنظمة البيئية للبحار والمحيطات سيشكل عاملاً مساهماً بمخاطر وكوراث متعددة على جودة خواص المياه والبيئات الحيوية الأخرى، ويمكن أن يؤدي أي تدهور في العمليات البيولوجية أو الفيزيائية والكيميائية الرئيسية للمياه البحرية إلى آثار ضارة متعددة الأبعاد على النواحي الاجتماعية والاقتصادية والصحة البيئية والإنسانية في تلك المناطق، لذلك فإن الإدارة المستدامة للموارد الساحلية والبحرية، وكذلك الحفاظ على جودة المياه.
وتعتبر مياه المناطق البحرية للدولة موطناً لمجموعة متنوعة وغنية من الأحياء والموائل الاستوائية، بالإضافة إلى كونها ذات قيمة سياحية وتراثية، إلا أن الاختلاف في التنوع البيولوجي والتوزيع الجغرافي لها، يمكن أن يحدث مصاحباً للتغيرات المناخية والملوثات أو الأنواع الدخيلة، وتمثل المحافظة على جودة المياه البحرية أحد الأهداف المهمة في الخطط الاستراتيجية للدولة، حيث ترتبط هذه الأهداف مع مجموعة مهمة من المؤشرات المحددة في الأجندة الوطنية لرؤية الإمارات 2021، ومئوية الإمارات.

جودة مياه الدولة
من أهم النتائج الإيجابية لمبادرات الإمارات في المحافظة على البيئة البحرية وتنوعها البيولوجي وفقاً لنتائج دراسة وزارة التغير المناخي والبيئة، وقوع جودة المياه البحرية بالدولة ضمن أعلى مستويات تصنيف المياه البحرية خلال عام 2021، حيث بلغت جودة عالية ووصلت لـ81.1%، وتمتع دولة الإمارات ببيئة بحرية ذات تنوع فطري غني، ولعبت جودة المياه البحرية دوراً محورياً بمنظومة البيئة البحرية، حيث تعتبر من العوامل الرئيسة لبقاء واستمرارية الحياة لأجل الأحياء البحرية، إذ يؤدي تدهور جودتها إلى حدوث أضرار بالموارد والموائل البحرية.
كما أظهرت نتائج الدراسة الخاصة بمستويات الميكروبات البكتيرية وجود مستويات متدنية من البكتيريا بمياه الساحل الشرقي للدولة، بالمقارنة مع مياه الشواطئ المطلة على الخليج العربي، حيث تعتبر مستويات الميكروبات في المياه البحرية منخفضة للغاية، مما يدل على أن مياه الشواطئ آمنة بوجه عام للأنشطة الترفيهية. وأشارت نتائج الدراسة إلى احتواء مياه الدولة على مغذيات شبه طبيعية ومتساوية ما بين الخليج العربي وبحر عمان، حيث لوحظ احتواء الخليج العربي على مياه مشبعة بالمغذيات مثل النتريت أكثر من مياه الساحل الشرقي خلال موسم الصيف، بينما تحتوي مياه بحر الساحل الشرقي التابعة للدولة على معدلات أعلى للمغذيات البحرية المتمثلة بـ(الأمونيا، الفوسفات، النترات، والسلكيات)، بالمقارنة مع مياه الخليج العربي التابعة للدولة خلال معظم فصول السنة، وذلك بسبب تدفق تيارات البحرية سواء السطحية والانبعاثات القاعية المحملة بالكميات الباردة ذات المخزون العالي من المغذيات من المحيط الهندي وبحر العرب.

دعم لامحدود
بفضل توجيهات القيادة ودعمها اللامحدود، أرست الإمارات نموذجاً ناجحاً في تمكين الشباب لقيادة العمل المناخي محلياً والمشاركة في جهوده دولياً، إذ تتطلع إلى مشاركة الشباب الفاعلة في مؤتمر COP28 التي تستضيفها الدولة، لكونهم أمل المستقبل في جهود الحد من تداعيات تغير المناخ، وضمن أهم المبادرات التي أطلقتها الدولة بشأن إشراك فئة الشباب في ملف تغير المناخ، مجلس الشباب العربي للتغير المناخي وهو مبادرة من مركز الشباب العربي بالتعاون مع وزارة التغير المناخي والبيئة ومكتب المبعوث الخاص لدولة الإمارات لشؤون التغير المناخي، وشركاء القطاع الخاص وتحت مظلة جامعة الدول العربية، ويهدف المجلس إلى تشكيل نقلة نوعية في تفاعل الشباب العربي مع القضايا البيئية ودعم العمل الشبابي المختص بقضايا التغير المناخي وإشراك الشباب العربي وتوظيف طاقاتهم لاقتراح الحلول والإبداعات المستجدة في المجال والعمل على تنفيذ الحلول المستدامة لتحدي التغير المناخي. وضمن المبادرات أيضاً، مشاركة الجهات المحلية باشراك الشباب في طرح أفكارهم بشأن تغير المناخ، ومن الأمثلة على ذلك قيام هيئة البيئة - أبوظبي بإجراء استبيان موجه لـ10 آلاف من الشباب على الأقل، في الإمارات السبع ممن تتراوح أعمارهم ما بين 15-29 عاماً، للتعرف على آرائهم ووجهات نظرهم حول القضايا البيئية الأكثر إلحاحًا، والآثار المترتبة على التغير المناخي.

صحة المناطق البحرية
تستخدم الدولة مؤشر جودة المياه البحرية، كمؤشر يعبر عن مدى صحة المناطق البحرية والحياة الفطرية بها، مما يؤدي إلى سهولة التنبؤ والتعامل والتكيف مع طبيعة جودة المياه البحرية والتقليل من التكلفة الاقتصادية المترتبة لها، حيث تمثل هذه الإجراءات إحدى الأدوات المهمة في رصد التغيرات التي يمكن أن تطرأ على جودة المياه البحرية أولاً بأول، وإتاحة الفرصة للسلطات المختصة والجهات المعنية للاستجابة لهذه التغيرات ومعالجتها بصورة فورية، كما تتيح التعرف على العوامل المؤثرة في جودة المياه البحرية، وتقييم فعالية التشريعات والتدابير المتخذة لحمايتها والمحافظة عليها، إضافة إلى مساهمتها في دعم عملية اتخاذ القرار من خلال متابعة القيم المرجعية المحددة.

الشعاب المرجانية
كشفت نتائج دراسة أعدتها وزارة التغير المناخي والبيئة عن مقاومة وصمود الشعاب المرجانية في مياه دولة الإمارات ودول الخليج العربي، أمام الظروف المتطرفة التي فرضها تغير المناخ كارتفاع درجات حرارة المياه السطحية وكميات ثاني أكسيد الكربون وتحمض المحيطات، عازية السبب من وراء ذلك إلى تمتع الشعاب المرجانية في مياه المنطقة بمرونة عالية مكنتها من التكيف مع أعلى درجات الحرارة على مستوى العالم بشكل غير اعتيادي، مما ميزها عن بقية أنواع الشعاب المرجانية الأخرى في العالم، ورغم تأكيدات العديد من الدراسات على عدم إمكانية صمود الشعاب المرجانية في أنحاء مختلفة من العالم أمام تلك الظروف المناخية القاسية، إلا أن الدراسة أثبتت عكس ذلك.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©