الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

واجبات ما بعد التمكين

واجبات ما بعد التمكين
4 أكتوبر 2022 01:34

سارة إبراهيم شهيل *

«بناء الإنسان صعب، ولكنه الثروة الحقيقية».. حكمة خالدة استقيناها عن أبينا المؤسس، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.. ومع نشأتنا في إمارات التسامح والمحبة، رسخت فينا روح التآخي والحرص على مصلحة الإنسان والاستثمار فيه بغض النظر عن أصله أو انتماءاته ودون أي تحيّز.
وتدعو تلك النظرة الثاقبة للثبات على تقديم الأولويات، فبقدر ما يحظى الحوار حول حقوق الفئات المستضعفة في الرعاية والتأهيل باهتمام بالغ لدى كل شخص حريص على أخيه الإنسان، إلا أن النظرة الأشمل تتطلب القدر ذاته من المجهود والزخم، ويُقصد بها أن يلي الترميم والإصلاح جهوداً متواصلة لتحويل الضحية إلى فرد منتج ذي دور في مجتمعه.
ولا شك في أن مرحلة الرعاية ضرورية لصون الحقوق ووضع الأمور في نصابها الصحيح بعد وقوع الضرر على حالات العنف والإيذاء والاتجار بالبشر، إلا أن تلك المرحلة وحدها لا تحقق نتائج مستدامة.
وتشير تقارير عالمية إلى وقوع ما يفوق ربع عدد ضحايا الاتجار بالبشر في شباك تلك الجريمة من جديد في مناطق متفرقة، ومنها على سبيل المثال تقرير أصدرته جامعة نوتنغهام عام 2021، أفاد بأن منطقة جنوب شرق أوروبا سجلت حالات إعادة اتجار بالبشر تصل إلى 29%، ما يثير التساؤلات حول حجم التمكين الذي يجب أن تتلقاه الحالات لضمان عدم بقائها في دوامة الاتجار بالبشر.
وقد انتشر في أوساط القطاع الاجتماعي ما يعرف بالصدمة المتوالية بين الأجيال، والتي تعبر عن تناقل ممارسات العنف الأسري بأشكاله من الآباء إلى الأبناء مع مرور السنوات والعقود، وأفادت دراسة حديثة بأن النساء اللاتي  يعانين من توتر شديد خلال الحمل أكثر عرضة بنحو 10 أضعاف لإنجاب أبناء تتطور لديهم اضطرابات شخصية مع بلوغ سن الثلاثين. وتلك مؤشرات قوية على أن العنف قادر على إعادة توليد ذاته واتخاذ أشكال جديدة بحسب الظروف المحيطة به، بحيث يصنع دورة مستمرة لا تتوقف إلا باتخاذ إجراءات حازمة لكسرها. ومن هنا يتضح أن الحالات الناجية من العنف والاتجار بالبشر، إن لم تصل إلى مرحلة التأهيل والتمكين وإعادة الإدماج في مجتمعاتها، تصبح عبئاً على جميع القطاعات، وتستنزف الجهود والأصول والميزانيات، نظراً للحاجة المزمنة للدعم النفسي والقانوني والمالي، بالإضافة إلى ضعف مساهماتها في المجتمع، ما يزيد الآفات المجتمعية ويهبط بالإنتاجية والمؤشرات. ومع خصوصية كل حالة واختلاف الظروف المحيطة التي قد تعيدها إلى دائرة العنف، حرص القطاع الاجتماعي بدولة الإمارات على أن يتيح برامج شاملة تغطي شتى العوامل المساعدة، بما فيها ضمان الوعي وتوفر الموارد لدى جهات إنفاذ القانون لتسهيل التعرف على الحالات وتقديم الخدمات اللازمة لها وملاحقة الجناة قضائياً، وقد كانت تلك الجهات خير عون لمركز أبوظبي للإيواء والرعاية الإنسانية - إيواء في هذا الشأن، وعمل المركز على مدار السنوات على تقديم محاضرات وورش عمل لديها للحفاظ على مستوى الوعي بكيفية التعامل مع الحالات وإحالتها للمؤسسات المعنية.
وتستهدف برامج التمكين في المركز، في ظل المنظومة الداعمة والمُلهمة، مختلف الجوانب، كالتأهيل المهني والعلاج النفسي والصحي وحل المشكلات القانونية والاستشارات والمتابعة والتنسيق مع الشركاء لتقديم خدمات كاملة. وبهذا يحظى الناجي بفرصة جديدة لعيش حياة سوية تتوازن فيها حقوقه مع واجباته، فلا تتكرر معاناته أو تطال تداعياتها جميع أفراد المجتمع. ويبقى الإنسان استثماراً صعباً يستهلك الوقت والجهد والمال، إلا أنه الجوهر والأصل والأساس التي بُنيت عليه مكانة وطننا الغالي.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©