الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

7 سنوات في غياهب الإدمان

7 سنوات في غياهب الإدمان
6 مارس 2022 02:08

خلفان النقبي (أبوظبي)

يقال إنك إن أضعت ثروتك لم تخسر شيئاً، وإن أضعت صحتك خسرت أشياء كثيرة، لكن إن أضعت قرارك وعزيمتك فقد خسرت كل شيء، فالقرارات الحازمة في حياة الإنسان لا تأتي عفوية، بل الأقوياء وحدهم من يتصدون للصعاب ويتخذون بشأنها أوضح القرارات، حيث إن مقدرة الإنسان وإرادته ترفعانه إلى القمة وشخصيته تحفظه من السقوط، فقوة الشخصية والإرادة من مقومات النجاح.
هذا ما ينطبق على هؤلاء الشباب الذين عادوا إلى رشدهم بعد أن جرفهم تيار الإدمان ورفاق السوء ولجو بهم في بئر مظلمة، تزداد ظلماتها كلما تمادوا في غيهم، وجبنوا عن أن يتخذوا قرار الخلاص. هنا نسرد قصة واقعية لتجربة شاب أدمن المخدرات لأسباب عدة، لاقى خلالها نفور الجميع منه، حتى أقرب الأقربين، بل وتطاول على أعز الناس إليه «والده» في لحظات تغّيب فيها عقله وشل عن التفكير بسبب تعاطي المخدرات، لكن بالعزيمة والإرادة والإصرار جاء القرار الحاسم بالعلاج، بعد أن ضاقت به السبل ووجد نفسه ممقوتاً منبوذاً من الجميع، ليفيق إلى نفسه في اللحظات المناسبة.

 ريعان الشباب
بدأ «علي» التعاطي عندما كان عمره 17 عاماً، وبقي في قاع الإدمان لـ 7 سنوات، وعن بداية دخوله عالم الإدمان قال: كنت أتعاطى حبوب «الترامادول»، وفي فترة بسيطة جداً، ما يعادل الشهر تقريباً، حتى وصلت إلى مرحلة الإدمان، كما تعلمون أن فترة المراهقة بها الكثير من التغيرات الفكرية والجسدية لدى الشاب، وما دفعني في المقام الأول هو الفضول وحب التجربة، بالإضافة إلى أن رفاق السوء قد لعبوا دوراً كبيراً في إقناعي بالتجربة، وبصراحة مطلقة، يتردد ويصمت ثم يتابع: السبب الأكبر أنني كنت أهرب من حالة انتابتني بسبب قصة حب لم تكتمل، حيث وقف الجميع في وجهي من دون استمرار هذا الحب، الأمر الذي جعلني أمر بحالة نفسية سيئة، إذ لم أكن أحظى باهتمام من قبل عائلتي؛ لذا لجأت للإدمان.
نهايات مأساوية
كنت أقنع نفسي بأن لا أحد سيعرف أنني أقوم بهذا العمل، على الرغم من أنني كنت أسمع عن النهايات المأساوية التي تصيب المدمن، إلا أن خيالي صوّر إليّ سهولة الرجوع عن هذا الطريق في أي وقت أشاء، وكنت متوهماً، ولم أرتدع وأتعظ من تجربة خالي الذي توفي بسبب تعاطيه جرعة زائدة من المخدرات، ويصمت قليلاً ويقول: كنت أشعر بخوف شديد من الشرطة، ومن معرفة الأهل بأمري، لكن أصدقاء السوء كانوا يشجعونني ويعملون بشدة على إقناعي بأن المخدرات ستنسيني المشكلات العائلية التي كنت أواجهها في المنزل، فقلت لنفسي سأجرب حالياً فقط، وسأترك لاحقاً. وقال علي: إذا كان هناك عدم ترابط أسري وأسرة مفككة، وتشعر أنه لا يوجد أحد يهتم بك ويسأل عنك ويعطيك الحنان والدعم المعنوي، فيكون هذا سبباً للجوئك إلى أصدقاء خارج المنزل وانجرارك لرفاق السوء والإنصات إليهم. وكثيراً ما شعرت بالذنب، وكنت دائماً أفكر في أن أترك التعاطي، لكن لم أستطع، كنت أعتقد أنه لن يحس أحد أنني أتعاطى، وكنت أستمر في رؤية أصدقائي ومقابلتهم، لكن بعد فترة قصيرة أصبحوا يبتعدون عني لأنهم سمعوا أني أتعاطى.

رحلة العلاج
ونوه علي: بداية لم أفكر في التوقف، لكن بعد دخولي في عدة قضايا لجأت إلى برنامج الـ 12 خطوة لعلاج الإدمان، واستمررت لمدة بسيطة ولم أكمل، لأني أحسست نفسي ضعيفاً ولن أستفيد، ولكن بعد آخر قضية مررت بها شعرت بالذل الكبير، وتعبت نفسيتي وتحطمت، كذلك خسرت الكثير، خسرت عملي ونفسي وصحتي، في هذه الأثناء فكرت في ذاتي قبل أن أفكر بأي أحد آخر، وكيف أنقذ نفسي وأحاول الخروج من هذه الهاوية التي وقعت بها، وكنت أصاب لفترات بآلام وأوجاع بسبب انسحاب المادة المخدرة من جسمي، لكن بعد فترة خفّت هذه الأعراض تدريجياً. عندما امتلك علي الإرادة والشجاعة على مواجهة مشكلته مع الإدمان لحل أزماته، أول ما فكر فيه هو اللجوء للمركز الوطني للتأهيل بأبوظبي: في يوم من الأيام أتى إليّ شخص وطلب أن يشتري مني حبوباً مخدرة، فقلت له: ليس لديّ، وأرسلته عند شخص آخر ليشتري منه، فقبضت عليه شرطة مكافحة المخدرات وأخبرهم عني، كانت هذه آخر قضية قبل العلاج، وأنا في طريقي إلى السجن، راودتني فكرة العلاج، وقابلت شخصاً في شرطة مكافحة المخدرات كنت أعرفه مسبقاً، فقلت له: (الله يخليك، أريد أن أتعالج، ماذا أفعل إلى أين أتوجه؟)، فقال لي: هناك «المركز الوطني للتأهيل في أبوظبي» تواصل معهم، وستجد غايتك عندهم بإذن الله، وأثنى لي كثيراً على المركز وعلى السرية والخصوصية، وقال إنني سأتعافى عن طريقهم.. وفور خروجي من السجن اتصلت بوالدتي وأخبرتها أنني قررت العلاج والتعافي، وسأتجه إلى المركز الوطني للتأهيل. 
وأضاف علي: في البداية، قلت في نفسي سيكون المركز هو المنقذ الوحيد لي حتى أتخلص من جميع مشاكلي، وأن المركز سيزودني بأدوية. لكن بعد دخولي قسم إخراج السموم تشجعت وقلت في نفسي «سيكون هدفي الأساسي العلاج والتخلص من المخدرات».

سعادة مؤقتة
عن الإحساس الذي كان ينتابه وقت التعاطي، أشار علي: كنت في البداية أشعر بالسعادة و(الفرفشة) والفرح، وبعد فترة قصيرة جداً تبدأ الأعراض السلبية والنفسية والجسدية في الظهور، وبالتالي تؤثر على أدائي وشخصيتي ونفسيتي وتصرفاتي، وأنفعل عندما يتكلم معي أي شخص وأبدأ بالصراخ، وحصلت لي عدة مواقف سيئة ولكن أكثر موقف أثر عليّ وكل ما أتذكره يزعجني، هو أنني ذات يوم كنت عائداً من جلسة تعاطٍ وحصلت مشاجرة بيني وبين أهلي وفقدت السيطرة على نفسي، لأنني تحت تأثير المخدر، وضربت والدي، ثم توجهت إلى أعلى المنزل وربطت عنقي بـ«سلك كهرباء»، كنت أريد الانتحار ورميت نفسي، ولكن لم أصب بأذى، حيث نسيت ربط السلك من الخلف لأنني تحت تأثير المخدر، كنت مغيّب العقل. 

 

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©