الأحد 12 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

أزمة المناخ - حان الوقت لتحويل الطموحات إلى أفعال

شيخة الظاهري
19 نوفمبر 2021 01:39

شيخة سالم الظاهري
في أكتوبر 2021، افتتحت دولة الإمارات العربية المتحدة معرض «إكسبو 2020»، بعد تأخير لمدة عام تقريبًا بسبب جائحة كورونا. أرسل افتتاح المعرض، الذي يعتبر أحد أكبر وأهم الفعاليات العالمية، رسالة قوية للغاية للشركات والدول في جميع أنحاء العالم. تمثلت رسالتنا، من خلال هذه الفعالية العالمية، في التأكيد على ريادة الدولة في مكافحة الوباء والسيطرة عليه لدرجة تسمح بإقامة حدث بهذا الحجم، وأنه حان الوقت لكي تعود الحياة في العالم إلى طبيعتها من جديد وتُستأنف الأنشطة، من السياحة إلى النقل والترفيه، والفعاليات والأعمال، والتي تسبب الوباء في تعليقها مؤقتاً.
وما قامت به قيادتنا الرشيدة بعد ذلك كان أكثر قوة وشجاعة، إذ إنه في جناح الاستدامة في إكسبو 2020 اجتمع خبراء من جميع أنحاء العالم لمناقشة سُبُل حماية التنوع البيولوجي والتصدي للتغير المناخي، وهناك، أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس مجلس الوزراء، مبادرة الحياد المناخي الإماراتية التي تهدف إلى الوصول للتوازن الصفري من صافي الانبعاثات بحلول عام 2050، الأمر الذي جعل الإمارات العربية المتحدة أول دولة في المنطقة تُقْدم على محاولة تحقيق هذه الغاية.
لم يكن هناك توقيت أكثر ملاءمة من بداية معرض إكسبو، وقبل انطلاق الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف للتغير المناخي «كوب 26» في غلاسكو. في حين أكد تنظيم معرض إكسبو على الدور الرائد للدولة في التغلب على الجائحة واستشراف المستقبل، وأكد الإعلان عن استراتيجية الحياد المناخي على ريادتها في الحفاظ على البيئة، والعمل من أجل التخفيف من آثار تغير المناخ. كما بعث برسالة قوية إلى العالم مُفادها أن الدولة ملتزمة بالاستدامة ومواجهة تغير المناخ، على الرغم من كون اقتصادها يعتمد على النفط والغاز. وألقى الضوء على رؤية دولة الإمارات الطموحة في أن تكون قوة عالمية رائدة تضع الاستدامة والطاقة النظيفة والاقتصاد الأخضر في صميم خططها.
هذا الإعلان يعني الكثير بالنسبة لنا كسلطة تنظيمه لشؤون البيئة في أبوظبي، حيث نتطلع إلى العمل مع جميع شركائنا الاستراتيجيين في هذه الرؤية الطموحة لحكومة الإمارات بشأن تغير المناخ، وجعل هذه المبادرة الاستراتيجية حقيقة واقعة في أبوظبي. بالنسبة لنا، لا بد من تطبيق برامج التكيف والتخفيف لمواجهة ظواهر التغير المناخي على وجه السرعة من خلال تضمينها في استراتيجيتنا المؤسسية 2021-2025. سنستمر في تطوير خططنا من أعمال جرد انبعاثات الغازات الدفيئة، والتي حددت المستويات الحالية للانبعاثات، بالإضافة إلى تقدير الانبعاثات المتوقعة حتى عام 2030. وسنعيد النظر في أهدافنا لخفض الانبعاثات، وضمان تحقيق مزيج من تدابير التخفيف والتكيف مع آثار التغير المناخي.
يتطلب تحقيق التوازن الصفري لصافي الانبعاثات في العقود الثلاثة القادمة إحداث تحول جذري في القطاعات الرئيسية مثل الطاقة (النفط والغاز والكهرباء والمياه) والنقل والبنية التحتية، إذ أن تطوير حلول طاقة بديلة ونظيفة بتكلفة معقولة، ومستويات انبعاثات منخفضة سيحدد كيفية تقدمنا نحو تحقيق هذا الطموح.
لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، يجب علينا إزالة انبعاثات غازات الدفيئة من القطاعات التي يصعب فيها إزالة الكربون باستخدام مصارف الكربون الطبيعية والاصطناعية، وتعزيز أجندة التنويع الاقتصادي في أبوظبي من خلال حلول مبتكرة ومنخفضة الكربون. قد يبدو هذا كله صعبًا، إلا أنه يمكن تحقيقه. نحن نعتبرها أيضًا فرصة للعمل عن كثب مع جميع شركائنا لضمان أن تكون أبوظبي مثالاً يحتذى به للإمارات الأخرى في التقدم نحو هذا الإنجاز.
وقد أُجريت بالفعل مجموعة من المناقشات مع الشركاء العاملين في مجال المناخ والتنوع البيولوجي على هامش الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف للتغير المناخي «كوب 26» في غلاسكو، حيث أحرزت القمة تقدمًا كبيرًا نحو معالجة أزمة المناخ. وما يلفت النظر مشاركة عدد من قادة العالم، والالتزامات التي قطعوها على أنفسهم لتقليل انبعاثات الكربون، والتي تعتبر من المؤشرات المهمة.
ومع ذلك، فإن العمل الحقيقي يبدأ الآن. كيف سيتم تطوير نمط العمل الحالي في مختلف القطاعات لتحقيق التزاماتنا المناخية، وكيف نبني الشراكات القوية في هذا المجال؟ حث الإعلان الختامي لمؤتمر الأطراف كل الدول على وضع خطط أكثر طموحًا للحد من الكربون بحلول عام 2022، وزيادة التمويل المناخي «بما يتجاوز 100 مليار دولار سنوياً».
كان الحد من انبعاثات غاز الميثان العالمية التزامًا رئيسيًا آخر اتفقت عليه أكثر من 100 دولة. ودولة الإمارات ملتزمة بخفض انبعاثات غاز الميثان، وستنضم إلى البلدان التي وعدت بخفض إنتاجها من الميثان بنسبة 30 في المائة على الأقل قبل عام 2030. لسوء الحظ، لم يتم إحراز الكثير من التقدم للتخلص التدريجي من الفحم، أحد أكبر مصادر التلوث.
أعلنت الإمارات بالفعل عن طموحاتها ودعمها لإنقاذ كوكب الأرض، حيث تحتفل بمرور 50 عامًا على انطلاق مسيرتها الرائدة. وتقدُّم الإمارات بطلب لاستضافة «كوب 28» في أبوظبي يعتبر خطوة هامة في جهودها المبذولة في مجال العمل من أجل المناخ. بالنسبة لي، وبالنسبة لنا جميعًا في دولة الإمارات، إنه لشرف كبير أن نستضيف هذا الحدث في أبوظبي في 2023.
تعكس الموافقة على طلب دولة الإمارات لاستضافة هذه الحدث ثقتها بالشباب. كما تؤكد على التزامها وريادتها، فمن الإعلان عن مبادة الحياد المناخي بحلول عام 2050، إلى التقدم بطلب لاستضافة الدورة الثامنة العشرين لمؤتمر الأطراف للتغير المناخي «كوب 28» دليل واضح على ريادة دولة الإمارات المستمرة في مجال الحفاظ على البيئة والعمل من أجل المناخ. كل ما سبق تلخص في هذه الكلمات لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، قبل أيام قليلة من الإعلان عن استضافة «كوب 28»: «يسعدنا استضافة دولة الإمارات الدورة الثامنة العشرين لمؤتمر الأطراف للتغير المناخي «كوب 28» في عام 2023. تنسيق الجهود في العمل المناخي بين دول العالم، فرصة لتعزيز حماية البيئة وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام، ونرحب بالتعاون مع المجتمع الدولي لضمان ازدهار البشرية».
يجب علينا تسريع الإجراءات وتحويل رؤية قيادتنا إلى فرص للتنمية المستدامة والتنوع الاقتصادي. لقد ألزمنا أنفسنا كذلك «بتعهد القادة تجاه الطبيعة» بالتقدم نحو أنماط الإنتاج والاستهلاك المستدامة كالالتزام بالإجراءات في إطار «عقد الأمم المتحدة للعمل على تحقيق التنمية المستدامة». التعهد يزيد من الطموحات الخاصة بالمناخ وصحة الإنسان، مع إعادة التأكيد على الحاجة إلى عكس فقدان التنوع البيولوجي بحلول عام 2030.
يأتي هذا التعهد أيضًا في وقت هام بالنسبة لنا في أبوظبي وهيئة البيئة – أبوظبي، حيث انتُخبت مؤخراً سعادة رزان خليفة المبارك، العضو المنتدب لهيئة البيئة - أبوظبي كرئيسة للاتحاد الدولي لحماية على الطبيعة، المنظمة البيئية الأولى في العالم. لدينا بالفعل شراكة قوية مع الاتحاد الدولي لحماية على الطبيعة، وسوف يعزز انتخابها من جهودنا للوفاء بتعهدنا.
ستكون السنوات القليلة القادمة بمثابة سنوات حاسمة للعالم، حيث أظهر القادة من جميع أنحاء العالم طموحاتهم وطموحات بلدانهم لجعل العالم مكانًا أفضل من خلال خفض انبعاثات الكربون، وعكس اتجاه فقدان الأنواع، واستعادة النظم البيئية المتدهورة. الزمن وحده كفيل بتعزيز بارقة الأمل الناتجة عن أعمال الدورة الحالية والدورات السابقة لمؤتمرات الأطراف لتلبية آمال وتطلعات السبعة مليارات شخص قاطني الكوكب في الوقت الحالي والأجيال القادمة للعيش في ظل كوكب نظيف وصحي ضمن بيئة آمنة. بالعودة إلى الإمارات العربية المتحدة، فإن الأشهر القليلة المقبلة هي التي ستحدد وتيرة العمل في المستقبل. سنحتفل بمرور 50 عاماً على تأسيس دولتنا. ستكون هناك احتفالات في كل مكان. خمسون عاماً على رحلة استثنائية. رحلة بدأها أجدادنا الطموحون، وشكلتها قيادتنا الرشيدة. رحلة كانت غير اعتيادية بالمعنى الحقيقي، حيث امتدت إلى خارج حدود الكواكب، كما يتضح في مهمتنا الناجحة إلى المريخ.
ومع ذلك، وبالإضافة إلى احتفالاتنا، ستعمل الدولة على خارطة طريق للخمسين عامًا القادمة. خمسون عاماً من النمو الشامل. نمو في إطار التنمية المستدامة. نمو حدده إطار العمل من أجل المناخ وتطلعات الحفاظ على البيئة، نمو يكون فيه شباب الأمة أساس البناء وقلب الحدث. ليس لدي أدنى شك في أنه سيكون لدينا انتقال سلس إلى الطاقة النظيفة. لقد بدأ التحول بالفعل مع إنشاء «مصدر»، واستضافة إيرينا، وبراكة، ومواقع الطاقة الشمسية خلال العِقد الماضي. وسيكون هناك ضغط أكبر لتوسيع نطاق جهود التحول إلى الطاقة الهيدروجينية النظيفة في الإمارات وخارجها. في وقت سابق من هذا الشهر، اشتركت الإمارات والوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا) في إنشاء مرفق تمويل مناخي بقيمة مليار دولار لتسهيل انتقال البلدان النامية إلى الطاقة المتجددة. هذه مجرد بداية لنظام بيئي لتمويل الأنشطة المتعلقة بالمناخ.
إن العقود القليلة القادمة ستكون صعبة.. أزمة المناخ حقيقية وتحتاج إلى إجراءات حقيقية.. آمل أن تنتقل التعهدات والطموحات إلى أفعال، وإجراءات عاجلة لجعل كوكبنا مكاناً أفضل.

الدكتورة شيخة سالم الظاهري، الأمين العام لهيئة البيئة - أبوظبي

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©