السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

شعار «إكسبو».. استراحة لعالم ساحر

شعار «إكسبو».. استراحة لعالم ساحر
20 أكتوبر 2021 03:06

محمد عبدالسميع (الشارقة)

في أبجديات الفنّ واتساع الرؤية، لم تعد قدرة الشعار على أن يحمل الحدث موضوع الاحتفاء أو الإشهار، مجرّد تهويمات فنان أو خبط ألوان، وفي الوقت ذاته هي ليست عملاً واضحاً أو مسطّحاً عاديّاً لا يترك للمتلقي أن يقف قليلاً أو كثيراً أمام هذا الشّعار، متأملاً وقارئاً رحابة ومساحة التأويل والنظر أمام عالمٍ محتشد بالإفهام والإحالات أو الدلالات والآفاق، ليأخذ فكرةً عما هو قادمٌ لأجله، وإذا كانت أغلفة الكتب من المنظور الأدبي هي عتباتٌ أو ثريّاتٌ تضيء على النّص قبل الولوج إليه أو التنعّم بمحتواه، فإنّ الشّعار أو «اللوغو» اللافت المذهّب هو مفتتحٌ ذكيٌّ من غير جفافٍ، وجميلٌ رائع من دون تعقيد، يوجّه قارئ صفحات معرض «إكسبو 2020 دبي»، إلى العيش في التفاصيل وإعطاء العين والوجدان والعقل استراحة فكريّةً في طقس أو غفوة جميلة في رحاب المكان وظلال التاريخ، وفي خضمّ كلّ هذا الوجود الإماراتيّ الأصيل.

تكوين بصري عميق
كان يمكن لهذه العتبة البصريّة لمعرض «إكسبو 2020 دبي»، أن تحمل عناوين كثيرة أو ازدحاماً في التعبير وتكديساً في مساحة ضيّقة لأفكار كثيرة، غير أنّ التجريد والواقعيّة حين يجتمعان في عمل، فإنّ من شأن ذلك أن يحرّض الذاكرة على الاشتغال ويسمح لفيوض الجغرافيا بأن تتهاطل على الزائر, وتقتحم عليه روتينه اليومي بلا استئذان، الزائر ابن الإمارات والزائر الشقيق أو الصديق، في التساؤل أمام هذه الحلقة، وهي تتذهّب لتروي رؤية دولة الإمارات وأصالتها وهويّتها الوطنيّة والإنسانيّة.
فبساطة التكوين البصري وعمقه في الوقت ذاته، تفتح شهيّة مفسّري الجمال ومستعيدي التاريخ، ليقولوا لنا، إنّ ما يزيد على 4000 عام يحتضنها ويتوافر عليها هذا الشعار، وهو ما يؤكّده صاحب السّمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في رؤيته للشعار وأصالته وجماله، معبّراً عن عمقٍ تاريخي من بينونة بأبوظبي إلى صاروج الحديد بدبي إلى وادي مليحة بالشارقة، ووصولاً إلى جبال رأس الخيمة والفجيرة، وهذا بحدّ ذاته استهلالٌ بديع يجمع بين الأصالة والمعاصرة أو الرونق الثابت والألوان الزاهية التي تنير بها الإمارات على عالمها وفضائها العروبي والإنساني، في كلّ هذا التنوّع الغنيّ وآفاق هذه التشاركيّة المنتجة، والتي تتجلّى في «إكسبو 2020 دبي» بكلّ امتدادها الحضاريّ المفرح الجميل، هذه الأيّام.

مزيج حضاري
من الناحية الماديّة، تنتمي الحلقة المذهّبة إلى قطعة أثريّة اكتشفت عام 2002 في عمليات التنقيب بموقع صاروج الحديد «ساروق الحديد»، فهي مشغولة بمزيج حضاري رائع يبعث على الاحترام، وكأنّها شيءٌ من السّحر أو تمائم عاشقي المكان وروّاده ومن سكنوه في تلك الفترة البعيدة، حيث حضارات: دلمون والفراعنة والرافدين وما وراء النهرين والسند والهند، كانت تتشكّل من الرحابة الإنسانيّة والتشاركيّة التي تُستعاد اليوم في إكسبو، فما بين الأمس واليوم حياةٌ عامرة وتجارة مزدهرة وتعاملات ومحطّات بشريّة وقوافل من الإنجاز تحكي قصّة الإنسان وعلاقته الحميمة مع المكان.
هذه القصّة الرائعة هي ذاتها التي تستنسخ ذلك العبق، وتلك الأصالة بالقالب الحداثيّ المواكب والمزدهر اليوم، وكأنّ التاريخ يطلّ علينا، فيذكّرنا بعظمة هذه الأرض وكونها منذورةً للعطاء الإنسانيّ والتدفق الشاعري الفيّاض من الأحاسيس التي كانت بالفعل فيوض من تركوا أنفاسهم بيننا وذهبوا يراقبون عن بُعد كيف لهذا البلد أن يظلّ مركز الحياة وموزّع الأمل وملتقى شعوب الأرض ومهوى أفئدة الأصدقاء والمحبين على الدوام.

ناعم بملمسه
هذه العتاقة في الشعار، الناعم في ملمسه والخشن بتفاصيله، هي تعبيرٌ مطابقٌ لحالة الدولة المحبّة الناعمة، وأيضاً الخشنة إذا ما تطلّب الوقت ذلك، أمّا روعة التصميم الأصيل والمصنوعيّة المتضمّنة في هذه النقاط الذهبيّة المكوّنة للحلقة، فيكفي أنّها تجعلنا نعيش عالم الأسطورة والقوّة والمنعة والخيال المجنّح الذي هو أغنية الطفل اليوم والمضيء على شاشات التلفزيون وفي عيون الناس وقلوبهم، وهم يتأملون تميمة العشق الأولى وكلّ الروائع وسنابك الخيل وينابيع الماء المتفجّرة بالحياة، والتي تنتقل من الأجداد إلى الآباء فالأحفاد، فأحفاد الأحفاد، لتظلّ الأجيال تروي وتتدارس على مرّ الأزمان والعهود تاريخ وأمجاد بلدٍ عريقٍ في حضوره وامتداده الواثق والمنير المستنير، هو الإمارات، أمس، واليوم، وغداً، وفي كلّ الأزمان.
إنّها الرؤية الواثقة المكتوبة بماء الذهب والسباق السريع المزروع بورد الخطوات والحب والتصالح الأكيد والواثق مع الحياة، بل وتجاوُز السنين المحسوبة من عمر الإنسان، بأميالٍ من الطموح والفرح والإنجاز وكلّ هذا الألق الإنسانيّ المشهود والحضور الواعي والعالي النبيل في كلّ الظروف والأحيان.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©