الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

النيجر.. قلب غرب أفريقيا النابض

النيجر.. قلب غرب أفريقيا النابض
19 أكتوبر 2021 02:19

محمد المنى (دبي)

تتطلع جمهورية النيجر، قلب غرب أفريقيا النابض، إلى تقديم نفسها كبلد غني بتنوعه الاجتماعي ومواريثه الثقافية المحلية الضاربة في العراقة، بقدر ما هو زاخر بإمكاناته المادية وموارده الطبيعية وقدراته البشرية، وتالياً بفرصه الاستثمارية في مجالات تشمل الزراعة والصناعة والطاقة والمعادن والسياحة والبنية التحتية. فالنيجر مؤهلة لاستقبال الاستثمارات الأجنبية في هذه المجالات وغيرها. وبتوفر الوسائل المالية الضرورية لإدارة عجلة الإعمار والتحديث والتطوير، يمكن للنيجر أن تنطلق متغلبةً على جميع التحديات في طريقها نحو النمو والازدهار، بما في ذلك وضعها كدولة حبيسة لا تتوفر على إطلالة بحرية تربطها بالعالم الخارجي، وبالتالي فهي بحاجة إلى بنية تحتية تكون الأساس الضروري لأي تطور اقتصادي أو نهوض تنموي منتظر. وهذا علاوةً على بعض المشكلات البيئية (مثل الجفاف والتصحر) التي تطمح النيجر إلى مواجهتها بمزيد من الزراعة والتشجير اعتماداً على ماء نهر النيجر الذي يخترق البلاد، والذي ظل يمثل الضمانة القوية لأمنها الغذائي والمائي، وقد أخذت منه تاريخياً تسميتها، وتعلِّق عليه الآن آمالها في النهوض والإقلاع نحو المستقبل. وما من مكان يمكن أن تقدم فيه النيجرُ نفسَها للعالم، أفضل من «إكسبو 2020 دبي» الذي يرتاده 25 مليون زائر وتشارك فيه 191 دولة وآلاف الشركات العالمية الكبرى، وهو الحدث الأكبر والأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا. وهذا ما يعكسه الجناح النيجري في المعرض، بما يحتوي عليه من لوحات ومنحوتات ومشغولات وملصقات.. تلخص تاريخ النيجر وتعكس رؤيتها للمستقبل. 
يتميز المجتمع والثقافة في النيجر بالتعدد والتنوع والاختلاف، إذ توجد في هذا البلد الذي نال استقلاله عن فرنسا عام 1960 إحدى عشرة لغة يتحدثها السكان حسب انتماءاتهم المناطقية والقبلية والعرقية، مما سمح للفرنسية بأن تصبح اللغة الرسمية للدولة وللتواصل بين النخب من تسع جماعات عرقية وأربع مناطق ثقافية كبرى تشكل النسيج الوطني النيجري، وهي: منطقة وادي نهر النيجر في الجنوب الغربي، حيث تنتشر قبائل الدجيرما.. ثم منطقة أرض الهوسا في الوسط والشمال.. إضافة إلى منطقة حوض بحيرة التشاد في أقصى الشرق، حيث تعيش قبائل الكانوري.. ثم أخيراً مناطق الشمال الشاسعة (صحاري وجبال)، حيث تعيش قبائل التبو والطوارق الرعوية البدوية، وهي قبائل متقاربة ثقافياً.

وقد ساهمت ثقافات وتقاليد هذه المناطق معاً، وغيرها من الجماعات العرقية الأخرى، في إنشاء دولة النيجر الحديثة وفي إعطائها هويتها الوطنية القائمة على التعدد والتنوع كأساس لوحدة الجماعة الوطنية النيجرية وكمصدر لثرائها وقوة تماسكها. 
وعلاوة على التعدد اللغوي كما تشرحه ملصقات الجناح النيجري، يتجلى التنوع الثقافي للنيجر في مظاهر أخرى، مثل الأقمشة والأزياء، حيث يتميز أبناء القبائل النيجيرية بأزيائهم ومقتنياتهم التي ترافقهم طوال حياتهم. كما يتجلى في الإيقاعات المتباينة لموسيقى القبائل، إذ ظل لكل جماعة عرقية وثقافية فنونها الموسيقية الخاصة، إلى أن بدأت أخيراً في الامتزاج وتشكيل إيقاعات وأنغام فريدة في ستينيات القرن الماضي. 
وكذلك تتمايز الجماعات العرقية في مهاراتها وصناعاتها الحرفية التي يكون معظمها متوارثاً عبر الأجيال، كما ترتبط هذه الحرف والصناعات بتطور العادات والتقاليد الزراعية والرعوية، وبترسخ القيم الخاصة للجماعات العرقية، وهي تمثل في الوقت ذاته مورداً مهماً لتوليد فرص العمل ودفع النمو الاقتصادي داخل المجتمعات المحلية. وعلى مر العصور، اكتسب الحرفيون في النيجر حِرفهم المهنية في مجالات كثيرة، مثل الحدادة والخزافة والنسيج والدباغة.. وفي هذه الأخيرة اشتهروا بالبراعة حتى باتت الصناعات الجلدية النيجرية محل طلب واسع من السياح الغربيين. 
وتحرص النيجر على تجسيد واقع تنوعها الثقافي من خلال صروح ثقافية بنتها خلال العقود الماضية ومناسبات ثقافية دورية كبرى ظلت تنظمها دون انقطاع. ومن هذه الصروح «مركز نيامي الثقافي» الذي تم تصميمه من قِبل المعمارية النيجيرية مريم كمارا، مؤسِّسة مكتب «أتيليه ماسومي» للتصميم الهندسي الحائز على جوائز عدة. ويتألف المتحف من خمسة مبانٍ تراثية جرى تشييدها على طول وادي ناميه الذي كان يمثل في الماضي البعيد حداً فاصلاً يقسم المدينة إلى شطرين، ثم أصبح في عهد الاستعمار رمزاً للتفرقة الطبقية بين عامة الشعب ومستعمريه الأوروبيين. واليوم يمثل المركز رمزاً للاتصال والالتئام بين طرفي المدينة، أي بين جميع النيجيريين، وقد غدا مكاناً مفتوحاً يجتمع فيه الناس من مختلف الخلفيات الاجتماعية والثقافية والمناطقية. 
ومن الصروح الثقافية النيجرية أيضاً متحف «بوبو هامي الوطني» الذي يهتم بثقافة وادي نيامي على الخصوص، وقد أُطلق عليه اسم الكاتب والمؤرخ السياسي الشهير بوبو هاما (1906 - 1982)، وهو منشأة ضخمة تضم مقتنيات أثرية وتراثية من مختلف ثقافات النيجر، كما تشتمل على حديقة للحيوانات البرية من البيئة النيجيرية بكل تنوعاتها. 
وفي سبيل استمرار عملية انتقال التراث من جيل إلى آخر، تسهر النيجر على إقامة احتفالات موسمية تعيد تمثيل التراث واستحضاره في فعاليات ضخمة يتابعها آلاف الناس في الهواء الطلق. ومن هذه الفعاليات التي يلقي جناح النيجر في «إكسبو 2020 دبي» بعض الضوء عليها «مهرجان بيانو» للفروسية والسلام، وهو مهرجان يقام سنوياً في مدينة أغاديس التاريخية، ويبدأ في اليوم الثلاثين بعد 30 عيد الأضحى ثم يستمر 23 يوماً، ويبدأ بانطلاق مواكب الفرسان من طرفي مدينة أغاديس الشرقي والغربي في وقت واحد، وعلى إيقاع الدفوف، مرتدين أزياء القتال وعدّته التقليدية، إلى أن يتلاقوا في قلب المدينة، حيث يتبارون بمهارات الفروسية في مناورات سلمية.

ويهدف المهرجان إلى الحفاظ على ذاكرة التقاليد القديمة، وإلى تقوية أواصر الصداقة والقرابة بين المجموعات المحلية في أغاديس، المدينة المعروفة تاريخياً باسم «بوابة الصحراء»، والتي بنيت في القرن الحادي عشر على أيدي قبائل الطوارق لتصبح نقطة التقاء قوافل التجارة عبر الصحراء. وهي مسجلة على قائمة «اليونيسكو» للمدن التاريخية، كونها تمثل نموذجاً استثنائياً للعمارة الترابية، لاسيما مناراتها الشاهقة المبنية بالطوب الطيني. 
وتنطبق الفكرة ذاتها أيضاً على مهرجان البدو الذي يُطلَق عليه باللغة الفرنسية «لاكور ساليه» (ومعناها العلاج المملَّح أو العلاج بالملح)، وهو مهرجان سنوي تقيمه قبائل الطوارق والودابي في بلدة «إنقال» بمنطقة أغاديس، للاحتفال بنهاية موسم الأمطار. ويستمر مهرجان «لاكور ساليه» ثلاثة أيام، ويتضمن سباقات الجمال والخيول واحتفالات الغناء والرقص وحلقات الحكواتيين. 
وكما تُعنى النيجر بالحفاظ على التراث الثقافي لمجموعاتها العرقية على اختلاف هوياتها، فهي معنية كذلك بالحفاظ على البيئة وتوازناتها الإيكولوجية الضرورية لمنع التغيرات المناخية المتزايدة وظواهرها المتطرفة، بما في ذلك الجفاف الذي تعرضت النيجر لموجاته المتتالية منذ ستينيات القرن الماضي. ولذا أقامت محمية «آيروتينيري» الطبيعية المدرجة على قائمة «اليونسكو» للتراث العالمي، وهي من أكبر المناطق المحمية في قارة أفريقيا، وأهم معقل للحياة الصحراوية الساحلية الفطرية في النيجر. وكذلك مجمع «دبلو-آرلي-بندجاري» الذي يمثل قلب الحياة البرية في أفريقيا، والواقع وسط أكثر المناطق المحمية تنوعاً في منطقة السافانا بغرب أفريقيا، والذي يمتد عبر الحدود مع جمهوريتي بوركينافاسو وبنين. كما أنه يمثل موطناً لأكبر منظومة بيئية متواصلة من الحياة البرية، وشبه المائية، والمائية، في منطقة حزام السافانا بغرب أفريقيا ككل.
ورغم ما عانته النيجر من مشكلات بيئية، لاسيما الجفاف والتصحر القاسيين، فإن اقتصادها ظل قائماً على قطاع الزراعة والثروة الحيوانية، وذلك بفضل امتلاكها أراضي زراعية خصبة وشاسعة، لاسيما في وادي نهر النيجر نفسه. وتساهم الزراعة بنسبة 40% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، كما تشكل مصدر دخل لأكثر من 80% من السكان. ومن هنا تتمتع النيجر بإمكانات هائلة لتحسين وزيادة مخرجات قطاعها الزراعي، كما تتوفر فيها فرص ثمينة لتطوير الإنتاج الزراعي والتصنيع الغذائي.
وإلى ذلك تختزن أرض النيجر ثروات عديدة من المعادن الثمينة، بما في ذلك أحد أكبر احتياطيات العالم من اليورانيوم الخام، وهو ما يتيح فرصاً لا حصر لها لتطوير وتنويع مشايع التنقيب عن الموارد الطبيعية مثل الذهب والألماس، حيث تشجع السياسات الحكومية النيجرية مشاريع تنويع الإنتاج المعدني عبر تقديمها حوافز مغرية للمستثمرين العالميين والإقليميين. 
وفي مجال الطاقة، وكما يؤكد القائمون على الجناح النيجري في «إكسبو 2020 دبي»، تطمح النيجر إلى جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية في مجال الطاقات المتجددة والنظيفة، وذلك بغية تقليل الأعباء الثقيلة لفاتورة الوقود الأحفوري، والقضاء على نقص التيار الكهربائي في مدن البلاد، وتوصيل إمداداته إلى المناطق الريفية بحلول عام 2023. وهو طموح واقعي وقابل للتحقق فعلياً، لاسيما أن النيجر بها واحد من أعلى معدلات سرعة الريح، وأعلى معدل لأشعة الشمس في العالم إذ تعرف بلقب «مقلاة العالم»، إشارة إلى كونها البلد الأكثر حرارة على وجه الكرة الأرضية.

مقومات
بمقومات جغرافية وبشرية وطبيعية، أصبحت النيجر قلب غرب أفريقيا النابض واقتصادها المستقبلي الواعد. وهذا ما تراهن عليه استراتيجية الخطة الحكومية للتنمية المستدامة «رؤية النيجر 2035» المدعومة من قوى شعب النيجر، وهي استراتيجية تتجاوز الاستجابة للظروف والتحديات الطارئة إلى بناء مستقبل يجسد طموحات الشعب النيجري وقيمه المشتركة، وفق سلسلة من الخطط الخمسية القائمة على ست أولويات: الأمن الداخلي، تحديث النظم الحكومية، تحديث وإحياء المناطق الريفية، تنمية رأس المال البشري، تطوير قطاع خاص فعال، والتحول الديموغرافي. وقبل ذلك تشرح الخطة أهم التحديات الرئيسية التي تواجه النيجر، وهي التهديدات الأمنية، والهجرة غير الشرعية، وغلاء الأسعار، والتغير المناخي. كما تتألف الخطة من 11 برنامجاً رئيسياً وتشتمل على 50 برنامجاً فرعياً، وتتجاوب مع أهم المسائل المتعلقة بالتنمية الشاملة والمستدامة، بما فيها الطاقة والبيئة والزراعة والمعادن والإسكان والشباب والتشغيل والتعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية. وهذا ما حرصت النيجر على شرحه جيداً للعالم، بحكوماته وشركاته وأفراده، من خلال جناحها في «إكسبو 2020 دبي».

قوية بإنسانها
علاوة على مواردها الزراعية والمعدنية وفرصها الاستثمارية في مختلف القطاعات، فإن النيجر قوية أيضاً بإنسانها الذي صمد في مواجهة الطبيعة وتقلباتها العنيفة (الجفاف)، وأظهر إصراراً غير محدود على دخول العصر وخوض رهاناته.. أي بعنصرها البشري وعدد سكانها البالغ نحو 23 مليون نسمة، نسبة 87.1% منهم تحت سن الـ35، أي أنهم قوة عمل شابة تملك النشاط والطموح والانفتاح على العصر بمكتسباته وفرصه.

قطاع النقل.. فرص للاستثمار
في قطاع النقل، تتوفر النيجر أيضاً على فرص عالية للاستثمار والإنشاء والتطوير، فهي بلد داخلي منقطع عن السواحل ولا يملك أي إطلالة بحرية، مما يزيد اعتماده في الاستيراد والتصدير على موانئ الدول المجاورة عبر طرق برية طويلة، وهذا بدوره يضاعف أهمية قطاع النقل الذي يصبح في هذه الحالة صاحب «دور البطولة» في التطور الاقتصادي والاجتماعي للبلاد. لذلك تولي الحكومة النيجيرية اهتماماً خاصاً للاستثمارات في مشاريع بناء الطرق والمطارات والسكك الحديدية وغيرها من مرافق البنية التحتية الحديثة. وهذا بالإضافة إلى قطاعي الإسكان والتخطيط العمراني وما يطرحانه من فرص أمام المستثمرين في مجالي التطوير العمراني وخدمات الصرف الصحي، حيث تشهد مختلف أنحاء النيجر قيام العديد من مشاريع التطوير الحضري والإسكان الاجتماعي الطموحة وذات العائد الربحي المرتفع.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©