الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

أجنحة إكسبو.. مفردات تشكيلية

أجنحة إكسبو.. مفردات تشكيلية
4 أكتوبر 2021 03:31

د. حورية الظل

جعل منظمو إكسبو دبي من الاستدامة نقطة مركزية تتفرع عنها باقي المحاور وتتداخل معها، ولكي يتحقق التناغم بين أهداف المعرض وبرامجه وأجنحته، حرص المنظمون أن تُصمّم أجنحة الدول المشاركة بطريقة تجعلها خاضعة لمعايير الاستدامة، لتكون نموذجاً لمدينة المستقبل، وهذا النوع من المباني، يعتبر من المفردات التشكيلية ومكوناً من مكونات الفن البصري.

ومقالنا سنخصصه لتصاميم أجنحة المعرض وتميزها باعتبارها تنتمي للعمارة المستقبلية، وأيضاً نتناول كيف جمعت بين الاستدامة والشكل الفني.
وبما أن المجال لا يتسع للتطرق لكل جناح على حدة، فإننا سنكتفي بتناول المشترك بين هذه الأجنحة، سواء تعلق الأمر بالجوانب الجمالية والفنية في طريقة التصميم وأيضاً جانب الاستدامة، وهما أمران يتداخلان ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر في العمارة المستقبلية، كما سنشير بعجالة لبضعة أجنحة، والجناح الذي سنتناوله كنموذج، هو جناح البلد المضيف، أي جناح دولة الإمارات.

رؤى فكرية وجمالية
أنجز تصاميم الأجنحة بإكسبو دبي، أشهر المعماريين في العالم، وعبروا من خلالها عن رؤاهم الفكرية والجمالية، كما تحيزوا إلى التجريد، فشكلوا هياكل فراغية محملة بأفكار بصرية ملهمة، ومنزاحة عن التصاميم المعمارية التقليدية، وهذا الانزياح أكده المعماري ريتشارد روجرز بقوله: «المباني التي ينجزها المعماري المستقبلي.. لا تنحصر في الكتلة والحجم، وإنما تتمثل في منشآت خفيفة... نتيجة طبقاتها الشفافة والخفيفة».
واللطيف في الأمر، أن بعض هذه الأجنحة بدت وكأنها تنتمي لعالم الخيال العلمي، وقد مزج المعماريون في تصاميمهم للأجنحة بين التشكيل والنحت لمنحها قيمة تعبيرية خاصة، وقد مالت هذه التصاميم إلى التعقيد، وتفكيك الأجسام وإعادة تشكيلها، فبدت متحركة في كل الاتجاهات، يطبعها التوتر والتفجر والتشذر، لكن مع تغليب الانسجام والتوازن، فتحيل بالنتيجة على انسجام المعرض، وجعله نموذجاً مصغراً عن مدينة المستقبل والتي محورها هو الإنسان، كما أنها تمنح المتلقي متعة بصرية خاصة وترقى بذوقه.

وبالإضافة إلى ما سبق، فقد عبر هؤلاء المعماريون عن براعة في التصميم الفراغي، كما ضمّنوا تصاميم الأجنحة رؤى الدول المشاركة وتطلعها لمستقبل متطور ومستدام، وأيضاً استجابوا للتراث المحلي وبيئة وخصوصية كل دولة على حدة، فمثلاً سلطنة عٌمان استوحت شجرة اللبان في تصميم جناحها، وكذلك جناح السعودية، تم تصميمه بشكل فريد وشكل هندسي فني وهيكل فراغي مرتفع حيث يصل ارتفاعه إلى ما يعادل مبنى من ستة طوابق، وميزته أنه يتحدى الجاذبية، حيث صمم الجناح على شكل هيكل مستطيل عاكس على شكل زاوية وأيضاً يشبه نافذة مفتوحة على المستقبل، وعلى طموح المملكة العربية السعودية للمساهمة في رسم مستقبل مزدهر من خلال الابتكار، وقد استجاب تصميمه لأعلى معايير الاستدامة البيئية.
أما الجناح القطري، فقد صممه المهندس الإسباني سانتياغو كالاترافا وقال عنه: «يرمز تصميم جناح قطر، إلى نظرة تقدمية للمستقبل، مع الحفاظ على الوفاء للثقافة والتراث»، ويتمثل ذلك في استناد تصميمه على العناصر الممثلة لشعار النبالة القطري وهي السيوف المتقاطعة والمنحنية والقارب الشراعي التقليدي وجزيرة من أشجار النخيل، لكنه قام بإنجاز هيكل المعرض الفراغي بطريقة مجردة فانزاح عن التمثيل المباشر لشعار النبالة القطري وأخضعه لرؤيته الجمالية والفكرية، لكنه حافظ على روحه ورمزيته فجعل منه قطعة فنية.

وبالنسبة للكويت فإن جناحها تم تصميمه بطريقة مستقبلية مع استيحاء شكله الخارجي من الكثبان الرملية التي تعبر عن البيئة المحلية ويتجلى ذلك في الأشكال الهندسية والانحناءات والانسيابية، أما جانب الاستدامة فيرمز له برج المياه الذي يتوسط المبنى وينسجم مع باقي عناصره، ولم يخل هو أيضاً من الجانب الجمالي.
ولجعل هذه الأجنحة مستدامة، تم الالتجاء إلى تغيير مواد البناء التي كانت تتلخص في الإسمنت والحديد واستبدالها بمواد مرنة كالألمينيوم والبلاستيك والتيتانيوم والزجاج وغيره من المواد الصديقة للبيئة والقابلة لإعادة التدوير، كما أن المعماريين الذين صمموا أجنحة الدول، لم يغيبوا الصرامة العلمية، فجعلوا تصاميمها مبتكرة ومدهشة وخارجة عن المألوف، سواء من حيث الأشكال والأحجام أو التفاصيل الجمالية، كما قاموا من خلالها بتبسيط المستقبل الذي يتجاوز مجال الرؤية بالعين المجردة، وتقديمه بطريقة فنية تمتزج فيها الرؤية العلمية مع التصور الفلسفي والفني.

صقر الإمارات يستعد للتحليق
يتماشى إكسبو دبي مع طموحات دولة الإمارات التي تتجه بخطوات واسعة نحو مدينة المستقبل، وقد قطعت أشواطاً واسعة في ذلك، والدليل على ذلك، دبي التي تعد من المدن الذكية، فهي تشمل أبراجاً وأيقونات معمارية تستجيب للمعايير المستقبلية التي تجعل الإنسان في مركز اهتمامها، حيث تسعى لتحقيق الاستدامة التي تنتج عنها رفاهية السكان. والجانب الإبداعي والفني في جناح دولة الإمارات يتمثل في إنجازه على هيئة صقر يستعد للتحليق، كتعبير عن الانطلاق عالياً نحو التطور والابتكار ومستقبل مستدام، وقد صممه المعماري الإسباني المستقبلي سانتياغو كالاترافا، ويعد معلماً رئيسياً في المعرض. أما بخصوص الجانب الجمالي، فقد مزج المصمم بين جمال التصميم والخطوط الإنسيابية وأيضاً أختار إكساءه باللون الأبيض الحيادي كتعبير عن اللانهائي والمطلق، فأضاف ذلك للمبنى روحية خالصة، أما الانحناءات الهندسية، فقد منحت شكله انسيابية لا تعترف بزوايا أو حدود. وبالنسبة لشكل الجناح الإماراتي فقد جعله المعماري مستجيباً للثقافة والتراث المحليين والوسط الذي أنجزه به، حيث يعد الصقر تراثاً إماراتياً.

أما جانب الاستدامة في جناح دولة الإمارات، فيتمثل في الألواح الكهروضوئية التي دُمجت في هيكل السقف، حيث اكتست بطابع جمالي بعد دمجها بالأجنحة المفتوحة، وتعمل هذه الأجنحة كمولد للطاقة المتجددة من خلال امتصاص أشعة الشمس، وقد أكد كالاترافا بأنه التزم بتحقيق جانب الاستدامة في الجناح بقوله: «نحن ملتزمون بتأكيد وتضمين الممارسات الرائدة للاستدامة البيئية في صميم عملية التصميم، وبناء على ذلك، فإن جناح الإمارات على وعي بقضايا الطاقة ويدمج مجموعة من عناصر وخصائص التصميم المستدام، مما يضمن طول عمر الهيكل لتحمل اختبار الزمن». وجناح الإمارات، سيظل شاهداً على إكسبو دبي وعلى نجاح دولة الإمارات في تنظيمها لهذه التظاهرة العالمية الضخمة، وسينتقل للأجيال المقبلة، حيث سيستمر كإرث من المعرض، تفتخر به دولة الإمارات في الحاضر والمستقبل، وأيضاً سيظل أيقونة مستقبلية تزين دبي.
وعليه فإن دولة الإمارات، من خلال إكسبو دبي، أكدت إسهامها في تحمل المسؤولية، وبذل الجهود لتحسين نوعية الحياة في الحاضر والمستقبل، وقد جعل المنظمون من المعرض انطلاقة لذلك مع الاستمرارية بعد انتهائه، ولتوصيل أهداف المعرض إلى العالم، تم الحرص على أن تكون أجنحة الدول، مصممة بطريقة تجمع بين الابتكار والاستدامة والمستقبلية وأيضاً محملة برموز تحيل على خصوصيات وطموحات الدول المشاركة، فبدت قطعاً فنية مستدامة.

 

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©