السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

مفكرون ورجال دين: تعزيز قيم السلام والتسامح لمواجهة التحديات العالمية المشتركة

نهيان بن مبارك أثناء الكلمة الافتتاحية (تصوير وليد أبو حمزة)
22 سبتمبر 2021 01:21

طه حسيب (أبوظبي)

 تزامناً مع «اليوم الدولي للسلام» الذي تحتفل به الأمم المتحدة يوم 21 سبتمبر من كل عام، نظم «مركز تريندز للبحوث والاستشارات» بالشراكة مع صحيفة «الاتحاد» والتعاون معها، ندوة أمس، تحت عنوان: «نشر ثقافة السلام والتسامح في العالم.. ما الذي ينبغي علينا فعله؟»، استهلها معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، عضو مجلس الوزراء، وزير التسامح والتعايش، بكلمة افتتاحية، وتضمنت كلمة ترحيبة للدكتور محمد عبدالله العلي الرئيس التنفيذي لـ«تريندز للبحوث والاستشارات»، وكلمة لحمد الكعبي رئيس تحرير «الاتحاد». وشهدت الندوة مداخلات من المونسنيور يوأنس لحظي جيد السكرتير الشخصي السابق لقداسة بابا الكنيسة الكاثوليكية، عضو اللجنة العليا للأخوة الإنسانية، وسعادة مقصود كروز مستشار الاتصال الجماهيري بوزارة شؤون الرئاسة، والدكتور سلطان بن فيصل الرميثي أمين عام مجلس حكماء المسلمين والدكتور قطب سانو أمين عام مجمع الفقه الإسلامي الدولي، والدكتور محمد كامل المعيني مؤسس ورئيس المعهد الدولي للدبلوماسية الثقافية، والدكتور عمر حبتور الدرعي المدير التنفيذي للشؤون الإسلامية في الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، والدكتور فتوح هيكل رئيس قطاع البحث العلمي بمركز تريندز،  والحاخام «ليفي دوشمان»، حاخام الجالية اليهودية المعتمد لدى دولة الإمارات. وأدار الندوة الباحث الإماراتي محمد خلفان الصوافي، وتطرق المشاركون إلى 4 محاور رئيسة هي: الخطاب الديني وأهمية مواجهة خطاب الكراهية، ووثيقة الأخوة الإنسانية إطار لتعزيز قيم السلام في العالم، ودور حقوق الإنسان في تعزيز ثقافة التسامح، وسبل تعزيز ثقافة السلام في المنطقة والعالم. 
أكد معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، عضو مجلس الوزراء، وزير التسامح والتعايش في الكلمة الافتتاحية، أن هذه الندوة الدولية تُعقَد احتفالاً باليوم العالمي للسلام، لنتدارس مسؤوليتنا المشتركة عن تحقيق التسامح والسلام والأخوّة الإنسانية في عالمنا الذي نعيش فيه، مشيراً إلى أنها دعوة للعالم من دولة الإمارات العربية المتحدة لمناصرة قيم السلام والتسامح.
وأضاف: تحرص الإمارات على الانضمام إلى الدول والمنظمات الأخرى دعماً للتسامح والتعايش السلمي، ونحن دائماً على استعداد لمشاركة خبراتنا مع الآخرين وأن نكتسب منهم فهماً واسعاً للقوة العالمية التي ينطوي عليها السلام والتسامح. وهذه الندوة تعطينا الفرصة لتبادل الخبرات واكتساب هذا الفهم. وأشار إلى أن إعلان الأمم المتحدة، بمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين لإنشائها، دعا إلى الانتقال من مناخ النزعات القومية والصراع والظلم إلى ثقافة تعددية الأطراف والسلام والأمن من أجل مصلحة البشرية جمعاء. ويقول نحن في الإمارات نردد هذه الدعوة، ولن ندّخر جهداً في العمل على تحقيقها. 
وأضاف معاليه: دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من أكثر الدول سِلماً وأماناً وازدهاراً وتسامحاً في العالم. هذا إرث والدنا المؤسس، المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيب الله ثراه)، الذي ترك لنا وطناً متآلفاً ومنفتحاً تماماً للجميع بصرف النظر عن ثقافتهم أو دينهم أو عرقهم أو نوعهم الاجتماعي أو عقيدتهم. ونتيجة لهذا، حققت الإمارات نمواً اقتصادياً لا نظير له، مصحوباً باستقرار اجتماعي وسياسي، وفرص تتسع باستمرار لمواطنيها والمقيمين فيها من الوافدين على حدٍّ سواء.
إننا نأمل بصدق أن نرى هذا الإنجاز في جميع دول العالم. مع ذلك، مازالت الظروف الإقليمية والعالمية تشكل تحدياً أمامنا، في وقت بدأت فيه الشعوب تصبح أكثر تنوعاً وانقساماً، ومازال السلام والتسامح غائبين. إن الاختلافات الثقافية والصعوبات الاقتصادية تعوق التعاون وتقود إلى تنافس، كما أن الاختلافات الدينية تثير الشكوك، في حين ينبغي أن تعزز تقديرنا لسعينا المشترك من أجل تحقيق الإشباع الروحي.
وقال معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان: أتحدث إليكم اليوم بصفتي وزيراً للتسامح والتعايش، حيث يمثل السلام والتسامح مكوِّنين أساسيين في مجتمعنا. ونعلم أن السلام والتسامح لا يزدهران في غياب الأعمال الحكيمة. إننا نحاول أن نكون حكماء، ولهذا تركز وزارتي وبلدي على ضمان أن تؤدي التجربة التعليمية للشباب والشابات إلى إدراك فضائل السلام والتسامح والطريقة التي تؤدي بها هذه الفضائل إلى فهم مستنير للهوية والاختلاف بين البشر. كما أننا نشجع التسامح ونعززه في جميع أشكال التواصل، ونتوق إلى بناء شراكات محلية وعالمية قائمة على التسامح والأخوة الإنسانية سعياً لرقي البشرية وازدهارها.
وأضاف معاليه: استضافت دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 2019 قداسة البابا فرنسيس وفضيلة إمام الأزهر الدكتور أحمد الطيب، وبدعم قوي من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أصدرا معاً إعلان أبوظبي للأخوة الإنسانية، الذي يطالب الجميع «بالعمل جدياً على نشر ثقافة التسامح والتعايش معاً بسلام، وإنهاء الحروب والتدهور البيئي والانحدار الثقافي والأخلاقي».
يؤكد الإعلان أن السلام والتسامح يعززان السمات والخبرات التي توحد جميع الشعوب بدلاً من تفريقهم، ويمكّنان من التشارك في الرفاهية والسعادة العامة. ووصف معاليه الندوة بأن روحها تتماشى مع روح إعلان «الأخوة الإنسانية» بتأكيدها على وجود أمل في بزوغ عصر جديد من التسامح والسلام في عالمنا. ولدى معاليه قناعة بأنه لكي يتحقق هذه العصر الجديد من التسامح والسلام، من الضروري جداً ألّا نقف فقط عند فهمنا للروابط التي تجمعنا كأعضاء في مجتمع عالمي، بل ينبغي علينا أن نعزز هذه الروابط ونرسّخها أيضاً. 
وأضاف معاليه: علينا كذلك أن نعمل معاً لتعزيز اندراج جميع أديان العالم في تقدم البشرية، وأن نعمل معاً للقضاء على سوء الفهم الديني والثقافي.
يجب علينا أيضاً أن نساعد في جعل السلام والتسامح والأخوة الإنسانية مجالات للابتكار والمبادرة بالعمل المشترك والمشاركة الفاعلة من الجميع لمنفعة الجميع.
وأشار معاليه إلى أن اليوم العالمي للسلام فرصة نجدد فيها قناعتنا بأن التسامح والسلام سيمنحان القوة والطاقة لنا وروح التفاني والعزيمة على الصمود والنجاح، داعياً لضرورة أن نتذكر قدرتنا على إحداث تغيير إيجابي كبير في عالمنا، ونحن نعمل معاً من أجل قضية مشتركة.

  • محمد كامل المعيني وعمر حبتور الدرعي أثناء الندوة  (تصوير: وليد أبو حمزة)
    محمد كامل المعيني وعمر حبتور الدرعي أثناء الندوة (تصوير: وليد أبو حمزة)

مواجهة التحديات المشتركة 
وفي كلمته الترحيبية، من داخل «قاعة السلام» بمركز تريندز، أكد د. محمد عبدالله العلي الرئيس التنفيذي لـ «مركز تريندز للبحوث والاستشارات»، أن عقد هذه الندوة، بالتعاون والشراكة مع شريكنا الاستراتيجي والإعلامي المميز، صحيفة الاتحاد، ينبع من إدراكنا لضرورة المساهمة في الجهود الفكرية والإعلامية التي تخدم تحقيق نشر قيم السلام والتسامح والأخوة الإنسانية. وقال العلي: لم يعد خافياً على أحد اليوم الأهمية الكبيرة التي تشكلها قيم السلام والتسامح والأُخوَّة الإنسانية بوصفها الأساس الصلب الذي يمكن استناداً إليه تحقيق التوافق والعمل معاً من أجل بناء استجابة عالمية موحدة ومشتركة لمواجهة التحديات والمخاطر المتنامية التي يشهدها عالمنا اليوم، وباتت تهدد البشرية جمعاء سواء تعلق الأمر: بالصراعات الدائرة رحاها في مختلف بقاع العالم، أو بالتحديات البيئية التي أصبحت مخاطرها واضحة للعيان، أو حتى بمواجهة الأوبئة التي تحاصر البشر.
وأكد العلي أنه من خلال تعزيز قيم التسامح، والحوار، والأخوة الإنسانية، وقبول الآخر يمكن للشعوب بناء الفهم المشترك، وتجاوز نقاط الخلاف والصور النمطية السلبية، وإرساء تصورات أفضل حول كيفية العمل لتحقيق مصلحة جميع الأطراف وفق قاعدة «الكل رابح»، ومن ثم تحقيق السلام والازدهار والتنمية لشعوب العالم ودوله المختلفة.

الحاجة للحوار والأخوّة
 وفي مداخلته حول «الخطاب الديني وأهمية مواجهة خطاب الكراهية والتطرف»، أشار الأب يوأنس لحظي جيد، السكرتير الشخصي السابق لقداسة البابا فرانسيس، عضو اللجنة العليا للأخوة الإنسانية وعضو مجلس إدارتها، رئيس جمعية «الطفل يسوع بالقاهرة» الخير، ورئيس مؤسسة الأخوة الإنسانية بمصر أن قداسة البابا فرنسيس، قال في خطابه للمشاركين في المؤتمر العالمي للسلام الذي عُقِد في جامعة الأزهر في 28 أبريل 2017: «إننا مدعوّون دوماً، في مجالِ الحوارِ بالتحديد، خصوصاً الحوار بين الأديان، إلى السير معاً، مقتنعين بأن المستقبل يعتمد على اللقاء ما بين الأديان والثقافات أيضاً». 
 يوأنس طرح ما وصفه بالوصايا العشر لنشر ثقافة السلام والتسامح في العالم، وهي مستوحاة من وثيقة الأخوة الإنسانية: لا للعنف باسم الله، ولا لأصنام الأحكام المسبقة وأخطاء التاريخ، ولا لثقافة الإجبار والتعصب، ولا لازدواجية الأحكام والمعايير ولا للإجبار على الدين والاعتقاد وتطبيق مفهوم المواطنة وحماية حقوق المرأة والطفل والمسن والمريض، والعدالة الاجتماعية القائمة على الرحمة والحوار كضرورة وحاجة ملحة، وأخيراً ابدأ بنفسك. 

عالمنا بحاجة إلى السلام 
وفي مداخلته عبر تقنية الفيديو، أكد الدكتور سلطان بن فيصل الرميثي أمين عام مجلس حكماء المسلمين أن إحلال السلام أشد ما يحتاجه عالمنا اليوم. ويرى الرميثي أن كل محاولة لتحسين الحياة البشرية قبل تحقيق السلام ونشر قيم التسامح والعيش المشترك، لن تؤتي ثمارها المرجوة، مؤكداً قناعته بأن تقدم الإنسانية ينبني على مزيج متناسب يجمع بين: توفر الموارد وتنوعها، والإبداع على مستوى التخطيط والإنجاز، تبنى القيم الأخلاقية الإيجابية وتفعيلها على المستوى الفردي والمجتمعي والمؤسساتي.
ولدى الرميثي قناعة بأن الازدهار والتقدم يستدل عليهما اليوم - وفي كل وقت- بمؤشرات السلام والأمان والثقة والتعاون والتواصل الاجتماعي والتسامح والاعتدال، فهي القيم المنشئة للإبداع والتنوع والاستقرار، كما أنها هي المؤشرات التي تجتذب الكفاءات والأعمال والتجارة والسياحة والاستثمار، وتشجع الأسواق المحلية والعالمية، وتقرب آفاق المصالح المشتركة، كما تساعد في نمو الأعمال وتطور المعرفة.
وحسب الرميثي، فعصرنا الحالي عصر المعلوماتية، أو عصر ما بعد الصناعة بدت العولمة وكأنها وعد بأخوة إنسانية تتجاوز كل محن الماضي وآلامه، وتشكلت- على حد قوله- فرص قوية لتحقيق المساواة والثقة والإتقان، غير أنه -وفي الوقت نفسه- تصاعدت الكراهية وتعمقت الاختلافات بين الهويات ونشطت الحروب الأهلية، وضعفت روابط المجتمعات وتراجعت أدوار المؤسسات الإرشادية، وفي ظل هذا الواقع بدأ العالم يستشعر أهمية السلام والتسامح في تحقيق تقدم ورخاء إنساني حقيقي، ذلك ما نلحظه على الأقل من عدد الندوات والمؤتمرات التي تناقش هذه القضية بشكل حثيث، مما يدل أنها باتت مطلباً وحاجة يجب على البشرية تحقيقها حتى تكون قادرة على العيش معاً في سلام في ظل الاختلاف والتنوع
ويشير الرميثي إلى أن مجلس حكماء المسلمين برئاسة فضيلة الإمام الأكبر أ. د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، يتبنى منهج النفس الطويل في المعالجة الجذرية للمشكلات والصراعات، من خلال المعالجة الفكرية التي بدأها فضيلة الإمام الطيب في جولاته الخارجية والمؤتمرات الدولية وملتقيات الحوار والجهود المشتركة مع قادة الأديان حول العالم، وفي مقدمتهم قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، وقد أرست تلك التحركات أساساً فكرياً يمكن البناء، والانطلاق منه لتحقيق التعايش والسلام بين الشعوب والمجتمعات.

  • أثناء الندوة
    أثناء الندوة

احتضان الأنواع وتعزيز الاعتدال 
وفي مداخلته المخصصة لمحور «حقوق الإنسان كمدخل لتعزيز ثقافة التسامح والسلام»، استهل سعادة مقصود كروز مستشار الاتصال الاستراتيجي في وزارة شؤون الرئاسة، الحديث قائلاً: بالسلام بدأنا وبالسلام نمضي وبالسلام نرتقي، فالسلام عليكم جميعاً. 
وسرد كروز تجربته الشخصية، فمنذ أكثر من أربعين عاماً عندما قرر شاب ألماني الذهاب إلى أبوظبي.. تلك الجزيرة الواعدة التي لم تكن بعد عاصمة الإمارات للتسامح.. عندما وصل ذلك الشاب الألماني وقعت عيناه على فتاة بدوية أحبها من النظرة الأولى.. حاول التقرب منها والتحدث إليها.. لكن الجميع قالوا له إن هذا كان أمراً غير مسموح به.. وقالو له: «إذا كانت نيتك صادقة في حبها فعليك بالتقدم لخطبتها من والدها».
ويواصل كروز عرض قصته: قرر الشاب الألماني زيارة والد الفتاة لطلب يدها رسمياً.. وأمام هذا الطلب غير العادي وجد الأب نفسه في موقف لا يحسد عليه.. وللخروج من هذه الورطة والتخلص من الشاب اشترط عليه ثلاثة شروط أولها: اعتناق الإسلام إذا أراد الزواج من ابنته، وثانيها: أن يدفع مهراً سخياً، وثالثها: أن يوفر منزلاً مناسباً.. ذهب الشاب وغاب لبضعة أسابيع ثم عاد.. عندما عاد كان قد اعتنق الإسلام، وتوفر له المهر والمسكن المطلوبين.. كان الرجل العجوز شديد الإعجاب بالتزام هذا الشاب وجديته فما كان منه إلا أن بارك زواجه من ابنته.. رُزق الزوجان من هذا الزواج بثلاثة أبناء.. وكنت أنا ثانيهم!
وواصل «كروز» مداخلته قائلاً: غالباً ما أطرح السؤال على من يعرفون قصتي - كيف تصنفونني؟ هل أنا «أبيض» أو «أسود»؟ هل أنا «أوروبي» أو «عربي»؟ هل أنا مسيحي أو مسلم أو مسلم-مسيحي أو لا شيء مما سبق؟.. حسناً.. قال سقراط ذات مرة فيما مضى «أنا لست أثينياً أو يونانياً وإنما أنا مواطن العالم».
وأضاف «كروز»: أعتقد أن روح قصتي الشخصية لم تكن لتتحقق قطُ لو لم تكن مبنية على مُثُل التسامح، والتعددية، والتعايش المحفورة والراسخة في أصل وأصول النسيج الاجتماعي والسكاني لدولة الإمارات العربية المتحدة ومن الثوابت لدى المواطنين والمقيمين على حدٍ سواء.
واستنتج «كروز» أن نجاحنا في تعزيز ثقافة التسامح والسلام في جميع أنحاء العالم رهين باحترام قيم حقوق الإنسان ومبادئها على أعلى المستويات، وتحويل هذه المثل العليا إلى ممارسة من ممارساتنا اليومية مؤسسياً، ومجتمعياً، وشخصياً، وذلك في إطار روح «القانون الدولي لحقوق الإنسان».
ولفت «كروز» الانتباه إلى أن هناك حاجة ماسة إلى رؤية عالمية للإنسانية جمعاء تقوم على نهج شامل يركز على تعزيز السلام العالمي والاعتدال والتنوع مع العمل على تعزيز إطار العمل التشريعي والتعاون الدولي الذي يضع حقوق الإنسان في المقدمة بل وفي قلب هذه الرؤية. 

دور مراكز الفكر 
وفي محور سبل تعزيز ثقافة السلام والتسامح في المنطقة والعالم، أكد د. فتوح هيكل، رئيس قطاع البحث العلمي في تريندز أنه لا خلاف على أن نشر ثقافة السلام والتسامح وترسيخها كثقافة مجتمعية، هي مهمة تحتاج تضافر جهود جميع المؤسسات السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية والفكرية والتعليمية. ولدى هيكل قناعة بأن مراكز الفكر تستطيع تعزيز قيم السلام والتسامح عبر العالم وداخل المجتمعات، وهو دور بالغ الأهمية، ويمكن تفعيله عبر تعزيز فرص الالتقاء والحوار بين المفكرين والمثقفين الباحثين من مختلف دول العالم، وهو ما يسهم في تقريب وجهات النظر بين الشعوب والمجتمعات المختلفة وإيجاد منصات، أو أطر للحوار البناء والفاعل، الذي يعزز أجواء التسامح وقبول الآخر، ومن ثم تعزيز فرص السلام.

الاعتراف بحقيقة الاختلاف
وفي مداخلة عبر التواصل المرئي، وجه الحاخام «ليفي دوشمان»، حاخام الجالية اليهودية المعتمد لدى دولة الإمارات، كلمة للمشاركين في الندوة، 
مرحباً أصدقائي الأعزاء، قائلاً: إنه شرف عظيم لي أن أُدعى لمخاطبة هذا الجمع المحترم، ويسعدني أن أكون بين ممثلي مختلف الأديان التي يعتنقها شعب منطقتنا. وبروح السلام والتسامح، أتاح لي المضيفون فرصة المشاركة عن طريق الفيديو، علماً بأننا اليوم، إلى جانب الجاليات اليهودية في دولة الإمارات العربية المتحدة وفي جميع أنحاء العالم، نحتفل بالعيد اليهودي القديم، بعيد العرش، الذي يستمر لمدة أسبوع، هو المناسبة المثالية لبدء نقاشنا حول قيم التسامح والسلام والاحترام والتفاهم المتبادلين، وكيف أنها العامل الأساسي لحل النزاعات محلياً وعالمياً.
«دوشمان» شرح أحد الطقوس المحببة التي تؤديها العائلات اليهودية في جميع أنحاء العالم خلال عيد العرش، حيث يتم خلاله جمع أربعة أنواع مكونة من غصن نخيل وفاكهة حمضية وغصن آس وغصن صفصاف. ويمثل كل نوع من هذه الأنواع شيئاً مختلفاً. 
 ويشير «دوشمان» إلى أنه لدى كل شخص وكل دولة نقاط قوة، واعترافنا بنقاط قوة كل منا هو الخطوة الأولى في مسار تحقيق السلام. إننا مختلفون حقيقةً، ولكن نجتمع معاً في وحدةٍ نحتفي فيها بأوجه التشابه وبمواهبنا المتفردة أيضاً. 
وحسب «دوشمان» يدرك المجتمع اليهودي القديم أن السلام يمكن أن يتحقق عندما يتم تمثيل جميع الأمم والاعتراف بها. وعلى الرغم من الانقسام الظاهر بيننا، فإننا في عالم واحد جوهرياً، بفضل التكنولوجيا التي تسهل لنا المشاركة والتواصل ومزاولة الأعمال وفهم كل منا لثقافة الآخر والتفاعل بمستوى لم يحدث من قبل. وأضاف «دوشمان»: احتفلنا للتو بالذكرى السنوية الأولى للتوقيع على الاتفاق الإبراهيمي، كخطوة تاريخية أدت إلى العديد من التطورات الإيجابية للغاية، وافتتاح السفارات، وتعيين السفراء، والفرص الاقتصادية الضخمة، وطفرة هائلة في السياحة، وبدء رحلات الطيران، وغير ذلك من الإنجازات العظيمة. وبدأنا نسير على طريق يبعدنا عن النزاع ويقودنا إلى عصر جديد يسوده التسامح والسلام والفرص.
 
قيم زايد 
 وفي مداخلته عبر تقنية الفيديو، أشار «إيلي إبستين»، الرئيس والمدير الإداري، بشركة أمينكو للموارد، في الولايات المتحدة الأميركي، إلى أن التاريخ أكد أن الأفراد قادرون على إحداث أثر كبير، خاصة أن الإمارات بلدٌ فيه شباب لديهم تطلعات وأحلام كبيرة. وأعتقد أنه إذا بذل كل واحد منكم جهداً بسيطاً، فلن يؤدي ذلك إلى تحسين حياته فحسب، بل سيحسن العالم أيضاً. 
وطرح تجربته الشخصية، فهو ولد في الولايات المتحدة لأبوين نجيا من المحرقة. ونتيجة لتجربتهما، نشأ في عالم معزول عن الأشخاص المختلفين عنه. أي أن هذا العالم كان يقتصر على اليهود الملتزمين، ومعظمهم من الناجين من المِحرقة. كانت لغتهم الأم هي اللغة اليديشية، وكانوا لا يثقون في أي شخص مختلف عنهم. ويقول: هذا الأمر شكّل مشكلة بالنسبة لي وللكثيرين من أبناء جيلي، لأننا لم نختلط فعلياً بالكثير من الأشخاص والأعراق والديانات والجنسيات الأخرى. استمر هذا الحال حتى التحاقي بالجامعة، إذ تعرفت فيها على أول زميل مسلم وتوطدت علاقتي معه. ومنذ ذلك الحين، بدأت رحلتي في اكتشاف الآخر والتعرف على الآخرين، ولكنها كانت أيضاً رحلة اكتشاف مهمة لنفسي ولقيمي. ويقول عن السنوات الثلاث والثلاثين التي قضاها في العمل بالإمارات، إنه
  يعرف المسلمين بشكل مباشر إلا عندما بدأ السفر إلى الإمارات أواخر الثمانينيات، وحينها بدأ يفهم الكثير عن دينهم ومعتقداتهم وممارساتهم ونمط حياتهم، حينها كان الرئيس التنفيذي لشركة تصنّع أحد المنتجات الثانوية للنفط استحوذت على بعض الأصول من شركة بريتيش بتروليوم. كان يشعر بقلق عندما بدأ بالسفر إلى دبي. ولكن مع مرور الوقت، توطدت علاقاته فيها ووجد أشخاصاً لديهم فضول للتعرف عليه مثلما كان لديه فضول لمعرفة المزيد عنهم. حياته تغيرت بسبب تعرفه على الإمارات، حيث وجدت أناساً منفتحين ومتسامحين ويحترمون الآخرين. 
واستنتج «إبستين» أن إحدى القيم المهمة في الإمارات هي الانفتاح واحترام الآخرين. ويقول «إبستين» أعتقد أن التحدي الماثل أمام كل واحد منا هو مقابلة الآخرين والتعرف عليهم، سواء بشكل شخصي، في الحالة المثالية، أو حتى من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، وأقصد بذلك التعرف على ثقافاتهم ومعتقداتهم وممارساتهم وحتى لغاتهم. 
وختم مداخلته بالقول: رسالتي إلى كل واحد منكم هي التمسك بقيم الانفتاح واحترام الآخر التي تعلمتموها من المغفور له الشيخ زايد، واغتنام الفرصة التي وفرتها لكم قيادتكم لقبول الآخر.

  • حمد الكعبي ومحمد العلي ومحمد الصوافي أثناء الندوة
    حمد الكعبي ومحمد العلي ومحمد الصوافي المونسنيور يوأنس لحظي أثناء الندوة

حمد الكعبي: الإمارات ترسخ مكانتها صانعة سلام بروح إيجابية
أكد حمد الكعبي في كلمته الترحيبية أن ثقافة السلام والتسامح ركن أصيل في سياسة دولة الإمارات، ونهج ثابت في سياستها الداخلية والخارجية وفي قوانينها ورؤيتها تجاه شعبها ومنطقتها والعالم كله. وأشار الكعبي إلى أن السلام دعت إليه الديانات الإبراهيمية الثلاث، كونه قيمة إنسانية كبرى ليس مجرد شعار، بل هو سلوك وممارسة، تمهد للحوار، ومن ثم التلاقي من أجل التعاون خدمة للجميع من أجل عمارة الأرض وصلاح الكون.
وأضاف الكعبي: إننا في الإمارات لا نتحدث عن السلام والتسامح فقط، بل نعيشه ونتنفسه، كل يوم، في نسيجنا الاجتماعي المترابط والمتنوع، وفي تعايشنا الإنساني الدافئ مع كل الأطياف الثقافية والدينية التي تسكن إمارات المحبة، سواء للعمل أو الاستثمار أو السياحة.
وأكد أن التسامح والسلام رؤية ثابتة للإمارات تقود بوصلتها دوماً نحو الإنسان أولاً وأخيراً وفي كل مكان من أرجاء الأرض، ورؤية ثاقبة بالأقوال والأفعال، بالمساعدات الإنسانية للشعوب المنكوبة أو المأزومة في وقت الجائحة أو الكوارث الطبيعية أو الاضطرابات السياسية.. وبالوساطة من أجل حل الصراعات وتصفير المشكلات دون أي غرض سياسي أو أيديولوجي..
وقال أيضاً إن رؤية الإمارات للسلام والتسامح تتأكد بمبادرات خلاقة، تتوالى منذ تأسيس الدولة، وتترسخ جيلاً بعد جيل..
وأوضح الكعبي أن خطوات كبرى تجاه العالم أقدمت عليها الإمارات في عام التسامح 2019، وفي وثيقة الأخوة الإنسانية، وفي مبادرة البيت الإبراهيمي، وعبر مبادرات أخرى بتدشين مؤسسات رائدة كالمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة ومنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة ومجلس حكماء المسلمين، ضمن خطوات لا تتوقف لصون السلم وبث روح التسامح والانتصار للاعتدال والوسطية والاحتفاء بالتواصل مع الآخر.
وفي عام 2020 جاء الإعلان عن اتفاق السلام بين الإمارات وإسرائيل يوم 13 أغسطس الماضي، وما تلاه من التوقيع على معاهدة السلام بين البلدين في واشنطن يوم 15 سبتمبر 2020، لترسخ الإمارات مكانتها في الإقليم صانعة سلام، بروح إيجابية، تؤسس لواقع جديد، عنوانه التعاون لمواجهة تحديات تنموية مشتركة في الزراعة والمياه والعلوم المتقدمة والطاقة والمناخ.
وأضاف أنه بعد مرور ما يزيد على عام من توقيع اتفاق السلام الإبراهيمي أبرمت الإمارات 60 اتفاقاً مع دولة إسرائيل للتعاون في مجالات حيوية تشمل التبادل التجاري وقطاعات واعدة كالذكاء الاصطناعي والسياحة والقطاع اللوجستي والنقل والرعاية الصحية والطاقة والبيئة والبحث، والتطوير والزراعة الحديثة والري.
الإعلام بمؤسساته ومنصاته وكوادره يستطيع، حسب الكعبي، نشر ثقافة التسامح والسلام، بمد جسور الحوار والتواصل مع الآخر بكل تنوعاته الدينية والثقافية، ببث التوعية، وتوضيح الحقائق، وتحصين الناشئة ضد خطر الانغلاق والتطرف.
وأضاف الكعبي: على صعيد تجربة صحيفة الاتحاد، فإنها رافقت في فبراير عام 2019 رحلة قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية لدى عودته من الإمارات إلى حاضرة الفاتيكان، بعد توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية.
وكانت «الاتحاد» حاضرة أثناء توقيع اتفاق السلام الإبراهيمي في العاصمة الأميركية واشنطن. ونشرت الصحيفة في عددها يوم 15 سبتمبر 2020 مقالاً لرئيس تحرير «يديعوت أحرونوت» عن السلام، في بادرة هي الأولى من نوعها في صحافة الإمارات، وبالتزامن مع الحدث التاريخي نشرت «يديعوت أحرونوت» مقالاً لرئيس تحرير «الاتحاد» في اليوم نفسه عن السلام أيضاً.
وقدمت الصحيفة محتوى توعوياً لقرائها حول المكاسب التنموية المتحققة نتيجة اتفاق السلام الإبراهيمي.
 نشر ثقافة السلام والتسامح مسؤولية مشتركة ليس فقط على المؤسسات الرسمية سواء الدينية أو الإعلامية أو التعليمية، بل هي مسؤولية كل فرد من أفراد المجتمع في أي موقع أو وظيفة وفي كل مكان في العالم.

قطب سانو: الاختلاف سنة كونية تعزز التنوع والثراء
الاختلاف سنة كونية والمقصد منه التنوع والثراء والتكامل، وليس الاختلاف الذي  يتحول إلى  تضاد 
وفي مداخلته بمحور  الخطاب الديني  وأهمية مواجهة  خطابات الكراهية والتطرف، لفت  الدكتور قطب سانو الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي في المملكة العربية السعودية، إلى الآية الكريمة  (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ)، «سورة الروم: الآية 22». مفردة العالمِين تعني من لهم العلم والدراسة. والمغزى من هذه الآية يكمن في إن الاختلاف سنة كونية والمقصد منه التنوع والثراء والتكامل، وليس الاختلاف الذي  يتحول إلى  تضاد وصراع. والألسنة المشار إليها في الآية تشير إلى الثقافات، وخلق الله الألوان.  
 ولا يجب أن يقتل أحد باسم الله، والصراعات الناجمة عن مخالفة هذه السُنّة تنبغي مواجهتها  بثقافة السلام. 
 وأضاف سانو: سرني أن الإمارات الدولة المباركة دشنت وزارة للتسامح والتعايش لنشر هذه الثقافة.

رشيد الخيّون: الأشهر الحُرم من أقوى دعوات للسلام في تاريخنا العربي 
وفي محور «سبل تعزيز ثقافة السلام والتسامح»، أكد الدكتور رشيد الخيّون، الباحث العراقي في التراث الإسلامي والفلسفة الإسلاميَّة، أن وجود الأشهر الحُرم واحدة من أقوى الدعوات والممارسات في تاريخنا العربي، قبل الإسلام نفسه.
وعندما ظهر التنافس بين الدول الكبرى بالسلاح النووي، تصدى لنبذها مثقفون ورجال دين من مختلف الدول، بالدعوة لسلام الدولي، دفاعاً عن الحياة وعن العمران الذي توصل له العقل الإنساني، حتى تُبني يوم 21 سبتمبر يوماً للسلام العالمي، شارك فيها الفنان الإسباني العالمي بيكاسو بعمل فني رائع عُرف بحمامة السلام، ووزع مجسمها على القارات الخمس، وظهر رجال دين مسلمين، إلى جانب بيكاسو الفنان.

محمد المعيني: الإمارات تستثمر الأنشطة الثقافية في التقارب بين الشعوب 
وفي مداخلته بمحور «ثقافة التسامح والسلام كمدخل لمواجهة صراعات العالم»، أكد الدكتور محمد كمال المعيني، مؤسس ورئيس المعهد الدولي للدبلوماسية الثقافية، أن الإمارات تستثمر الأنشطة الثقافية  والمؤتمرات الدولية  والحفاظ على التراث  والأنشطة الفنية والموسيقية في التقارب بين الشعوب  وتعزيز الحوار المتبادل  والتعايش السلمي. وحسب المعيني ترتكز الدبلوماسية الثقافية على خمسة أعمدة: احترام وتقدير التنوع الثقافي والعدالة والمساواة والحوار الثقافي العالمي وحماية حقوق الإنسان  وحفظ السلام والاستقرار العالمي. 

عمر الدرعي: ثقافة السلام فريضة دينية وواجب وطني 
وأكد الدكتور عمر حبتور الدرعي أن نشر ثقافة السلام فريضة دينية وواجب وطني راسخ، فالله عز وجل أمر بإعمار هذه الأرض، والعالم اليوم أحوج ما يكون للسلام، وتعزيز التفاهم والوئام، ومقصد عمارة الأرض لا يتحقق بغير السلام. الخطاب الديني مدعو إلى ترسيخ قيمة السلام في كافة منابره ومنصاته. السلام ليس كلمة تستهلك ولا شعار يُدّعى، بل برنامج يومي يعيشه الإنسان في كل لحظة من ولادته إلى وفاته. وفي اليوم العالمي للسلام يؤكد الدرعي أن الإمارات تقود المنطقة والمجتمعات العالمية إلى التسامح والسلام وتؤسس مواثيق إنسانية تاريخية عظيمة.

محمد الصوافي: وثيقة الأخوة الإنسانية رؤية عالمية لنشر التسامح
أكد الكاتب والباحث الإماراتي محمد خلفان الصوافي، الذي أدار فعاليات الندوة أن نشر ثقافة التسامح والسلام مسألة جوهرية في تحقيق مصلحة عالمية مشتركة للتصدي للتحديات الجديدة، وأن الأمر لا يقتصر على الحكومات والمؤسسات  الرسمية، بل يتطلب عملاً فردياً. ومن المهم الاستناد إلى وثيقة الأخوة الإنسانية  كرؤية عالمية قادرة على نشر هذه الثقافة وتحويلها إلى سلوك تقتدي به المجتمعات والشعوب.

  • مقصود كروز وقطب ساتو ورشيد الخيون
    مقصود كروز وقطب سانو ورشيد الخيون

 

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©