الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

الإمارات وفرنسا.. تاريخ من الثقافة والتنوير

الإمارات وفرنسا.. تاريخ من الثقافة والتنوير
16 سبتمبر 2021 01:50

 محمود إسماعيل بدر (الاتحاد)

العلاقات بين الإمارات وفرنسا متنوعة ووطيدة ثقافياً وفكرياً، بفضل إيمان ونهج قيادتي البلدين الصديقين الحكيمة بقيم الحوار بين الثقافات والأديان، وترسيخ قيم التنوير والتعايش بين الحضارات، حيث تتجلى الثقافة كأحد العناصر المهمة في العلاقات بين البلدين وسعيهما الحثيث للاستثمار الثقافي بينهما بفضل عراقة العلاقات المتينة التي أرسى قواعدها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، بالشراكة مع الرئيس الفرنسي الأسبق جيسكار ديستان، لبناء تعاون وصداقة متينة بين البلدين، خاصة بعد الزيارة التاريخية الأولى التي قام بها الوالد المؤسس الشيخ زايد «طيب الله ثراه» لفرنسا عام 1976.
شهدت هذه العلاقات ولا تزال تبادلاً كثيفاً للقاءات والزيارات المتبادلة على أعلى المستويات، ما أثمر في بناء شراكة علمية وتقنية وثقافية مستدامة، وتكريس شراكات استراتيجية وتعاون سياسي واقتصادي في مجال المعرفة بينهما، ويتصدرها الاستثمار المدروس في الحقل الثقافي، لذلك تحرص الدولتان على تعزيز التعاون الثنائي في المجالات كافة، ومن بينها مجالات الإبداع والابتكار والثقافة والآثار والمتاحف، وليس أدل على ذلك من التعاون المؤسسي بين البلدين في تنفيذ مشروع متحف اللوفر أبوظبي، بموجب اتفاق استثنائي وقّع بين حكومتي أبوظبي وفرنسا في العام 2007، بتصميم المهندس المعماري الفرنسي العالمي جان نوفيل، وتم افتتاحه في نوفمبر 2017 في موقعه في جزيرة السعديات، ليكون الصرح الثقافي الأبرز على مستوى منطقة الشرق الأوسط، باستعراضه آلاف الأعوام من تاريخ وحضارات الإنسانية، ولما يمثله ويعكسه من احترام الإمارات لثقافات وحضارات الشعوب، مع الإشارة إلى أن مبادرة أبوظبي في اختيار متحف اللوفر، تسهم إلى حد كبير في تعزيز روابط الشراكة مع أشهر المتاحف في العالم، وأكثرها جذباً للزوار، إلى جانب مدّ جسور التعاون مع مؤسسة ثقافية عريقة حملت منذ نشأتها مقومات التواصل والتقارب مع العالم وملامسة الروح الإنسانية من خلال أعمال وإبداعات إنسانية وحضارية خالدة، في ظلال منظومة التسامح وثقافة السلام والمحبة الكونية التي تنتهجها قيادة الإمارات الحكيمة وإيمانها الشديد بأن الفن الراقي هو رسالة إنسانية، وهنا علينا أن نتذكر ما قاله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال حضوره الافتتاح الرسمي لمتحف اللوفر أبوظبي: (إن كلاً من فرنسا والإمارات شركاء في تعزيز روح التسامح والمساواة بين الشعوب، ويعملان معاً من أجل تعزيز مفهوم أمثل للتقارب الثقافي والإنساني بين مختلف الحضارات)، كذلك ما شهده شهر أبريل من عام 2007 ضمن هذا السياق من توقيع الإمارات وفرنسا في باريس اتفاقية ترميم مجمع المباني التاريخية لقصر فونتيني بلو الشهير، الذي يعد معلماً ثقافياً وتاريخياً مهماً في فرنسا، وقامت حكومة أبوظبي بموجب هذه الاتفاقية بتمويل عمليات الترميم وإعادة صيانة القصر والمسرح فيه بتكلفة 10 ملايين يورو، وتم إطلاق اسم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله» على مسرح نابليون الثالث في قصر فونتينبلو، تقديراً من فرنسا على مبادرة سموه الكريمة في دعم ورعاية جهود ترميم وتحديث هذا الأثر التاريخي البارز.

تعزيز الروابط الثقافية
محطات التعاون الثقافي بين البلدين يصعب حصرها في هذه العجالة، لكن يمكن الإشارة إلى أهمية افتتاح أول فرع لجامعة السوربون بأبوظبي (جامعة السوربون بباريس تأسست عام 1257)، في العام الجامعي 2006 – 2007، وتهدف الجامعة إلى الإسهام في تعزيز فرص التعليم العالي وتنوعها في الدولة ودول مجلس التعاون ومنطقة الشرق الأوسط بوجه عام، إلى جانب مشاركة الإمارات في العديد من الفعاليات الثقافية التي ينظمها معهد العالم العربي في باريس، كما أقامت الجمهورية الفرنسية العديد من المعارض الثقافية والمسرحية والسينمائية بالدولة، كما تعززت علاقات التعاون في مجال الآثار والتنقيب عنها والحفاظ على التراث على الصعيدين الوطني والعالمي.
العلاقات الاستثنائية بين الإمارات وفرنسا تأخذ طابعاً فريداً من نوعه، تبدو في العديد من المظاهر والمحطات، أقربها ما يتمثل في الحوار الإماراتي- الفرنسي، الذي يتضمن مرحلتين، الأولى تميّز الحراك الثقافي الفني، والثانية عبر سلسلة من الفاعليات الثقافية والتربوية في مجالات المعرفة والابتكار والإبداع، والتركيز على الفنون المتطورة والذكاء الاصطناعي وحماية التراث المعرّض للخطر في العالم، ثم تعزيز الروابط الثقافية الفرنسية (الأليانس فرانسيز) التي تأسست في العام 2007، وتنشر الثقافة الفرنسية أدباً وفكراً وحضارة إنسانية، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الإمارات تستقطب للعيش على أراضيها جالية فرنسية هي الأكبر في منطقة الخليج، وهذا من شأنه ضمناً أن يفعّل العلاقات الثقافية والحضارية والإنسانية من خلال التمازج الحياتي، وهنا أيضاً تكفي الإشارة إلى أن إمارة دبي على سبيل المثال تستضيف أكثر من 75 غاليري فن وصالات عرض، تسهم في إثراء الحركة الفنية في الدولة بجملة من المعارض والإبداعات المشتركة بين فنانين من البلدين، إلى ذلك علينا الإضاءة هنا على الإشعاع الثقافي والبعثات الفرنسية في مجال علم الآثار في الدولة، والتي تعود لسنوات طويلة وخصوصاً في مجال صون التراث وإبرازه للعالم، ولعل أكبر مثال على ذلك ما يتمثل في احتفاء متحف الشارقة للآثار بهذا التعاون من خلال المعرض النوعي (40 عاماً من التعاون الآثاري بين الإمارات وفرنسا) ويحتوي على 100 قطعة أثرية، حيث ألقت الآثار المكتشفة من قبل البعثات الفرنسية منذ عام 1997 الضوء على أهمية تاريخ الإمارات، باعتبارها مركز الطرق التجارية عبر التاريخ الممتد منذ 7500 سنة، ويعكس ذلك بالضرورة مشروعاً ثقافياً وعلمياً طموحاً في مجال فهم التاريخ الإماراتي، وهو تاريخ حافل بعصور من الحضارات المتواكبة وإنجازات وإبداع الإنساني حتى وقتنا هذا، ونزيد في القول إن افتتاح صرحين عملاقين في الإمارات (متحف اللوفر أبوظبي - جامعة السوربون) ليس سوى دليل ناصع على مدى إيمان فرنسا بنهج دولة الإمارات واحترامها وتقديرها لجهودها ورسالتها العالمية في بناء ونشر ثقافة السلام، حيث يمثل هذان الصرحان شرف وفخر العلوم والثقافة والفكر والفنون الفرنسية والعالمية أيضاً.

محطة خاصة من التعاون
محطة خاصة من التعاون بين فرنسا والإمارات جاءت في ظلال المنتدى الإماراتي الفرنسي الذي تحتضنه جامعة الإمارات العربية المتحدة، وعقدت نسخته الثانية، افتراضياً في فبراير 2021، بحضور المستشار الثقافي لصاحب السمو رئيس الدولة، الرئيس الأعلى لجامعة الإمارات معالي الدكتور زكي أنور نسيبة، وسفير جمهورية فرنسا لدى الدولة، حيث قال نسيبة في كلمة له خلال المنتدى: «لا شك بأن انعقاد هذا المنتدى يتيح للباحثين والطلبة الشباب الانفتاح على العالم باعتباره رافداً من روافد الإثراء الفكري».

نمو وتطور
يعكس التزام الدولة بتعزيز مكانة اللغة الفرنسية، لا سيما بقرار إدراج إعادة تدريسها في المدارس الحكومية، وعضوية الإمارات في المنظمة الدولية للفرانكوفونية، مدى نمو وتطور وتجدد ونجاح العلاقات المميزة بين البلدين.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©