الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

بقلم دكتورة سليمة واني: حب الإمارات.. غـرس زايد

سليمة واني مع طفليها في رحلة صحراوية بأبوظبي قديماً (من المصدر)
28 يوليو 2021 04:30

كم يشعر الإنسان بالسعادة حين يستذكر حقبة جميلة من مسيرة حياته، تعود بي الذاكرة إلى ثلاثة عقود مضت حين قدمت من كشمير مع زوجي يوم 15 أبريل من عام 1989، عملت كطبيبة في مستشفى الكورنيش بأبوظبي منذ اليوم الثاني من وصولي ولغاية اليوم، شهدت ولادة أجيال من الأطفال الجميلة وهي تستقبل الحياة. أتذكر بشكل خاص كيف أنني أمسكت يوماً بيد أم شابة وهي تضع ابنتها، وتمر الأيام ويشاء القدر أن أشهد ولادة تلك الابنة وهي تضع مولوديها.
عندما بدأت العمل في أبوظبي لم أكن قد استقلت بعد من عملي السابق في بلادي، لأنني كنت قد خططت للبقاء لبضع سنوات فقط في الإمارات بنية العودة إلى بلدي الأم. لم أكن أعلم حينها أن الإمارات العربية المتحدة سوف تصبح موطني لمدة اثنين وثلاثين عاماً قادمة.
شهد باب المستشفى الذي عملت فيه دخولي وخروجي منه بشكل متواصل وبدون كلل أو ملل. بالطبع كنت أواجه أوقاتاً أشعر خلالها بالتعب والإرهاق كما هي حال الحياة، إلا أنني كنت أتغلب على هذا الشعور بحكم كوني أقوم بمهمة إنسانية، ولم يكن لديّ حتى القليل من الوقت لأضيعه! 
عندما أفكر في مغادرة الإمارات، أجد صعوبة كبيرة في الأمر. فمن الصعب أن تغادر بلداً احتضنك أنت وعائلتك، وجعلك تشعر فيه وكأنك في وطنك الحقيقي وأنت محاط بعائلتك. لقد عملت مع جيلين من الأمهات، واليوم أساعد الفتيات اللاتي سبق وأن قمت بتوليدهن.ما يزال الكثير من الأطفال الذين رأوا النور على يدي يتصلون بي ويطلبون مني النصيحة ويعاملونني كما لو أنني كنت أماً ثانية لهم. فكيف لي إذاً أن أترك أطفالي ورائي؟.
عندما أنظر إلى هؤلاء الأمهات، أرى أنه بالرغم من العديد من التغييرات التي شهدتها دولة الإمارات العربية المتحدة على مدى العقود الثلاثة الماضية سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو غيرها، بقي هناك عاملان ثابتان لم ينل منهما التغيير: الأول يتمثل في القيم والتقاليد التي غرسها المغفور له  الشيخ زايد «طيب الله ثراه»، في شعبه، والثاني هو الطقس الذي اعتدنا عليه ! وفي حين لا يوجد ما يقال عن الطقس، فمن العدل القول إن الحب والرعاية والقيم والتقاليد التي يتمسك بها كل من العائلات وكبار السن والتي تمثل ما زرعه الشيخ زايد في شعبه هي التي جعلتني أشعر وكأنني في موطني، وكأنني فرد من أفراد هذه العائلة الكبيرة الأمر الذي يشعرني دوماً بالراحة والاطمئنان بأن ولديّ محمد وعمار لن يكونا بمفردهما أبداً.
لم يكن من السهل تربية ولدين وأنا طبيبة وزوجة وطالبة علم تسعى لكسب المزيد من المؤهلات في الوقت ذاته. ولكن كيف كان لي ألا أرتقي بمهاراتي عندما وجدت الطريق ممهداً لذلك بفضل القيادة الحكيمة للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، وتشجيع أم الإمارات سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك «حفظها الله». 
من الأمور ألمُلهمة التي تركت أثراً عميقاً في نفسي ومنحتني الحافز للعمل على تطوير مهاراتي لكي أتمكن من مواكبة التطورات التكنولوجية المتسارعة وخدمة المجتمع الإماراتي، من خلال تولي العديد من مهام التدريس والتوجيه في قطاع التعليم كبَادرة لرد الجميل، هِيَ الحكمة التي قالها المغفور له الشيخ زايد «طيب الله ثراه»، ذات مرة:«ليس مهماً كم نبني من المنشآت والمؤسسات والمدارس والمستشفيات، أو عدد الجسور التي نشيّدها، فكل ذلك كيانات مادية.. الروح الحقيقية التي تدفع التقدم للأمام هي الروح الإنسانية، الرجل القادر بفكره وملكاته».
كتب إريك فروم ذات مرة أن «الأشخاص الذين يتمكنون من تعلم الحب بطريقة ناضجة وواعية يفهمون أن الحب ليس امتلاكاً ولا شرطاً. بل الحب هو رغبة راسخة في تعزيز نمو جميع الأشخاص الذين نحبهم».
ببساطة، لقد كانت خدمة أهل هذا البلد بصفتي طبيبة على مدى العقود الثلاثة الماضية بمثابة شعور بالحب غير المشروط بالنسبة لي. وبينما أفكر في الوقت الذي أمضيته في هذا البلد، وفي السنوات القادمة، أشعر أن الحياة لا تتعلق بأن نفعل ما نحب، بل أن نحب ما نفعل.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©