الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

متعافون يروون لـ «الاتحاد» مآسي النفق المظلم الإدمان.. رحلة السقوط في الهاوية

متعافون يروون لـ «الاتحاد» مآسي النفق المظلم الإدمان.. رحلة السقوط في الهاوية
4 يوليو 2021 01:40

ناصر الجابري وخلفان النقبي (أبوظبي)

يعد إدمان المخدرات آفة تعصف بعقول الشباب وتنهي طاقاتهم وقدراتهم وتسلب أرواحهم، فهي الخطر الذي يداهم الشباب وينتزع منهم التفاؤل بالحياة، ويجعلهم في دروب المآسي، وأمام التحديات التي أفرزتها الآفة والأساليب التي تتبعها العصابات الإجرامية، تقف الجهات المعنية بالمرصاد وتتصدى للمخاطر والآثار، عبر استراتيجيات وسياسات وخطط تستهدف تعزيز الوعي بخطورة المخدرات وإعادة المدمنين إلى جادة الصواب وطريق التعافي، حيث بالتزامن مع اليوم العالمي لمكافحة المخدرات، تصل دولة الإمارات إلى العديد من محطات النجاح في مكافحة الآفة عبر نهج يستند على إعادة التأهيل، وتمهيد الطريق للتعافي من الآفات. 

  • حمد الغافري
    حمد الغافري

في البداية، أكد الدكتور حمد عبدالله الغافري مدير عام المركز الوطني للتأهيل في أبوظبي، أنه خلال جائحة كوفيد-19 قدم المركز خدماته العلاجية من خلال العيادات التخصصية والافتراضية للمرضى، حيث تمت إعادة هيكلة الخدمات العلاجية مع بعض الخدمات المقدمة، وذلك بسبب الجائحة وتفادي أي مخاطر لانتشار العدوى، فيما تم حصر الدخول لقسم إزالة السمية للحالات شديدة الخطورة من الناحية الطبية، وكذلك تم تحويل العمل بالعيادات الخارجية ليكون افتراضياً تماشياً مع الإجراءات الاحترازية، في حين كانت هناك بعض الاستثناءات المدروسة الخاصة بحالات الطوارئ. 
وقال الغافري: تم افتتاح عيادة متخصصة افتراضية للأمراض النفسية الاستشارية بسبب جائحة كوفيد-19، حيث يقوم فريق طبي مختص بالرد على جميع الاستفسارات النفسية والتجاوب مع الحالات التي تستوجب التفاعل معها. وقد تم افتتاح عيادات الماتريكس الافتراضية للمرضى في العيادات الخارجية، وذلك للوقاية من الانتكاسة والاستمرار في التعافي، حيث يستفيد حوالي 51 مريضاً بشكل أسبوعي من الجلسات الافتراضية التي يقدمها المركز من ضمن برنامج منع الانتكاسة «ماتريكس» في العيادات الخارجية.

رؤية استراتيجية
وأشار الغافري إلى أن المركز يستند إلى رؤية استراتيجية متينة لكافة الأعمال التي يقوم بها، والتي تتمحور حول تعزيز مكانته كمركز رائد ومتميز في تقديم خدمات الوقاية والعلاج والتأهيل من الإدمان. وقال: «لتحقيق هذه الرؤية نستند في المركز إلى خطط دقيقة ومتكاملة وقائمة على أفضل الممارسات وسبل العلاج المتبعة عالمياً، والتي يبدع الفريق الطبي المشرف في المركز على تنفيذها وفق مصفوفات علمية تسهم في الحفاظ على صحة وسلامة المرضى».
وأضاف: إن دور المركز المحوري مرتبط بشكل كلي بالحفاظ على الحالة النفسية للمريض أو الشخص المتلقي للعلاج في المركز باعتبارها الأساس في مواصلة عملية إنقاذه وإعادته إلى طبيعته وحيويته التي نريدها له كعضو فاعل في المجتمع، ولديه كل أسباب المناعة من الإدمان وأضراره من خلال تأهيله النفسي وتفعيل همته وإرادته ليصمد خلال فترة العلاج التي تمر بمراحل عديدة، وتتطلب تفاعلاً كبيراً ومهماً من أجل ضمان النجاح.

دور المركز
وأشار الدكتور حمد عبدالله الغافري إلى أن المركز يتطلع بشكل دائم نحو تجسيد الدور الحقيقي والأساسي الذي تأسس من أجله باعتباره المركز الوحيد المعتمد من منظمة الصحة العالمية على مستوى الشرق الأوسط في هذا المجال. يتبع ذلك التزام كبير وحازم تجاه مسؤوليات كبيرة نواجهها بشكل متواصل مع الحالات المنتسبة للمركز، والتي تتطلب تقسيما وتوزيعا محددا حسب الحالة وأعراضها ومتطلبات علاجها بشكل تصاعدي ضامن للتحسن والدفع بالمريض لينخرط من جديد مع عائلته ومجتمعه. 
وتابع: إن مسؤوليتنا تجاه أبناء وبنات مجتمعنا، حتمت علينا إنجاز برامج عملية تتضمن مراحل متتالية مرتبطة بوضع المريض في صورة الحالة العلاجية، وجعلها العنصر الأساسي في حالة الشفاء التدريجي، وتفعيل التواصل المطلوب مع المريض من خلال برامج مختلفة ذات فعالية عالية، كبرنامج 12 خطوة وبرنامج المصفوفات العلاجية، والتي تسعى جميعها إلى إحداث تغيير جذري لديه تجاه الإدمان، ليكون متجاوباً بالشكل المطلوب الذي يجنب الوقوع في ردات فعل عكسية قد تضرب خطط التعافي المعتمدة مسبقاً.
ولفت إلى أنه على صعيد التفاعل مع الحالات المتعافية، فإن المركز يتطلع بحرص شديد إلى تلك الحالات من خلال إشراك الأسرة والمجتمع بشكل عام في حالة العودة الكلية للحياة الطبيعية للمريض، ووضع حلول جذرية لمشكلات أساسية قد تسببت بالوصول إلى حالة الإدمان على سواء تلك المرتبطة بالأسرة أو بالأصدقاء. 
وأكد الغافري أن المركز يحرص على أن يعزز مكانته محلياً باعتباره صديقاً وفياً لكافة أفراد المجتمع عبر توفير النصائح السليمة لتفادي مخاطر الإدمان، وتقديم العلاج وفق أعلى مستويات الجودة والتقنيات العالمية، والسرية، وذلك على أيدي خبراء متخصصين وذوي خبرات مميزة، ووفق إطار عال من السرية والخصوصية. 

  • عبدالله البلوشي
    عبدالله البلوشي

نفق مظلم لا نهاية له
عبدالله البلوشي،  يعمل اليوم مرشداً تعافى في المركز الوطني للتأهيل، كان بالأمس أحد الذين تاهت بهم السبل نحو الوصول إلى فخ تعاطي المواد المخدرة، حيث يجد في نفسه مصدراً لإلهام غيره، خصوصاً أنه كان شاهد عيان على المآسي والآثار السلبية الناجمة عن تعاطي المواد المحظورة. 
وقال البلوشي: وقعت في تعاطي المخدرات خلال رحلة سفري إلى إحدى الدول، حيث دفعني لذلك حب الفضول والرغبة في التجربة، ونظراً لعمري الصغير آنذاك، حيث كنت لا أدرك جيداً الأخطار الناجمة عن تجربة المواد المخدرة وأثرها الوخيم على الحياة ودورها في إضعاف الشخص، بدنياً ومعنوياً وتأثيرها على مسارات الدراسة والمهنة. 
وأضاف: إن تجربة الإدمان تشبه النفق المظلم الذي لا نهاية له، حيث خسرت السعادة وفقدت الأهل والطموح الذي كنت أريده، كما فقدت الثقة والطمأنينة والأمان وتملكني الرعب والخوف والقلق وجميع المشاعر السلبية، والتي جعلتني لا أعرف أين أذهب في الحياة، وكيف لي أن أعود إليها من جديد. 
وأشار إلى أنه اتجه إلى المركز الوطني للتأهيل، وذلك بنصيحة من أحد أقاربه والذي طرح عليه فكرة العلاج في المركز، يقول: رفضت في البداية، إلا أنني قررت الموافقة لاحقاً لأتلقى العلاج المناسب، وبجهود الكادر الطبي والعاملين في المركز، وجدتني تدريجياً أتعافى من الإدمان وأقلعت عن التعاطي، وبدأت في حياة جديدة مختلفة، وذلك بعد عامين من العلاج في العيادات الخارجية للمركز. 
ولفت إلى أنه يدرك جيداً التحديات التي يواجهها المتعاطي الراغب في الإقلاع عن هذه الصفة السيئة، وهو الأمر الذي يجعله قريباً منهم، وحريصاً على تقديم النصح والإرشاد والتوجيه للمدمنين، انطلاقاً من المسؤولية المجتمعية وحرصه على مجتمعه، ورغبته في العمل والعطاء والبذل لأجل مد أيدي التعافي والأمل إليهم.

السقوط في فخ الإدمان 
ومن جهته قال (محمد)، أحد الذين سقطوا في التعاطي لـ 16 عاماً، قبل أن ينتشله المركز الوطني للتأهيل ويعيده إلى طريق الصواب والأمل: تجربتي مع إدمان المخدرات بدأت مع بعض من أصدقائي الذين شجعوني على تعاطي مادة الحشيش في سن الخامسة عشرة، ثم تدرجت بعدها نحو التعاطي أكثر فأكثر حتى تقبل عقلي فكرة أن هذه المواد تقوي الذاكرة وتجعلني من المراكز الأولى في المدرسة، وترفع من مستوى درجاتي وتركيزي، واستمرت رحلة إدماني 16 سنة.. خسرت فيها نفسي وأسرتي والمجتمع، ودخلت السجن أكثر من مرة. 
وأضاف: اتخذت قرار التوقف عن الإدمان بعد أن أخذ لي أخي موعداً في المركز الوطني للتأهيل، حيث عرضوا علي الالتحاق بالمركز، وخضت تجربة العلاج في المركز الذي كان بالفعل «صديقاً وفياً» لي وتعافيت من الإدمان حتى الآن، حيث أكملت 3 سنوات ونصف السنة كمتعاف. وأشار إلى أنه من واقع تجربته فإن مرضى إدمان المخدرات يواجهون مشكلة حقيقية أساسية في الاعتراف بالخطأ، والحصول على سبل العلاج الصحيحة التي تمكنهم من التوقف عن التعاطي، والمحافظة على استمرارية التعافي، وعدم الانتكاس مرة أخرى. ولفت إلى أن مرضى الإدمان يحتاجون بعد التوقف عن التعاطي إلى برامج تأهيلية تساعدهم على حماية أنفسهم من الانتكاس والعودة للمخدرات مرة أخرى، وتأخذ بأيديهم في تجاوز المشكلات، والسيطرة على الأفكار السلبية التي تراودهم بين فترة وأخرى بالانسحاب ومعاودة التعاطي مرة أخرى، مؤكداً أهمية تعاون مركز العلاج والتأهيل مع مرضى الإدمان، باعتبارهم يعانون مرضاً مزمناً، وأنهم يحتاجون الدعم والمساعدة حتى يحافـظوا على تعافيهم من الإدمان. وطلب محمد منح المتعافي الفرصة الثانية للعودة للحياة بشكل طبيعي. وذلك لأن المتعافي يستحق فرصة جديدة يبدأ فيها حياته المستقبلية دون ربطه بالماضي، وتقديم وظيفة له يستند عليها ويغطي مستلزمات حياته دون مشاكل تربطه بالإدمان، فعند وضع المتعافي وسط المجتمع دون رؤيته بأنه مختلف، فإن ذلك سيساعد في ابتعاده كل البعد عن الإدمان.  ويوجّه محمد رسالة لأسر المدمنين، بأن العنف الأسري الذي عاش فيه سلبه حياته ووضعه الاجتماعي، حيث إن الأسرة قادرة على أن تبعد أبناءها عن هذه الهاوية التي تسلب الإنسان كل ما يملك، وقال: «رفقاً بأبنائكم، فأنا لم أستطع أن أقول لرفيق السوء في المدرسة كلمة (لا أريد).

 

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©