الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

«الأخوة الإنسانية».. ميثاق أخلاقي عالمي

«الأخوة الإنسانية».. ميثاق أخلاقي عالمي
6 فبراير 2021 00:16

ساسي جبيل (تونس)

تُمثّل وثيقة الأخوة الإنسانية ميثاقاً أخلاقياً عالمياً يرتقي بالإنسانية إلى مزيد من التقارب والحوار والتواصل، ويذكر البشرية بكونها وجوداً متجانساً مهما اختلفت القوميات والآراء والأجناس.
ويجمع خبراء ومحللون بارزون على أن اللقاء التاريخي الذي جمع فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وبابا الكنيسة الكاثوليكية البابا فرنسيس، وتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية في أبوظبي عام 2019، مثال لما ينبغي أن يكون عليه جوهر العلاقة بين الأديان قاطبة، مؤكدين أن الوثيقة أضحت نصاً مرجعياً، وشهادة بأن السلام ممكن رغم كل المعوقات والعقبات.

صرح التعايش 
أكد الدكتور عزالدين عناية، الأستاذ في جامعة روما، والمتخصص في دراسات الأديان، أن إعلان وثيقة الأخوة الإنسانية جدد العهد بين أتباع الأديان على تحمّل مسؤولياتهم التاريخية في تشييد صرح التعايش المشترك، بعد سنوات عصيبة عانى فيها الناس ممن انحرفت بهم السبل وأغواهم الخلاف واستدرجهم العنف. 
واعتبر عناية، الذي أشرف على عشرات رسائل الدكتوراه في شؤون العالم العربي، أنّ وثيقة «الأخوة الإنسانية»، التي وُقّعت من قِبل قيادتين روحيتين، تعكس التزاماً إنسانياً حازماً، وانشغالاً بالأمور الجامعة، بوصفها وثيقة منفتحة وليست منغلقة، وحاضنة وليست طاردة، مضيفاً: «إن ذلك هو ما جلب الأديان الأخرى للالتفاف حول مقاصدها وتبنّي فحواها، والعمل على تطبيق مبادئها على أرض الواقع». 
وأكد عناية أنه لذلك وجدت الوثيقة صدى طيّباً لدى المعنيين بالقضايا الإنسانية والساعين إلى تفعيل الرصيد الروحي، حتى باتت نصّاً مرجعياً لِما ينبغي أن تكون عليه علاقة الأديان فيما بينها.
وأضاف في تصريحات لـ«الاتحاد»: «استمدّت الوثيقة فحواها من يقين أنّ جغرافية الأديان، المتفاعلة والمتداخلة، في زمن العولمة، لم يعد بوسعها أن تتحمّل التشتُّت والانطواء السائدين، بعد أن أضحت الشراكة بين الأديان تُملي نفسها على سائر التقاليد، وهو ما عبّرت عنه وثيقة الأخوة الإنسانية بوضوح وشفافية». 
وتابع الأستاذ الجامعي المتخصص في دراسات الأديان: «انطلقت الوثيقة من راهنية الحاجة ومن مقتضيات التعايش الملحة إلى إرساء سلم دائم بين الجميع، ولم يكن الحافز دعوة حالمة تؤجّجها العواطف، بل هووعي بضرورات التآلف البشري»، مضيفاً: «لذلك يلمس الناظر في نص الوثيقةِ الواقعيةَ المعيشية التي استلهمت منها روحها وفحواها». 
وذكر عناية أن الملتفّين حول مبادئ الوثيقة يدركون أنّ مشروعها، مشروع الأخوة الإنسانية، ليس مشروعاً ناجزاً، وإنما مشروع تشاركيّ، تتعاضد في إقامة صرحه الإرادات الواعية، لأنّ لَمَّ شمل البشرية يقتضي وعياً جديداً بالأديان وبأدوارها، بوصفها رسالات خلاص. 
وأكد أن الأديان، والأخلاق التي تدعو لها، تأبى أن تنعزل عن قضايا الناس، فبقدر ما هي سبيلٌ للخلاص في الآخرة هي مسارٌ للإرشاد في الدنيا.
وأوضح عزالدين عناية أن القضايا الدينية التي نعيشها في ظل العولمة بادرت وثيقة الأخوة الإنسانية إلى طرحها بوضوح ورسمت حلولها بصدق، ولذا، فهي تضع الجميع أمام ضرورة وضع ميثاق أخلاقي جديد للتعايش والتسامح في العالم. 

خارطة طريق 
من جانبه، حذر الدكتور عدنان المقراني، أستاذ الدراسات الإسلامية والعلاقات الإسلامية المسيحية في الجامعة «البابوية» في روما، من أن المبادئ الأساسية، لاسيما الأخوة الإنسانية، باتت اليوم محط مساءلة من قبل تيارات عنصرية وإقصائية وعنيفة، تقوم على التمييز والتفرقة وبث الكراهية، مؤكداً أن ذلك سبب أزمة إنسانية تتطلب التعاون والتعاضد لحلها ومواجهتها. 
وأشار المقراني، الذي ألف كتاباً، بالتعاون مع عالم الدين والمفكر الإيطالي برونيتو سالفاراني، بعنوان «الأخوة الإنسانية وشكوك أخرى»، صدر في يناير 2021 عن دار النشر تيرا سانتا بميلانو، إلى أنه سعى في كتابه مع سالفراني إلى محاكاة عمل فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر وبابا الكنيسة الكاثوليكية البابا فرنسيس، من خلال التعاون في عمل مشترك يشرح «وثيقة الأخوة الإنسانية» ويُعلق عليها.
وأضاف في تصريحات لـ«الاتحاد»: «حاولنا الانطلاق من الوثيقة لتناول كثير من القضايا الملحة»، خصوصاً بعد صدور الرسالة البابوية «جميعنا إخوة في الأخوة والصداقة الاجتماعية» في الثالث من أكتوبر 2020، والتي تعتبر امتداداً للوثيقة الموقعة في أبوظبي. 
وأوضح المقراني، وهو أول عالم دين مسلم يدرس في جامعة بابوية، أن التوقيع على وثيقة «الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك»، من قبل شيخ الأزهر وبابا الكنيسة الكاثوليكية في 4 فبراير 2019، هو في حد ذاته حدث تاريخي، مضيفاً: «كانت هذه أول وثيقة من نوعها جمعت بين أعلى سلطة دينية كاثوليكية وإحدى أعرق السلطات الدينية السنية»، في أول زيارة يقوم بها حبر أعظم لمنطقة شبه الجزيرة العربية.
وقال المقراني: «إن الوثيقة جاءت أيضاً في سياق الاحتفال بمرور ثمانمئة عام على اللقاء بين الملك الكامل الأيوبي والقديس فرنسيس الأسيزي في مدينة دمياط المصرية». 
وأضاف: «كما كان اللقاء الأول أثناء الحروب الصليبية، جاء اللقاء الأخير وتوقيع الوثيقة في سياق صراعات عديدة تعصف بالمنطقة»، وفي الماضي كما في الحاضر، يبقى معنى اللقاء نفسه، وهو الذهاب عكس التيار والشهادة بأن السلام ممكن رغم كل المعوقات والعقبات.
وتابع أستاذ العلاقات الإسلامية المسيحية في الجامعة البابوية الجريجورية بروما: «تمثّل وثيقة الأخوة الإنسانية خطوة مهمة في تاريخ العلاقات الإسلامية المسيحية، فهي ترسم (خارطة طريق) للتعاون والتضامن بين أتباع الديانتين، بلغة واضحة ومباشرة، بعيداً عن اللغة المنمَّقة التي تُفقد الوثائق صدقيتها وقيمتها التربوية». 
وأكد على ضرورة العمل بجد لتحقيق أهداف الوثيقة، وقيمها على أرض الواقع، خصوصاً في ضوء الحاجة الملحة للإنسانية راهناً، وما يهددها من مخاطر.
ولفت المقراني إلى أن المسلمين في الدول الغربية، وفي أوروبا على وجه الخصوص، تلقّوا الوثيقة بروح إيجابية، لأنهم كانوا في حاجة ماسة لمثل هذا المستند لتقديم وجه إيجابي للإسلام ومكافحة الأصوات الشعبوية اليمينية التي تهدد الأقليات المسلمة، وتمس أسس الديمقراطية الغربية التي كان يُظن أنها راسخة بما يكفي كي تقاوم مثل هذه الانحرافات.
وأضاف: «أما في العالم العربي، بمسلميه ومسيحييه، تحمل الوثيقة في جوهرها القيم نفسها التي تتطلع إليها الشعوب العربية، وهي الحرية والعدالة والمساواة والكرامة، فالشعوب عطشى للقيم الإنسانية المشتركة بين المسلمين والمسيحيين، وبين الإنسانية جمعاء».
ونوّه إلى أن الوثائق والنصوص، مهما كانت مهمة، فهي غير كافية لتغيير الواقع، إذ تحتاج لمن يؤمن بها ويعمل من أجل تحقيقها على الأرض، وهو واجب على كل أصحاب الإرادات الطيبة، الذين ينأون بأنفسهم عن المشاحنات والصراعات السياسية والأنانية.
وفي كتابهما، المؤلف من 176 صفحة، يتأمل المقراني وسالفاراني الوثيقة ودورها في مواجهة التوترات والصراعات الدولية، كما يناقشان، من بين أمور أخرى، مشروع بيت العائلة الإبراهيمي، والذي يضم مسجداً وكنيسة وكنيساً، في أبوظبي، باعتبارها مركزاً للحوار بين الأديان الثلاثة. 
ويقول الكاتبان، في عرضهما للكتاب: «لا توجد وثيقة يمكن أن تغير العالم، فالرسالة لا تغيرنا، لكن الكلمة يمكن أن تغير الحياة وتسمو بالأخلاق وتعطي الأمل في التغيير، وهذا ينطبق أيضاً على وثيقة الأخوة الإنسانية».
وطالب الكاتبان بتطبيق مبادئ الوثيقة في حياتنا، متسائلين: إلى أي مدى نحن جادون في تبني هذه الكلمات؟

انتصار للضعفاء 
تعتبر وثيقة الأخوَّة الإنسانية إطاراً لدستور عالمي جديد للإنسانية، إذ تُرسِّخ مبادئ عالمية أهمها العدالة والمساواة، وتُقرّ حقوق المرأة التي نصت عليها المواثيق الدولية كافة، وتنص على حقوق الأطفال بكل جوانبها، وحقوق المسنين والضعفاء وذوي الاحتياجات الخاصة والمستضعفين، حسبما يؤكد معالي الدكتور أحمد بن محمد الجروان، رئيس المجلس العالمي للتسامح والسلام في دولة الإمارات، في كتابه «أهمية وثيقة الأخوة الإنسانية في تعزيز قيم التسامح والحوار»، الصادر عام 2019 عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.
وأوضح الجروان في كتابه أن الوثيقة طالبت بحماية حقوق الضعفاء والمستضعفين بتشريعات حازمة، وبتطبيق المواثيق الدولية الخاصة بهم، كما وضعت هذه الحقوق كافة داخل إطار مبدأ التسامح وما يتضمَّنه من معاني قبول الآخر، والتعايش السلمي لضمان الممارسة الصحيحة لتلك الحقوق، وتحديد الهدف منها.
وأكد الجروان أن الوثيقة تعزز من قيمة مبدأ التسامح عالمياً، ودعوة للتعامل مع الأزمة التي تعانيها البشرية، حيث وصفت الأزمة الحالية التي يعيشها عالمنا، وأسبابها الدينية، والاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية.
ولفت في كتابه إلى أن من أهم أسباب أزمة العالم الحالية هو تغييب الضمير الإنساني، وإقصاء الأخلاق الدينية، واستدعاء النزعة الفردية والفلسفات المادية التي تضع القيم المادية الدنيوية موضع المبادئ العليا والسامية، وسياسات التعصب والتفرقة التي تعبث بمصائر الشعوب ومقدراتها، والتوجهات الأيديولوجية البغيضة، إضافة إلى الأزمات السياسية الطاحنة، والظلم، والفساد، وعدم المساواة، والتدهور الأخلاقي، والإرهاب، والعنصرية، والتطرف، وسباق التسلح.

«فكرة الكونية»
ويقول الدكتور منصف الوهايبي، الحاصل على جائزة الشيخ زايد فرع الأدب لعام 2020: «هذه الوثيقة في تقديري ميثاق عالمي يعزز فكرة الكونية التي هي مطلب إنساني، لاسيما في هذا الظرف العالمي الفارق حيث تُهددنا الأوبئة والصراعات، فلا شك أن الوثيقة تدعو للسلام والتآخي بين الشعوب والثقافات والأديان، وهي تتلاقى كلها في هذا المعنى الذي تضفيه علينا نحن البشر». 
وأشاد الوهايبي بالدور الإماراتي الرائد في دعم هذا التوجه الحضاري العميق وهذه المبادرة الرائدة التي ترقى إلى ميثاق حقوق الإنسان العالمي. 

تمهيد فكري
اعتبر الدكتور رابح الخرايفي، الباحث في القانون الدستوري وعضو الجمعية العربية للعلوم السياسية والقانوني، أن وثيقة الأخوة الإنسانية نابعة من الاقتناع بوجوب العيش المشترك، الذي لا يمثل فيه الدين عنصر تفرقة وتقسيم بين الناس، وإنما يكون عنصر توحيد.
وأكد لـ«الاتحاد» أن مبادئ الوثيقة يمكن أن تكون ضامنة للعيش المشترك، شريطة تطبيقها في الواقع المجتمعي، مشيراً إلى أنه لا بد من أن يمهد لإرساء التسامح تيار فكري وفلسفي، كما حدث في أوروبا مع عصر التنوير.

دستور إنساني
ثمّن الدكتور المعز الوهايبي، الأستاذ بجامعة القيروان، الدور الإماراتي الرائد في توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية، قائلاً: «لا يمكن إلا الإشادة بهذه المبادرة، وهي ليست مستغربة في حقيقة الأمر من دولة الإمارات، ليس فقط لكونها تذكر بمقتضيات التآخي الإنساني، وإنما لأنها جاءت في ظل واقع عالمي نحن في أمس الحاجة فيه إلى أفق يذكر الإنسانية بكونها وجوداً متجانساً مهما اختلفت القوميات والآراء والأجناس». 
وأضاف في تصريحات لـ«الاتحاد»: «إن هذه الوثيقة تعادل دستوراً إنسانياً كونياً لا يمكن لأية مجموعة بشرية إلا أن تنخرط فيه»، لافتاً إلى أن الإمارات تذكر العالم مرة أخرى بأن نشر السلام العالمي ما يزال ممكناً.
ودعا الوهايبي جميع المثقفين إلى نشر روح هذه الوثيقة الإنسانية والتعريف بها في أنحاء العالم.

رئيس مكتب باريس للمنتدى العالمي للأديان من أجل السلام لـ«الاتحاد»: دعوة لمواكبة الركب الحضاري 
‏أكد رئيس مؤسسة الإسلام في فرنسا ورئيس مكتب باريس للمنتدى العالمي للأديان من أجل السلام، غالب بن الشيخ الحسين، أن توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية يمثل بداية عصر جديد للحوار بين الأديان، لإرساء قواعد السلم والعدل بين الشعوب، وتعزيز أواصر التآخي والتآزر والتعاضد، مع تمتين روابط الصداقة بين أفراد البشرية جمعاء. وأوضح بن الشيخ الحسين، الرئيس السابق للمسجد الكبير في باريس، أن الإنسانية تعاني من أزمات جمة مثل الحروب والنزاعات وتسييس الدين لأغراض لا تتماشى مع تعاليم الوحي والديانات السماوية، ناهيك عن الأزمات الإقليمية والصحية التي اجتاحت العالم، وهو ما يؤكد ضرورة «الأخوة الإنسانية».
ودعا رئيس مكتب باريس للمنتدى العالمي للأديان من أجل السلام، المسؤولين من حاخامات وقسيسين وأئمة، إلى اليقظة لكي لا توظف التعاليم السمحة لأغراض سياسية، مضيفاً: «أقول كمسلم إننا سئمنا من تداعيات التطرف والتزمت والفكر الظلامي، والفرصة مواتية الآن بعد سنتين من توقيع الوثيقة، أن نواكب الركب الحضاري بنزعة إنسانية تكرس على أرض الواقع تعاليم ديننا الإسلامي السمح، والتي تدعو إلى التسامح والرفق والمحبة والكرم والصبر والجلد والعفو».
وقال: «إن وثيقة الأخوة الإنسانية، وما تلاها من مبادرات إماراتية تخدم البشرية وتقيم الدليل على السعي الدؤوب من أجل تجسيد هذه القيم على أرض الواقع». وشدد على أهمية أن يكون النهج الإماراتي، الذي يخدم البشرية جمعاء، مثالاً يحتذى به لكل العرب والمسلمين الذين يريدون طي صفحة الماضي، مضيفاً: «على العرب والمسلمين أن يتأسوا بكل صدق بهذا النهج».
وقال بن الشيخ الحسين إن النموذج الإماراتي من شأنه تحقيق التقارب والتواصل والتآخي بين الشعوب، ونشر القيم النبيلة بين البشرية جمعاء، لما في ذلك من خير للإنسانية التي تحتاج إلى كثير من المبادرات التي توقظ الضمير الإنساني.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©