الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

قانون الإنسانية وإنسانية القانون

قانون الإنسانية وإنسانية القانون
4 ديسمبر 2020 02:21

الدكتور أحمد عبدالظاهر *

 في العدد الأخير من الجريدة الرسمية لدولة الإمارات العربية المتحدة، تم نشر العديد من المراسيم بقوانين، والتي تنم عن رؤية وفلسفة إنسانية واضحة، وتعبر عن الإرادة التشريعية القوية نحو إضفاء طابع إنساني على المنظومة القانونية السارية في الدولة، سواء فيما يتعلق بالاتجاه نحو الحد من التجريم والعقاب، أو الحد من عقوبة الحبس قصير المدة، أو فيما يتعلق بطريقة التعامل مع المتهمين وإعلاء غرض التأهيل والعلاج كأحد أغراض العقوبة، أو مراعاة ذوي المحكوم عليهم وذوي قرباهم ولم شمل الأسرة، أو احترام حق المجني عليهم في الخصوصية، أو مراعاة حقوق الآخر وتعزيز ثقافة التآخي في المجتمعات المسلمة، أو مراعاة شعور ذوي الاحتياجات الخاصة. 
 ففيما يتعلق بالاتجاه نحو الحد من التجريم والحد من العقاب الجنائي، تجدر الإشارة إلى المادة الثالثة من المرسوم بقانون اتحادي رقم (14) لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام قانون المعاملات التجارية، بنصها على إلغاء تجريم إصدار الشيك من دون رصيد، علماً بأن هذه التعديلات يبدأ العمل بها اعتباراً من 2 يناير 2022م، وإذا كان المشرع قد ألغى تجريم الشيك من دون رصيد، فقد كان حريصاً على استيفاء الدائن حقه بوسيلة قضائية ميسرة، تتمثل في اعتبار الشيك المثبت عليه بعدم وجود رصيد له أو عدم كفايته سنداً تنفيذياً، وبحيث يكون لحامله طلب تنفيذه كلياً أو جزئياً بالطرق الجبرية.
وفيما يتعلق بالحد من عقوبة الحبس قصير المدة، فإن ذلك يتحقق بطريقتين: أولاهما، تقرير انقضاء الدعوى الجزائية بالتصالح أو الوفاء في بعض الجرائم، ويمكن التدليل على ذلك بالمادة 644 مكرراً 2 من قانون المعاملات التجارية الاتحادي، مضافة بموجب المرسوم بقانون اتحادي رقم (14) لسنة 2020م، بنصها على انقضاء الدعوى الجزائية في الجرائم المنصوص عليها في المادتين (641) مكرراً (1) و(641) مكرراً (2) من هذا المرسوم بقانون، إذا تم الوفاء بكامل أو بقية قيمة الشيك قبل مباشرة إجراءات التنفيذ الجبري أو تم التصالح فيها أو الوفاء بكامل أو بقية قيمته قبل الفصل فيها بحكم بات، وإذا حدث التصالح بعد صيرورة الحكم باتاً يوقف تنفيذه. أما الطريقة الأخرى للحد من عقوبة الحبس قصير المدة، فتتمثل في الاستعاضة بعقوبة الغرامة عن عقوبة الحبس في العديد من الجرائم. فعلى سبيل المثال، ووفقاً للمادة (641) من قانون المعاملات التجارية الاتحادي، معدلة بموجب المرسوم بقانون اتحادي رقم (14) لسنة 2020م، قرر المشرع الغرامة التي لا تقل عن عشرة بالمائة من قيمة الشيك وبحد أدنى خمسة آلاف درهم ولا تزيد على ضعف قيمة الشيك، وذلك كعقوبة لبعض السلوكيات الإجرامية ذات الصلة بالشيك. 
وفيما يتعلق بفلسفة التعامل مع المجرمين، وإعلاء شأن غرض التأهيل والعلاج على غرض العقاب والردع، يمكن الإشارة إلى المادة (335) الفقرة الثانية من قانون العقوبات الاتحادي، معدلة بموجب المرسوم بقانون اتحادي رقم (15) لسنة 2020م، بنصها على أن يجوز للمحكمة إيداع من يشرع في الانتحار مأوى علاجياً بدلاً من الحكم عليه بالعقوبة المقررة لجريمة الشروع في الانتحار، وهي الحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بالغرامة التي لا تجاوز خمسة آلاف درهم أو بالعقوبتين معاً.
 
لم شمل الأسرة
وفيما يتعلق باعتبارات لم شمل الأسرة وعدم تعريضها للتشتت والتمزق، فإن المادة (121) الفقرة الثانية من قانون العقوبات الاتحادي، معدلة بموجب المرسوم بقانون اتحادي رقم (15) لسنة 2020م، تقرر عدم جواز الحكم على الأجنبي بالإبعاد إذا كان زوجاً أو قريباً بالنسب من الدرجة الأولى لمواطن، وذلك ما لم يكن الحكم صادراً في جريمة من الجرائم الماسة بأمن الدولة، وجدير بالذكر أن هذا الحظر قد تقرر لأول مرة بموجب القانون الاتحادي رقم (4) لسنة 2019م. 
أما فيما يتعلق بحق المجني عليهم في احترام خصوصياتهم، فإن المادة السادسة مكرراً من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي، مضافة بموجب المرسوم بقانون اتحادي رقم (28) لسنة 2020م تحظر على مأموري الضبط القضائي وجهات التحقيق الكشف عن بيانات المجني عليه إلا لذوي الشأن، وذلك في الجرائم الواقعة على العرض.

التسامح
وفيما يتعلق بتعزيز بيئة التسامح وقبول الآخر، فإن المادة الثانية من المرسوم بقانون اتحادي رقم (29) لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام القانون الاتحادي رقم (28) لسنة 2005 في شأن الأحوال الشخصية تقرر «لكل إمارة أن تنشئ سجلاً خاصاً يسمى بسجل (وصايا غير المواطنين)، ويحدد شكل السجل وبياناته وإجراءات وضوابط القيد فيه وتعديل قيوده، وإجراءات تنفيذه بقرار تصدره السلطة المختصة بالإمارة المعنية».
ولا يفوتنا أخيراً الإشارة إلى حرص المشرع على استخدام مسمى «أصحاب الهمم» كبديل لمسمى «ذوي الإعاقة» في كل التشريعات الصادرة مؤخراً، ومنها المرسوم بقانون اتحادي رقم (18) لسنة 2020 في شأن التعليم الخاص. والله من وراء القصد...

* المستشار القانوني بدائرة القضاء- أبوظبي

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©