الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

عُمان.. نصف قرن حضارة وتقدم

عُمان.. نصف قرن حضارة وتقدم
18 نوفمبر 2020 02:37

أحمد مراد، أحمد شعبان (القاهرة)

جهود مستمرة، وأشواط متواصلة، قطعتها سلطنة عُمان على مدى الخمسين عاماً الماضية نحو تحقيق نهضة تنموية شاملة على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، وكان ثمرة هذه الجهود تحقيق كثير من الإنجازات والنجاحات غير المسبوقة، الأمر الذي جعل السلطنة تحتل المرتبة الـ 64 من بين أكبر اقتصادات العالم، فضلاً عن تصنيفها من قبل مؤشر السلام العالمي بأنها البلد الأكثر سلمية في العالم. كما اعتبرها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عام 2010 البلد الأكثر تحسناً على مستوى العالم في مجال التنمية خلال الـ 47 عاماً الماضية، وفيما تحتفل السلطنة بعيدها الوطني الـ50 للنهضة، الذي يوافق 18 نوفمبر من كل عام، يحق لأبناء شعبها الفخر بما حققته بلادهم من إنجازات ونجاحات عملاقة.
وانطلقت المسيرة التنموية لسلطنة عُمان في أعقاب تولي المغفور له بإذن الله السلطان قابوس بن سعيد، الحكم في 23 يوليو من العام 1970، حيث حرص على إقامة الدعائم الأساسية لدولة عصرية وحضارية تتمتع بوضع سياسي واقتصادي واجتماعي وعسكري قوي ومستقر، وتعتمد على مصادر دخل متنوعة، وهو الأمر الذي تحقق على أرض الواقع، حيث أصبحت السلطنة بعد أقل من 20 عاماً من تولي السلطان قابوس الحكم تعيش طفرة حضارية غير مسبوقة جعلت اقتصاد السلطنة يصنف من بين أكبر اقتصادات العالم، ويعد واحداً من الاقتصادات العالمية ذات الدخل المرتفع.

شراكات اقتصادية
حرصت سلطنة عُمان على إقامة شراكات اقتصادية مع مختلف دول العالم، وسعت إلى جذب أضخم الاستثمارات الأجنبية مثل المدينة الصينية بالمنطقة الاقتصادية بالدقم، وكذلك الاستثمارات البريطانية والأميركية واليابانية.
وشهدت السلطنة في عام 2019 صدور مجموعة من المراسيم السلطانية لتعديل كثير من القوانين لإعطاء دفعة كبيرة لجهود تنويع مصادر الدخل، وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، وترسيخ التعاون والشراكة مع مختلف دول العالم، فضلاً عن تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وإنشاء الهيئة العامة للتخصيص.

إصلاحات سياسية
سياسياً، اهتمت سلطنة عُمان خلال نصف القرن الماضي، بتعزيز قيم المشاركة السياسية، وتأسيس مجالس تشريعية واستشارية تشارك في عملية صناعة القرار الداخلي والخارجي، وفي هذا الإطار تأسس المجلس الاستشاري الذي انبثق عنه مجلس الشورى المنتخب الذي كان له دور استشاري حتى العام 2011، وبعدها منحه السلطان قابوس صلاحيات تشريعية، وسمح لأعضائه المنتخبين باستجواب الوزراء، واقتراح القوانين والتغييرات في الأنظمة الحكومية.
وفي 27 أكتوبر من العام 2019، أجريت انتخابات أعضاء مجلس الشورى للفترة التاسعة في كل ولايات السلطنة لانتخاب 86 عضواً، وأظهرت انتخابات أعضاء مجلس الشورى في الفترة التاسعة التي تمتد إلى 4 سنوات، وتنتهي في العام 2023 استعداداً من جانب الناخبين العمانيين للمشاركة في الانتخابات حيث بلغت نسبة المشاركة 49% من عدد الناخبين.

قوات مسلحة متطورة
فيما يتعلق بالجوانب العسكرية، حرصت سلطنة عُمان على تطوير وتحديث قواتها المسلحة عبر جهود شاقة استمرت لسنوات طويلة، ففي عام 1976 أعيد تنظيم القوات المسلحة العُمانية، وأطلق عليها قوات سلطان عُمان البرية، واستمرت هذه التسمية حتى عام 1990، بعدها تغير الاسم إلى «الجيش السلطاني العُماني». 
وفي غضون سنوات قليلة، أصبح الجيش العُماني جيشاً حديثاً ومتطوراً، ومتكامل البناء والتسليح والتنظيم، ويضم في صفوفه أسلحة المشاة والمدرعات والمدفعية ومنظومة الدفاع الجوي والإشارة والأسلحة الإدارية الأخرى.
وشكل الجيش العُماني واحداً من القوات المقاتلة الأكثر حداثة والأفضل تدريباً.
وتلعب القوات المسلحة العُمانية دوراً حيوياً في مراقبة مضيق هرمز وبحر عُمان، واختبرت السلطنة قدرات قواتها المسلحة بالمشاركة في تدريبات مشتركة مع الدول الأجنبية، واتخذت زمام المبادرة في الجهود الرامية إلى تعزيز الأمن الجماعي الإقليمي من خلال مجلس التعاون الخليجي في ختام حرب الخليج، واقترحت تطوير قوة أمنية إقليمية لمجلس التعاون الخليجي.

نهضة تعليمية
في مجال التعليم، شهدت السلطنة طفرة تعليمية غير مسبوقة في تاريخها، فقديماً لم تكن هناك سوى مدارس محدودة تخضع للتخطيط والإشراف الحكومي، وكانت تدرس مناهج محددة المحتوى، ولكن في مراحل لاحقة شهد قطاع التعليم تنوعاً وتعدداً وتطوراً سواء في المدارس أو الجامعات أو المناهج أو طرق التدريس، حيث بات هناك التعليم الحكومي والخاص، والمدارس الدولية، ومدارس التعليم التخصصية.
وفي عام 1986، تأسست جامعة السلطان قابوس، وهي واحدة من أهم الجامعات العربية في العصر الحديث، وتوالى تأسيس الكليات المختلفة بدأت بكليات العلوم والطب والهندسة والزراعة، بعدها تأسست كلية التقنية الصناعية التي سميت لاحقاً بـ «كلية التقنية العليا»، ولديها إدارات الحوسبة والرياضيات والعلوم المخبرية والكهربائية والبناء والهندسة الميكانيكية.
واستعانت السلطنة بالخبرات العالمية في تطوير التعليم، وجذبت أفضل الكوادر الأجنبية لتبادل الخبرات مع الكوادر العمانية، وأرسلت المبعوثين العمانيين إلى الخارج ليتلقوا المعارف الحديثة والتخصصات النادرة في أرقى المعاهد والجامعات العالمية.
 وساهمت النهضة التعليمية التي شهدتها عُمان في إنجاح سياسة إحلال الأيدي العاملة الوطنية محل الأيدي العاملة الأجنبية، كما زودت سوق العمل بالتخصصات المطلوبة، خصوصاً في مجالات المشروعات الوطنية العملاقة الحديثة في مدن الدقم وصلالة وصحار. 

حقوق الإنسان
في ملف حقوق الإنسان، قطعت سلطنة عُمان على مدى العقود الخمسة الماضية أشواطاً عديدة في مجال ترسيخ حقوق الإنسان في المجتمع العُماني، وفي عام 2008 صدر المرسوم السلطاني بإنشاء اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان التي تعمل على ضمان تمتع كل المواطنين بالعدل والمساواة في جوانب الحياة كافة، وتشكلت من 14 عضواً، ومدة العضوية في اللجنة ثلاث سنوات قابلة للتجديد لمدة أو لمدد أخرى مماثلة.

عهد جديد
بعد وفاة السلطان قابوس بن سعيد في يناير الماضي، بدأت سلطنة عُمان عهدا جديدا بقيادة السلطان هيثم بن طارق الذي تعهد في خطاب ألقاه بعد انقضاء الأربعين يوماً حداداً على وفاة السلطان قابوس بمواصلة الجهود لتحديث مسيرة العمل الوطني، والارتقاء بعُمان لتكون في مصاف الدول المتقدمة، مؤكداً عزمه على المضي قدماً في طريق البناء والتنمية. 
كما شهدت انطلاقة العهد الجديد أسمى معاني الوفاء والولاء للسلطان المؤسس قابوس بن سعيد، طيب الله ثراه، لتكون الرسالة الأولى في العهد الجديد، قائمة على المبادئ والقيم العمانية الأصيلة، والثوابت الوطنية الراسخة، حيث استهل جلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، خطابه الأول برثاءٍ بالغ الأثر للسلطان قابوس بن سعيد، طيب الله ثراه.
وأصبحت هذه الانطلاقة تملؤها الوفاء للسلطان الراحل، وتحفها معاني الإخلاص والولاء لمن بنى دولة عصرية شهد لها القاصي قبل الداني، وشيد نهضة راسخة، وتكون انطلاقة تسير على ذات النهج وتقتفي خطى السلطان الراحل، من أجل أن ترقى عمان إلى المكانة المرموقة التي أرادها لها وسهر على تحقيقها، فكتب الله له النجاح والتوفيق. 
وتعهد السلطان هيثم بن طارق بأن يكون الانتقال بعُمان إلى مستوى طموحات وآمال المواطن في شتى المجالات عنوان المرحلة القادمة، فضلاً عن تعهده باتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وتحديث منظومة التشريعات والقوانين وآليات وبرامج العمل ومراجعة أعمال الشركات الحكومية مراجعة شاملة، بهدف تطوير أدائها ورفع كفاءتها، وتمكينها من الإسهام الفاعل في المنظومة الاقتصادية.

رؤية «عُمان 2040» 
في الثالث من مارس الماضي، ترأس السلطان هيثم بن طارق اجتماع مجلس الوزراء العُماني، ووجه بإنشاء صندوق الأمان الوظيفي بتمويل قدره 10 ملايين ريال، وأشار إلى أن عام 2020 هو عام تهيئة العمل على تنفيذ الرؤية المستقبلية «عُمان 2040»، التي من المتوقع أن تضع السلطنة في مصاف الدول المتقدمة.
وكان المجلس الأطلسي ‏«أتلانتيك كاونسيل»، وهو مؤسسة بحثية مرموقة في مجال الشؤون الدولية ومقرها واشنطن، أصدر تقريراً دولياً في يوليو الماضي، أوضح فيه أن موقع عُمان الاستراتيجي كمركز لوجستي، يعتبر حجر الزاوية في «رؤية 2040»، وعنصراً للخطة الضخمة في مبادرة الحزام والطريق إلى الصين، مشيراً إلى التعاون من أجل تطوير ميناء الدقم، في إطار صفقة قيمتها 10.7 مليار دولار، تستهدف إنشاء مجمع صناعي في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم.
وأشار التقرير الدولي إلى أن الاستثمار الأوروبي يصنع شراكة فريدة للطاقة الخضراء مع السلطنة، وأن إعلان شركة «ديمي» البلجيكية في مارس الماضي عن خطط لبناء ما يصل إلى500 ميجاوات من قدرة الهيدروجين الخضراء التي تعمل بالطاقة الشمسية والرياح في الدقم دليل على ذلك.
وفي أغسطس الماضي، أشاد تقرير نشرته مؤسسة «ماركت ووتش» الأميركية للاستشارات الاقتصادية، بجهود سلطنة عُمان في تنويع الاقتصاد الوطني، متوقعة أن تساعد رؤية «عُمان 2040» في نمو الاقتصاد غير النفطي خلال الفترة بين عامي 2020 و2026.

هيكلة الجهاز الإداري
خلال الأشهر العشرة الأخيرة، صدرت عشرات المراسيم السلطانية في إطار سعي السلطان هيثم بن طارق لإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وتهدف في الوقت نفسه إلى رسم خريطة طريق واضحة لمستقبل مشرق لسلطنة عُمان، تقوم على تعزيز واستدامة مسيرة النهضة المتجددة، وتضمنت المراسيم السلطانية العديد من القرارات المهمة، منها تعيين شهاب بن طارق بن تيمور آل سعيد نائباً لرئيس الوزراء لشؤون الدفاع، وإصدار نظام جهاز الضرائب واعتماد هيكله التنظيمي، وإنشاء جهاز الاستثمار العُماني، وتأسيس مركز الدفاع الإلكتروني.

قاطرة المستقبل
وأولى السلطان هيثم بن طارق اهتماماً كبيراً بالشباب منذ توليه المسؤولية، باعتبارهم الأساس لتحقيق رؤية عُمان 2040، حيث أكد أن الشباب ثروة الأمم وموردها الذي لا ينضب، وسواعدها التي تبنى، وهم حاضر الأمة ومستقبلها، ولذلك منح سلطان عمان نسبة كبيرة للشباب في الهيكلة الجديدة للجهاز الإداري في عُمان، حيث إن أكثر من 60 في المئة من التشكيل الوزاري الجديد للسلطنة من الفئة العمرية الأقل عن 55 عاماً.
وجاء إنشاء وزارة الثقافة والرياضة والشباب بقيادة شابة مثل ذي يزن بن هيثم بن طارق آل سعيد، لتأكيد الاهتمام بهذه الفئة، وتعمل وزارة الثقافة والرياضة والشباب جاهدة على تشجيع الإبداع والابتكار، وفتح قنوات التواصل الهادف والحوار البناء بين فئة الشباب في السلطنة، للنهوض بكل ما من شأنه تعزيز الانتماء لبناء مستقبل عُمان، وبحث متطلبات الشباب في المرحلتين الراهنة والمستقبلية، وتعزيز مواهب الشباب.

 

نجاح مبهر
سجلت سلطنة عُمان نجاحاً مبهراً في مجال مكافحة جائحة كورونا، الأمر الذي جعلها محل تقدير المجتمع الدولي والمنظمات الصحية العالمية، ومع بدء تفشي الجائحة في العالم، استعدت السلطنة مبكراً لمواجهتها، وشكلت لجنة عليا مكلفة بالبحث في آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار الفيروس، ونجحت هذه اللجنة في مواجهة تداعيات الأزمة بأقل الخسائر الممكنة. وفي يونيو الماضي، أشاد المنتدى الاقتصادي العالمي بتجربة السلطنة في مواجهة فيروس كورونا المستجد، موضحاً أنه بفضل الإجراءات المبكرة التي اتخذتها السلطنة تمكنت من احتواء الفيروس وإبطاء انتشاره، وأشاد في الوقت ذاته بدور القطاع اللوجستي، الذي على الرغم من تأثر قسمه الجوي بإغلاق المطارات، إلا أن حركة الشحن البحري واصلت عملها من خلال استقبال أكثر من 200 سفينة في موانئ صحار والدقم وصلالة.
وأكد المنتدى العالمي أن استعداد القطاع التكنولوجي في السلطنة مكنها من تجاوز كثير من تداعيات جائحة كورونا، حيث ساعدت البنية الأساسية لشبكة الاتصالات على تعزيز العمل عن بُعد، وتفعيل منصات التعليم الرقمي، وتعزيز التجارة الإلكترونية في مناطق السلطنة.

شريك التنمية
ومن أجل مواصلة مسيرة التطور والنماء، والاستقرار والرخاء، أكد السلطان هيثم بن طارق حرصه على أن تتمتع المرأة العُمانية بحقوقها التي كفلها القانون، وأن تعمل مع الرجل جنباً إلى جنب في مختلف المجالات خدمة لوطنها ومجتمعها، انطلاقاً من أهمية شراكة المواطنين في صناعة حاضر البلاد ومستقبلها، باعتباره دعامة أساسية من دعامات العمل الوطني، وباعتبار المرأة شريكاً أساسياً في التنمية. 
وركز محور المرأة ضمن رؤية عُمان 2040 على توفير البيئة الملائمة لمشاركتها في شتى مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمدنية، بما يعزز وضعها ويمكنها من المشاركة الفاعلة في جهود التنمية الشاملة والمستدامة التي تشهدها السلطنة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©