الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

الإمارات والسعودية.. تؤامة ثقافية

الإمارات والسعودية.. تؤامة ثقافية
23 سبتمبر 2020 03:27

عبد الوهاب العريض (الرياض)

تعتبر العلاقة بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة حالة استثنائية، إذ إن علاقة البلدين أصبحت أكثر قوة ومتانة، من خلال التفاهم المشترك، فيما يخص بناء الإنسان والفرد، وتمثلت العلاقات الثقافية بين البلدين في مستويات عدة، سواء من خلال إقامة العديد من الاتفاقيات والبرامج المشتركة، أو على مستوى التداخل الثقافي بين المؤسسات الجامعة، التي تعمل في هذا السبيل والمبدعين والمثقفين في البلدين، هنا يتحدث مثقفون سعوديون عن الدور الذي تمارسه الثقافة في تعزيز العلاقات بين البلدين.
المستشار والأكاديمي الدكتور محمد المسعودي، ومدير الشؤون الثقافية في السفارة السعودية بالإمارات سابقاً، يتحدث عن تلك العلاقات من خلال تجربته، فيقول: «عند الحديث عن العلاقات الثقافية بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فإن الحديث بالتأكيد سيكون عن منطقة جغرافية واحدة ذات تاريخٍ مشترك وجوانب ثقافية واجتماعية وتعليمية تتقارب وتتقاطع، حتى أخذت هذه الصلات بعداً مشتركاً على مستوى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وكونت كذلك مستوىً ثنائياً خاصاً ومميزاً بين الدولتين ومؤسساتهما الثقافية الرسمية وغير الرسمية».

تماثل وتقارب
يضيف المسعودي: «لا شك أن المحور الثقافي في العلاقة بين الدولتين كان على مر التاريخ الأبرز ظهوراً وتجدداً، حيث شهدت الإمارات تدفق أفواج من العلماء والدعاة والشعراء السعوديين، الذين كانوا يأتون للدعوة وبث العلم بين قبائل المنطقة بدعم من الدولة السعودية الناشئة آنذاك».
ويشير المسعودي إلى «أن مسيرة التعليم اتخذت مظهراً ثقافياً مهماً آخر، بدأت بهجرة طلاب الإمارات إلى السعودية للأخذ منها للتعلم، وعادوا للإسهام بحظ وافر في الحركة التعليمية في الإمارات، كما بادرت المملكة بتأسيس معهدين دراسيين في رأس الخيمة وعجمان تابعين لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، كما منحت السعودية حينها منحاً دراسية لأفواجٍ من الطلاب من دبي ورأس الخيمة وعجمان، ونجد اليوم أن عدد الطلاب السعوديين الدارسين في الجامعات الإماراتية، تضاعف من نحو 90 طالباً وطالبة عام 2002 إلى قرابة 3000 طالب وطالبة في العامين الأخيرين، يدرس معظمهم في جامعات الإمارات وفي تخصصات نوعية مميزة».

تقارب وتماثل
والمتابع لمستوى العلاقة الثقافية، يتابع المسعودي، يجد أن هناك تشابهاً كبيراً وتماثلاً بين المؤسسات الثقافية وخططها بين البلدين، ويعتبر المسعودي ذلك «مظهراً لافتاً من مظاهر التقارب والتماثل في البنية والتفكير الثقافي، سواء على المستوى الرسمي أو الأهلي، وهذا التشابه يؤدي دوراً تكاملياً يمكن النظر إليه بشكل إيجابي، عندما ننظر إلى ما يحققه من أهداف بعيدة عن وجود تنسيق فعلي بين تلك المؤسسات، وهو ليس دوراً محلياً فقط، ولكنه أيضاً دور عربي عام، وأحياناً يتخطى الثقافة العربية إلى ثقافات أخرى».وفي إطار العلاقات الثنائية بين المملكة والإمارات، قال: «هناك تواصل يأخذ أبعاداً غير رسمية ومتعددة في الأنشطة الثقافية المختلفة، فمثقفو البلدين على تواصل دائم في لقاءات مختلفة عبر الملتقيات الثقافية، وهيئات الجوائز والتحكيم، والمؤتمرات، والمهرجانات السينمائية والمسرحية، والمعارض التشكيلية، وخاصةً ما يقام منها في الإمارات تحديداً، والتي تعد بوابات وآفاقاً أساسية للمثقفين والمبدعين السعوديين الذين حققوا فيها حضوراً لافتاً في كثير من هذه المناسبات مثل مسابقتي - أمير الشعراء، وشاعر المليون - وفعاليات دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، وهيئة الشارقة للكتاب، وملتقيات الشارقة للتراث، وملتقى الإمارات للإبداع الخليجي، وليالي مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي، وملتقيات السرد الخليجي».

مشتركات أساسية
المستشار القانوني والكاتب الصحفي أحمد الفاضل، يقول: «من ينظر إلى واقع الوسط الثقافي في بلدان الوطن العربي سيجد أن البلدين وعن جدارة استحقا أن يكونا المناخ الثقافي الأكثر استقطاباً للمبدعين والمثقفين، وهذا ليس بغريب على بلدان كانت الثقافة والمعرفة من لبنات تأسيسها، فحين بدأ المغفور له الملك عبد العزيز مشروعه قام باعتماد شخصيات ثقافية مشهورة من معظم جهات وطننا العربي، ليكونوا مستشارين وعوناً له، وكان وجودهم حوله إعجاباً به أيضاً وبمشروعه، الذي يحقق أحلامهم فالتحقوا به ووضعوا أنفسهم بين يديه». 
وأضاف: «المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، قام بمد جسور التواصل الثقافي مع البلدان حين تأسيسه لدولة الإمارات، واستقطب المؤهلين من بلده وبلدان الوطن العربي للمهام الكبيرة لدولة حولها من إمارات متباعدة في الصحراء إلى دولة فتية غناء يقصدها أغلب سكان العالم في ظرف زمني قصير يشبه المعجزة».  وتحولت جهودهما حسبما يقول الفاضل بعد ذلك إلى «مسيرة لا تنتهي من الأعمال والمبادرات الثقافية يرثها الحاضر من الغائب والصغير من الكبير والطالب من المعلم حتى أصبحت الثقافة مزية من مزايا البلدين». 
ويضيف بأن البلدين تجمعهما «مشتركات أساسية كالدين واللغة والجوار، ولكن هناك مشتركات لها خصوصية عالية، ومع الوقت أصبحت جزءاً من الصورة الذهنية عن البلدين إلا وهي الانفتاح الذهني على ثقافات الشعوب مع المحافظة على الأصالة، والحرص على القيمة العلمية والفكرية في ملف التربية والتعليم، والاهتمام بالشخصيات ذات الوزن الديني والثقافي والفني من داخل بلدانهم ومن خارجها».
هذه الهوية الخاصة والبسيطة – والحديث يعود إلى أحمد الفاضل - أدت بدورها إلى إنجاز وحدة متكاملة ومتجانسة حيوية متطورة بين أفراد المجتمع، واستيعاب التقاطعات والميول والاهتمامات المشتركة المستجدة بين أفراد المجتمع والعمل على تلبيتها، بما يليق باستقرار المجتمع وأفق الحداثة والمضي في تشكيل الطابع القومي والتراث الخاص، الذي يُميّز أبناء المجتمع عن غيرهم مع إعلاء قيمة الكيان الاجتماعي أخلاقياً ودعم تماسكه». 
ويتحدث الفاضل بأن البلدان قاما بترجمة «الثقافة من كتابة وقول إلى فعل ملموس على أرض الواقع، انعكس على سلوكيات المجتمع وأخلاقه، وجعله أكثر انفتاحاً وتقبلاً للمقيمين وأكثر حماساً وتطلعاً لاكتشاف الآخر، حيث وصل عدد الجنسيات التي وفدت للبلدين أكثر من 200 جنسية». 
ويرى الفاضل أن السعودية والإمارات وظفت خيراتها لتنمية المواطنين والمقيمين، مؤمنين بأن التعليم والثقافة ركيزتان أساسيتان في نهضة الشعوب وازدهارها، وأن التنوير أثره باق وثمين، وبوصف الثقافة فعل تنمية، فإنك ستجد أن ما قامت به السعودية والإمارات في السنوات الماضية من مشاريع لا يمكن وصفها إلا بالنقلة النوعية للمنطقة برمتها، فهم الأكثر معارض للكتب والندوات والجوائز والمبادرات. 

تآلف وتجانس
الباحث التاريخي والمستشار الدكتور محمد الشويعر، يقول: التعاون الثقافي بين أي بلدين يجعلهما تتآلفان وتتجانسان بشكل أكبر، وهذا ما يعزز قيمة التقارب بينهما، مضيفاً بأن «الثقافة جزء من هذه المنظومة التي لها دور في نشر موروث كل بلد والتعريف به للآخرين، هذا المجال هو المجال الأجمل والأقرب إلى نفوس الناس، بعيداً عن المجالات الأخرى كالسياسة وغيرها، لأن التعاون عادة يكون مثمراً ومفيداً في هذا المجال، والمملكة ودولة الإمارات العربية المتحدة بينهما تاريخ مشترك في النواحي الاجتماعية والثقافية والرياضية، لذلك خطتا خطوات كبيرة في تعزيز التعاون الثقافي، الذي يساعد على ترسيخ العلاقات الأخوية القوية بينهما، حيث تلعب الثقافة دوراً كبيراً في ترسيخ أواصر المحبة والمودة بين البلدين، فالمملكة سعت إلى تكثيف التبادل الثقافي بينها وبين الإمارات، من خلال مشاركتها في جميع المهرجانات والفعاليات التي تقام على أرض المملكة، مثل معرض الكتاب ومهرجان الجنادرية وسوق عكاظ، وغيرها من الفعاليات التي لها دور في تعزيز الموروث الثقافي بينهما، والإمارات بدورها تستقطب في فترات كثيرة الشعراء والفنانين والمثقفين السعوديين لإقامة الحفلات والأمسيات الشعرية وفتح مجال الحوار الهادف البناء بين البلدين من خلال تلك الفعاليات، وتحرص على مشاركة المملكة في فعاليتها الثقافية، وفتح المجال أمام الجمهور، للتعرف على الموروث الثقافي والشعبي والتشكيلي لهما».

تواصل عميق
الكاتب والشاعر محمد مهاوش الظفيري، قال: «ما يلفت الانتباه في المسار الثقافي الاجتماعي المتداخل أن البلدين يسعيان بخطى حثيثة نحو الاستثمار في بناء الفرد، وتحقيق نضوجه الإنساني والمعرفي، ووفق هذا الاتجاه، فإن الثقافة لها قدم السبق في كل تطور معرفي وفي كل عمل يسعى أصحابه، من خلاله لبناء كينونة الإنسان باعتباره الصانع الحقيقي للحضارة».
ويضيف: «تتبلور هذه العلاقات في كمية الفعاليات والمشروعات والمبادرات، من خلال البرامج الثقافية والفنية والأدبية، التي أبرزت للعيان حجم التطور الذي حققته الحركة الثقافية في السعودية والإمارات على جميع الصعد، مما جعلهما مثار اهتمام القاصي والداني باعتبار الثقافة أهم الروافد التي تقرب المسافات المتباعدة، ولديها القدرة الكامنة على مخاطبة العقول والتحاور معها بلا معوقات».

 



جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©