الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

القراءة وخالد بن محمد بن زايد

القراءة وخالد بن محمد بن زايد
20 سبتمبر 2020 00:59

سعيد محمد النظري *
*مدير عام المؤسسة الاتحادية للشباب 

أكثر القادة تأثيراً هم من يحسنون التعامل مع عاداتهم...  يداومون على كل عادة إيجابية مؤثرة، ويستغنون عن كل عادة سلبية غير مفيدة أو مضرة... وكم أنا محظوظ أنني التقيت بشخصية علمتني أن أعتاد على الأفضل، وألهمتني لاكتسب عادة ترتقي بالحياة، وتغير من نظرتنا إليها... هذه الشخصية هي سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، عضو المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، رئيس مكتب أبوظبي التنفيذي...
ذات مرة وقبيل اجتماع مهم مع سموه، برفقة معالي شما المزروعي حول إحدى المبادرات الشبابية، وجدتها تقرأ وتلخص بعض الكتب حول موضوع الاجتماع، وكأنها تستعد لساعة دراسية في جامعة، ظننتها تريد أن تضيف بعض المراجع لعرضها، ولكن أدركت لاحقاً أنها عادة متعارف عليها بين الذين يجتمعون ويعملون مع سموه، إذ من المعتاد أن يبدأ الاجتماع ليناقش محتوى كتاب مرتبط بموضوع الاجتماع، ومن الطبيعي أن تصبح قاعة الاجتماعات شبيهة بالمجالس العلمية والأدبية التي لطالما قرأنا عنها وعن أثرها في بناء الحضارة، والأدباء والعلماء، فيها حوار راقٍ، ووجهات نظر تثري النقاش، حيث كثيراً ما يفتح سموه كتاباً ما، دوّن ملاحظاته على بعض صفحاته، ويشاركنا سموه باقتراح ما، أو فكرة، أو ملاحظة ويشاركنا تقييماته، وفي هذا أثر عظيم على سير العمل، وتكون مداخلاته جميعها مؤثرة ملهمة، فهي خلاصة ساعات من القراءة والمطالعة، وهو أيضاً يعلمنا أن المسؤولية من شتى درجاتها لا تكتمل إلا بالقراءة، وتحديث المعلومات، والاطلاع على مختلف وجهات النظر.
شعرت من بعد ذلك الاجتماع بأنني متعطش لمثل هذه اللقاءات، وهذا الإلهام، واستمررت في متابعة أنشطة سموه، وسألت عنه الأصدقاء والزملاء، وحضرت كل مناسبة كانت فيها فرصة للقاء سموه... سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان لا يفارقه الكتاب في مجالسه وحله وترحاله، في كل مكان وزمان، هو جليسه، وصاحبه، يحدثنا عنه، ويناقشنا حوله... ويقضي أوقاتاً ممتعة معه... اعتاد سمو الشيخ خالد أن يرافقه الكتاب دائماً، فهو يقرأ قبل الاجتماعات وبعد الاجتماعات، أثناء العمل وبعد ساعات العمل، يقرأ في المكتب، والبيت، وفي المجلس، وأينما ذهب... برغم كل مشاغله، ومسؤولياته، اعتاد على القراءة... وكنت أقول لنفسي: إذا كانت شخصية مثل سموه تجد الوقت للقراءة التي باتت عادته اليومية، فلماذا لا نجد نحن وقتاً للقراءة..! 
نعرف أن الإحصائيات والأرقام تشير إلى أن القراءة والمطالعة تضاعف من فرص نجاحنا، وتعزز قدراتنا على اتخاذ القرارات الصحيحة... لكن الأهم من معرفتنا لهذه الحقائق، أن نطبق ما نعرف، وأن نكتسب عادة القراءة ونكرّسها على جدول أعمالنا... فإن استطاع سمو الشيخ خالد بن محمد، وهو رئيس مكتب أبوظبي التنفيذي، رغم كل انشغالاته، واجتماعاته، ومسؤولياته، أن يخصص وقتاً للقراءة، لابد وأن نستطيع نحن أيضاً أن نجعلها عادة عبر اتخاذ قرار بأولوية القراءة مرة بعد مرة.
خلال رحلتي إلى إحدى العواصم، وجدت أهلها يقرأون ويطالعون في الطائرات، والقطارات والمقاهي والمطاعم في النهار والمساء، فالكتاب رفيقهم، وعادة يومية في حياتهم... عدت من رحلتي تلك وأنا أشعر بالغيرة الشديدة، فغيرنا يقرأ عنا وعن غيرنا الكثير، والبعض منا يستصعب تخصيص ساعة يومياً، أو أكثر للقراءة... وجد الخبراء أن الإنسان يحتاج للاعتياد على ممارسة سلوك ما لثلاثة أسابيع متواصلة، لتصبح عادة يومية فيما بعد، ويحتاج ثلاثة أشهر لتتحول هذه العادة إلى أسلوب حياة، وهذه مدة قصيرة لو قرر كل واحد فينا تخصيصها لعادة القراءة، وهذا ما جربته شخصياً بعد عودتي من تلك الرحلة، حيث حملت الكتاب معي في كل مكان، كتاب في البيت أستمتع به في وقت الفراغ، وآخر في المكتب حول مواضيع مرتبطة بعملي والتزاماتي. كتاب في السيارة أتصفحه وأنا أنتظر صديقاً أو طلباً. كتاب أبدأ به صباحي مع فنجان القهوة. كتاب أختتم به ليلتي، لأنام هادئاً. النتيجة أنني استطعت أن أستمتع بقراءة أربعة كتب خلال ثلاثة أسابيع، وباتت القراءة جزءاً من حياتي، تعيد ترتيب أولوياتي، وتغيّر من نظرتي للحياة وفهمي للأمور، وتقول لي بلسان حروفها إن هناك غيرنا في هذه الحياة، لديهم تجاربهم وحكاياتهم وتطلعاتهم ومعارفهم، قصص الحرب والسلام، الألم والمصاعب، نظريات حول المهارات والسلوكيات، قصة الحياة بكل اختصار، وقد باتت عادة لي، لا أستطيع تركها، ولا هجرها، وهذه تجربة شخصية، تقول الكثير عن قدرة الإنسان على تطويع وقته. 
كم مرة تمنينا أن نكتسب عادة إيجابية جديدة؟ أو نقلع عن عادة سلبية؟ هذه الأمنيات ستتحول إلى واقع بالحرص والممارسة اليومية... تماماً كما تمكن أغلبنا من اكتساب عادات جديدة في وقت قصير من غير تخطيط مسبق خلال جائحة كورونا، من تعقيم مستمر لليدين، والمحافظة على التباعد الصحي، وملازمة البيت خلال المرض.. كلها عادات اكتسبناها خلال فترة هذه الجائحة لتتناسب مع أولوياتنا... وقد يدوم بعضها طوال العمر... فلا بد إذا أن نتمكن معاً من اكتساب عادة القراءة، فهي تتماشى مع كافة أولوياتنا، وباتت ضرورة لتحقيق النجاح والإنجاز على المستويين الفردي والجماعي، فهي رفيقة لكل شعب يريد أن يتصدر الأمم، والجميل اليوم أن بيننا شخصيات مؤثرة وملهمة مثل سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، تشجعنا على اكتساب خير العادات، وتجدد فينا العزم، لنكون على قدر الرهان ولنرتقي بحياتنا، وبأيامنا.. فالقراءة تتسع لكل معاني الرقي؛ لا في مال أو ذهب ولا منصب أو رتبة، بل عبر  رقي أصيل ألا وهو رقي الفكر.
لنتخذ قرار القراءة مرة بعد مرة من غير تكلف، فهذا ما تعنيه العادة. فشعور تدوين تاريخ الانتهاء من قراءة كتاب فيه مزيج من السعادة، والفخر، والرضى عن النفس.. فما أجمل أن نهدي أنفسنا ساعات من القراءة بما فيها تهذيب للنفس وغذاء للروح... وما أجمل هذه العادة، عادة سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد التي ترتقي بالحياة ومعانيها. 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©