الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

دور العلم في تعزيز السلم

حمدان مسلم المزروعي
27 أغسطس 2020 00:41

د. حمدان مسلم المزروعي *

إن من إكرام الله تعالى ومنته على عبده، أن يجعله مفتاحاً للخير، مغلاقاً للشر، ميسراً لا معسراً، مبشراً لا منفراً، مدافعاً عن الإنسان، ساعياً في تحقيق الأمان، مسهماً في تطور العمران، ومسخراً قلمه وفكره في ما ينفع الأوطان.. هذه بعض أوصاف معالي العلامة الشيخ عبد الله بن بيه رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، ورئيس منتدى تعزيز السلم، حفظه الله ورعاه.
لقد جعل هذا الرجل تحقيق الأمان شعاره، ونشر السلم دثاره، فكان بحق ناشر السلم بالعلم، ولم يكن الشيخ، حفظه الله، ليبلغ هذه المنزلة العالية، والمكانة الراقية، لولا ما تضلع فيه من ثقافات السلم كافة، وتعمق فيه من شتى فلسفات السلام، التي أفنى عمره في دراستها وتحليلها، ليصبح بحق راعي مشاريع السلام الفكرية والمؤسس لها، والمؤصل لفروعها الباسقة. وما دام العلم في خدمة السلام، فإنه لا محالة سينمو ويترعرع، ويصفو منبعه، ويشتد عوده، ويؤتي ثماره.
إن دور الشيخ العلامة عبد الله بن بيه، حفظه الله ورعاه، تجلى في تربية الأجيال وطلبة العلم على مبادئ السلم وأسسه، بعيداً عن التيارات المتطرفة، والجماعات المنحرفة، فكانت جهوده ،حفظه الله، فرصة كبيرة للاقتناع بالسلام، والسعي وراء تحقيق الاستقرار للأنام.
لقد ثمن الشيخ عبدالله بن بيه، حفظه الله ورعاه، كل مبادرات السلام التي ترعاها دولة الإمارات العربية المتحدة، بوابة السلام على العالم، والتي كان آخرها وليس الأخير توقيع المعاهدة التاريخية مع دولة إسرائيل برعاية الولايات المتحدة الأميركية، لقد ثمن الشيخ، حفظه الله ورعاه هذه المعاهدة وأصل لها بالأدلة الشرعية الصحيحة من القرآن الكريم، وسيرة سيد المرسلين، وصحابته الأكرمين، ومن تبعهم بإحسان في كل وقت وحين، مقدراً الجهود المباركة التي رعاها نجم الأمان والوئام، وقائد المحبة والسلام في المنطقة بلا منازع، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، سليل الحكمة، وحامل هم الإنسانية، الذي قطع العهد على نفسه ألا يستكين حتى يعم الأمن والأمان والسلام هذا العالم، ويرتاح من الكراهية والطائفية والعنصرية، فكانت هذه الاتفاقية من منجزاته العالمية الكبرى، التي تعد شرفاً عظيماً لوطنه وشعبه والعالم أجمع وهكذا هو السلام، لا يأتي إلا بخير.
إن هذه المبادرة الشجاعة قد حققت وستحقق مصالح ومنافع وفوائد للجميع، وهي تدعم القضية الفلسطينية وتخدمها من كافة النواحي كما أنها مبادرة تشهد لها الفطر السليمة، وتؤيدها المبادئ الإنسانية النبيلة، فهي كما نصت فتوى مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي من الصلاحيات الحصرية للحاكم شرعاً ونظاماً، ولها في الشريعة أمثلة ونماذج عديدة، وفقاً لما تقضيه المصالح والظروف الزمنية.
وهذه المعاهدة الخالدة التي رعاها، صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وأخوه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، هي امتداد لمعاهدات أخرى سبقتها، سواء قبل الإسلام أو في ظله، وهنا نستحضر حلف الفضول، الذي كان رمزاً للقيم والفضائل عند العرب قبل الإسلام، دون أن يكون له أي انتماء ديني، بل انبثق من المشترك الإنساني، المتوافق مع الفطرة، والمنسجم مع الطبيعة البشرية المحبة للسلام، والساعية في تحقيق الأمان. وفي التاريخ الإسلامي كثير من المعاهدات التي تخص بيت المقدس وأرض فلسطين، وعلى رأسها العهدة العمرية الشهيرة، التي أعطى فيها عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أهل إيليا «أمانا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينقص منها ولا من حيزها ولا من صليبهم، ولا شيء من أموالهم ولا يكرهون على دينهم، ولا من يضار أحد منهم».
لقد أدرك الشيخ عبد الله بن بيه الحكمة من تراثنا، وأبصر المقاصد من شرعنا، واستنبط الفقه والأحكام من تبحره في مدونات فقهنا، ما جعله قادراً على صياغة نظرات فقهية تنسجم مع احتياجات الواقع وفرضياته الملحة. فما أحوجنا اليوم إلى علماء أفذاذ كأمثال الشيخ عبد الله بن بيه، ينفي عن العلم تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ويعززه بإرساء السلم في العالمين، واستدرار رحمته للناس أجمعين. وما أحوجنا اليوم إلى إدراك أهمية هذه القوانين الإنسانية الحضارية، التي تنظم المجتمعات البشرية، وتساهم في ازدهارها واستقرارها وتقدمها.
وما أحوجنا إلى استدامة الالتفاف حول قيادتنا الحكيمة كبيرنا وصغيرنا، قائلين: نعاهدكم على السمع والطاعة، فنحن معكم، واثقون في حكمتكم ورؤيتكم، مؤيدين لكل جهودكم، شاكرين أفضالكم وآلاءكم على شعبكم وعلى الإنسانية، فأنتم أعظم نعمة حبانا الله بها، تستوجب منا كثيراً من الشكر والدعاء والثناء، فلله الحمد وله المنة.

*رئيس مجلس أمناء جامعة محمد الخامس أبوظبي

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©