السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

اكتمل البدر في السعديات

اكتمل البدر في السعديات
5 يونيو 2020 02:04

عادت الحياة إلى باريس، وعندما تتنفس باريس يزداد الجمال من حولنا، ولعلها البشارة كما كتب الروائي الروسي دوستويفسكي «الجمال وحده سينقذ العالم».
ازداد الجمال من حولنا نتيجة الشراكة بين دولة الإمارات وفرنسا، والتي أثمرت عن افتتاح متحف اللوفر أبوظبي في نوفمبر 2017، وتذكر الصفحة الرسمية للمتحف «المتحف هو الأول من نوعه في المنطقة، حيث جمع ما بين التقدم الثقافي والانفتاح الذي تعكسه رؤية دولة الإمارات من جهة، والخبرة الفرنسية في عالم الفن والمتاحف من جهة أخرى، بهدف تسليط الضوء على جوهر الإنسانية».
وفي الليلة الكبيرة، في مساء حفل الافتتاح في السعديات، تلك الجزيرة التي زهت وتألقت لتستقبل زوارها الكرام، قال الرئيس ماكرون خلال خطاب الافتتاح:
«إن لوفر الصحراء والأنوار والذي وضعنا معاً هو الإرادة لإطلاق رسالة كونية من هذا المكان يذكرنا أن الجمال شيء كوني مشترك، وأن لوفر الأنوار والصحراء هو رسالة كونية نطلقها معاً ضد كل أشكال الظلامية والانعزال».
هذا المولود الجديد الذي لم يبلغ الثالثة من عمره، والذي يسكن على ضفاف بحر السعديات، في مسكنه الخلاب، لوحة رسمها جان نوفيل فأبدع كعادته، والذي استلهم تصميمها من العمارة العربية والتقاليد الإماراتية، ولا يمر لقاء مع عشاق الثقافة في باريس، إلا وتذكر قبة متحف اللوفر أبوظبي وروعة تصميمها، وهذه القبة الفضية مكونة من ثماني طبقات، ونظراً لضخامتها فهي تبدو وكأنها طافية على المتحف بأسره، أما وزن القبة فهو يعادل وزن برج إيفل في باريس.
بعد الحديث عن القبة يبدأ الحديث عن «شعاع النور»، و«هو ما يحدث عندما مرور ضوء الشمس فوق القبة فتنساب أشعتها من خلال فتحات القبة التي صممت على شكل نجوم لترسم تأثيراً ملهماً داخل المتحف»، ومهما قرأت أو سمعت عن شعاع النور فلن تستطيع أن تتخيل شعورك لحظتها، كن مستعداً فسوف تنبهر.
أما محتوى المتحف تحت قبة السعديات الكبيرة فهو ساحر مثلها، وكنوز تاريخ البشر تحضنها جدران المتحف، لتشكل ملتقى للحضارات تروي فيه قصص من خلد ذكره، بحسب الترتيب الزمني، وهو شيء ينفرد به المتحف، لأن الزائر يسافر إلى زمن معين في تاريخ البشرية ويرى كافة الحضارات في تلك الفترة من الزمن البعيد، فيشاهد ويتعلم كيف كانت تحيا تلك الأمم الفانية، ونلمس ما تركوه لنا من إسهاماتهم التي شاركت في تطور الجنس البشري.
قبل أيام شاركت في لقاء ثقافي افتراضي جمعني بمدير عام متحف اللوفر أبوظبي، مانويل رابات، ومدير العلاقات الخارجية والمسؤول عن ملف التعليم في متحف اللوفر باريس، عادل زين، تحدثنا كيف ازدادت الزيارات الافتراضية للمتاحف خلال فترة الحجر، وأصبحت ملاذاً آمناً من صخب النت فليكس وضوضاء تويتر.
عندما تفتح أبوابها قريباً ستعود المتاحف لتحكي قصص من سبقونا من خلال فنونهم، سيأتي الزوار وهم شغوفون لرؤية هذه التحف التي لا تقدر بثمن. وسينصت الزوار إلى شرح المرشدين في المتاحف أكثر من أي وقت مضى، لأن الذين قبعوا في بيوتهم في كل أرجاء الأرض لشهور تبدو أطول بكثير من عدد أيامها، سيصبحون أكثر تآلفاً مع أبناء جنسهم، حتى وإن تباعدت الأمتار بين أجسادهم.
والمتاحف بدأت تنوع في زوارها وتستقطب شرائح مجتمعية مختلفة، وللأطفال حظ وفير في برامج هذه المتاحف، وكلا المتحفين في أبوظبي وباريس ينظمان زيارات وبرامج للأطفال واليافعين، وقبل حصار كورونا أخبرني ابني عبدالله وهو الآن في بداية مرحلة المراهقة بأنه ينفر من حصة التاريخ ويصف دروسها بالمملة، فنظرت إلى كتاب التاريخ المقرر لصفه وكان يتضمن قانون حمورابي، فقلت له دعنا نذهب لنشاهد تمثال حمورابي في متحف اللوفر في باريس.
وقفنا على بعد متر من الملك «الإله» حمورابي، وأخبرت ابني بأن حمورابي كان بابلياً وبابل الآن هي في أرض العراق، وحينما رأى بنفسه التمثال والحجر الذي نقش فيه أول قانون بشري مكتوب منذ أكثر من 1700 عام قبل ميلاد المسيح عليه السلام، لم يعد ينفر من حصة التاريخ.
ليس من باب المبالغة إن قلنا إن متحف اللوفر في باريس، والذي تحول نتيجة للثورة الفرنسية سنة 1789 من قصر للملك إلى متحف، هو على قمة أعظم المتاحف في العصر الحديث، ويضم قرابة 38,000 قطعة فنية وأثرية، ويزوره سنوياً قرابة 10 ملايين زائر، هو حقاً جوهرة التاج في الثقافة الفرنسية.
ولأن التاريخ أمانة كبرى، يحرص الخبراء في مجال المتاحف مثل عادل زين ومانويل رابات، على التذكير دائماً بأن التطور البشري ليس حكراً على حضارة واحدة دون غيرها، بل إن ما وصل إليه الإنسان اليوم هو التسلسل الطبيعي لتطور حياة الإنسان عبر حضارات متتالية.
سر نجاح الشراكة الإماراتية الفرنسية سببه في المقام الأول أن كل شريك كسب ثقة شريكه من البداية، والشكر لله والفضل لمن وضعوا اللبنة الأولى، تلك الأيادي المباركة للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان طيب الله ثراه والرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك، واليوم متى ما كنت تقود سيارتك متجهاً إلى اللوفر أبوظبي، فسوف تسلك طريقاً يسمى شارع جاك شيراك، تكريماً وتخليداً للدور الذي قام به الرئيس شيراك في بناء العلاقة بين البلدين.
متحف اللوفر أبوظبي هو مثال على نجاح التعاون الثقافي بين الشعوب، وهي شراكة اتفقت فيها الأهداف المدفوعة بإرادة صلبة، وقودها الإصرار والتفاؤل وحرص على دقة التنفيذ من قبل فريق عمل مشترك من كلا البلدين، وعندما توفرت كل هذه العوامل ولد متحف اللوفر أبوظبي مكتملاً كالبدر.

* سفير الدولة في فرنسا

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©