الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

العلماء: التكافل مطلوب في «زمن كورونا»

العلماء: التكافل مطلوب في «زمن كورونا»
3 مايو 2020 02:19

إبراهيم سليم (أبوظبي)

أكد عدد من العلماء أن المرحلة الراهنة وفي ظل التحديات التي نواجهها بسبب انتشار فيروس «كورونا المستجد»، تتطلب الإنفاق وفعل الخير، مع الحفاظ على الإجراءات المعتمدة من الحكومة، خاصة أن هذه الأزمة عطلت مصالح الكثيرين من العباد من مختلف العقائد، وأن التصدق والإحسان هذا وقتهما ولا يوجد ما يمنعهما مع توافر العديد من المؤسسات الحكومية كصندوق الزكاة، والهلال الأحمر، والجمعيات الخيرية المعتمدة والمعترف بها، وأن إكرام الإنسان لأخيه الإنسان من أعظم القربات، ولا يوجد حجة أو عائق أمام المحسنين، وأكدوا أن التكافل بين الناس مطلوب في «زمن كورونا»، وعلى القادرين أن يجعلوا الفقراء قبلتهم في رمضان.
وقال الدكتور سيف الجابري أستاذ الثقافة والمجتمع في الجامعة الكندية: «أقبل علينا نحن معاشر المسلمين رمضان المبارك، وهو شهر تفتح فيه أبواب الرحمة ويزاد فيه من رزق المؤمن وتقوى أواصر الإخاء بين المسلمين، ولا يغير هذه المشاعر، ولا يعيق المسلم من فعل الخير، ولا يمنعه عن التقرب إلى الله تعالى مانع، مهما كان حجمه، وبلغ شأنه، فطرق الخير مفتوحة، وتخفيف العبادات وقت الشدة له نفس أجر وقت الرخاء، فهذه الصلاة لم يمنعها السفر وخففت إلى ركعتين، وكذلك الصيام يقضى بعد رمضان للمسافر المترخص، والحج يقبل مدى العمر في وقت اليسر، لا تعسير ولا تعنت ولا مشقة، وعموماً فمعالم التيسير واضحة في شريعتنا الغراء، تشمل كل أحوال المسلم وعبادته ومعاملاته. 
وأضاف: بفضل الله تعالى فإن في بلاد المسلمين ومنها دولة الإمارات المباركة هيئات وجمعيات خيرية تنوب عن الأغنياء وأهل الخير والفضلاء في الوصول إلى المستحقين والفقراء فتصل زكاتهم بكل يسر وسهولة إلى مستحقيها، ويأمن الغني وصول صدقته إلى يد الفقير، ويستريح الفقير من ذل السؤال بوصول حقه من الزكاة إليه، وهذه الجمعيات والهيئات بحمد الله تعالى لديها لجان فتوى ورقابة توجبه بأخذ الأموال وصرفها حسب أصول الشريعة وقواعد الفقه، وهذا فضل عظيم ومنة كبرى يجزي الله القائمين عليها خير الجزاء.
وتابع: ويضاف إلى ذلك ما تقوم به الدولة من رقابة شديدة على القائمين على تلك المؤسسات والهيئات فإن الحقوق لا حياء فيها، والرقابة جزء مكين من ديينا الحنيف، فقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم من رجل أخذ هدية من المزكي، وردها إلى مال الزكاة. 

حافز للمؤسسات 
وأكد الجابري، أنه في ظل الأزمة الراهنة وما يجتاح العالم من وباء نرى ضرورة الاستعانة بهذه المؤسسات للتصرف في الزكوات، وإيصالها إلى مستحقيها الذين هم كُثُر في هذه الأيام بسبب بطء عجلة الاقتصاد العالمي، فإن تفعيل دور الزكاة وإظهار أثرها وأهميتها وخاصة ضمن المؤسسات الرسمية يعطي حافزاً لتلك المؤسسات لأداء دورها الاجتماعي، وتحمل مسؤليتها أمام الله والمجتمع والدولة. 
وقال: ومن جانب آخر فإن صلة الأرحام وتعزيز أواصر العلاقات الاجتماعية لا ينقطع ثوابه بسبب العوائق الشرعية، ويعذر الناس شرعاً من أداء واجبهم تجاه أهليهم بسبب الأمراض وخاصة المعدية منها، فحماية البيت من الشرور والآثام واجب، ووقاية الأسرة مسؤولية رب البيت، فهو المسؤول أمام الله تعالى والمجتمع من أي تقصير أو تهاون قد يؤدي إلى تعرض عائلته إلى أي أذى، أو وتضررها بمرض معدٍ، كما أنه مسؤول عن نقل الضرر إلى غيره من الناس إذا كان مريضاً أو أحد أفراد أسرته، فإن القاعدة الشرعية قاضية بـ«لا ضرر ولا ضرار». 
وأضاف: فلذا ندعوا أحباءنا وأهلنا إلى الالتزام بقواعد الشرع في حال البلاء والأمراض والفتن، وترك مظاهر التجمعات والتخلي عن بعض العادات والتقاليد الاجتماعية من ترك الزيارات وتبادل الهدايا والهبات إلا ضمن التوجيهات الطبية والالتزام بتعليمات جهات الاختصاص للحفاظ على أمننا الصحي ولنحمِ أبناءنا ومَن نعز من أبائنا وكبارنا من الوباء والمرض والمشقة.

قيـود التدابيــر
قال فضيلة الشيخ إبراهيم الخليل البخاري رئيس جامعة معدن الثقافة الإسلامية بالهند أمين عام جماعة مسلمي كيرالا بالهند: أهل علينا الموسم الرمضاني في هذا العام، ونحن محجوزون في قيود التدابير الوقائية لكبح تفشي «كورونا» وفي فترة نحاول فيها قدر ما في وسعنا لتطبيق الإجراءات الاحترازية لمواجهة هذا الوباء القاتل من خلال المحافظة على التباعد الاجتماعي والانعزال الجسدي، ورغم أن هناك صعوبات بالغة وعوائق حاجزة لاستقبال هذا الشهر الفضيل واستثمارها بالطاعات والخيرات حق الاستثمار في ظل انتشار «كورونا المستجد» والظروف الناتجة لاحتوائها لكن هناك أيضاً إيجابيات يمكن للمؤمن استغلالها في هذه الأجواء الاستثنائية.
وأضاف: ومن العلماء من يرون أفضلية الانعزال والانفراد لأداء العبادات إذا كان ذلك النوع من الأداء محفزاً على ازدياد الخشوع والتقوى مع الخالق عز وجل، كما أنهم مجمعون على أولوية العزلة إذا ساد في المجتمع الفتن والمهلكات، والظروف الراهنة رغم قساوتها تعطينا فرصة للاقتراب من ربنا عزوجل وإخلاص النية في الأعمال والتباعد عن شوائب النفاق والرياء والسمعة التي غالباً ما تنشأ في الإنسان من العشرة والمخالطة مع بني جنسه.
وتابع البخاري: وشهر رمضان موسم يجهزنا فيه للتكيف مع ظروف قاسية من خلال الصيام ومقاومة الجوع والشهوات ويعطينا دروساً تطبيقية لتحمل المشاق والمعاناة، كما يتيح فرصة للاطلاع على مرارة المعاناة التي يتكبدها كثير من حوله من الجوع والعطش، فرمضان الفضيل تجربة ميدانية لتكييف نفسه مع الأحداث الاستثنائية.
وأشار إلى أن «رمضان» شهر الجود والكرم وقد حثنا فيه النبي صلى الله عليه وسلم على زيادة الأعمال الخيرية والإنسانية وكرم النفس ومساعدة المحتاجين والمساكين، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان أجود بالخير من الريح المرسلة، وما أحوجنا بزرع هذه الأخلاق السامية في نفوسنا في الظروف التي نمر بها من أزمة الفيروسات.

«كـورونا» ومرجعيات المسلـم
 أكد الدكتور محمد جودات الأستاذ في جامعة محمد الخامس بأبوظبي: إن المسلمين -أفراداً ومؤسسات- لا يتخلون عن مرجعيتهم في ظروف النكبات، بل إنهم يستحضرونها بقوة، كما أن المسلمين في كل الكوارث يُفعلون استراتيجيات من صميم الانتماء لهذا الدين العظيم ذكراً وتوجهاً لله تعالى بالصيام والصلاة والإنفاق الذي يدفع البلاء، وفي سياق اتباع أهل العلم والأمر، والأخذ بالأسباب في الوقاية والعلاج أيضاً.
وقال: قلب هذا الوباء حسابات العالم وأربكها في زمن التفاوت العلمي والقوى «العظمى»، ودفعت هذه الجائحة العالم أجمع إلى إعادة النظر في كل أولوياته، بل غير وجه وأحيانا مبادئ كثير من الدول، كما صار التحدي كبيراً يكشف الضعف والتفاوت والحكمة أيضاً، والفرد في كل العالم وفي كل المستويات كان أمام تموقف واختيار للتعامل مع ضرورات الخضوع للإكراهات العالمية وتنفيذ مستلزماتها. وكان لزاماً على كل منتمٍ لهذا العالم أن يرجع لذاكراته وخصوصياته وثقافته ومرجعياته أياً كان نوعها: احتماء ودعماً ومصالحة مع الواقع وبحثاً عن ملاذ نفسي وروحي أيضاً.
وأوضح، أن للمسلم في كل حال الرجوع إلى مرجعيته الإسلامية الأخلاقية والروحية، وقد عرف التاريخ الإسلامي والعالمي نكبات مثل نكبة 1348م، كتب عنها التاريخ وسجلت خسائر في الأرواح ذهبت بما يقرب نصف سكان القاهرة ودمشق وإيطاليا ولندن وبرشلونة وألمانيا وهولندا.
وذكر عنها ابن بطوطة في «تحفة النظار في غريب الأمصار وعجائب الأسفار» نصاً يحسن الاستشهاد به في هذا الباب، حيث يذكر أنه كان شاهد عيان في الطاعون الذي وصل دمشق في زمنه وكان يذهب بحياة ألفين من الناس يومياً، حيث يقول: «شاهدت أيام الطاعون الأعظم بدمشق في أواخر ربيع الثاني سنة 749 هـ... وأن نائب السلطان أرغون شاه أمر منادياً ينادي في دمشق، أن يصوم الناس ثلاثة أيام متوالية، كان آخرها يوم الخميس، ثم اجتمع الأمراء والشرفاء والقضاة والفقهاء وسائر الطبقات في الجامع، حتى غص بهم، وباتوا ليلة الجمعة ما بين مصل وذاكر وداع، ثم صلوا الصبح وخرجوا جميعاً على أقدامهم وبأيديهم المصاحف، والأمراء حفاة، وخرج جميع أهل البلد ذكوراً وإناثاً، صغاراً وكباراً، وخرج اليهود بتوراتهم والنصاري بإنجيلهم، ومعهم النساء والولدان، وجميعهم باكون متضرعون إلى الله بكتبهم وأنبيائهم... وأقاموا في تضرعهم إلى قرب الزوال وعادوا إلى البلد وصلوا الجمعة». 
وقال الدكتور محمد جودات: «يستفاد من هذا أن المسلمين في كل الكوارث يُفعلون استراتيجيات من صميم الانتماء لهذا الدين العظيم ذكراً وتوجهاً لله تعالى بالصيام والصلاة والإنفاق الذي يدفع البلاء، وفي سياق اتباع أهل العلم والأمر، والأخذ بالأسباب في الوقاية والعلاج أيضاً»، ويستفاد أيضاً أن المجتمع بكليته يتوجه للخالق تعالى بكل مكوناته الدينية رغم اختلافها.
وأكد أن الإسلام يملك من الميكانيزمات الاجتهادية ما يتكيف مع كل العصور وكل الأزمات، وما أكثرها في التاريخ الإسلامي المنير برزانته وقوة تفكير علمائه، وهذا من صميم الرسالة المحمدية التي جاءت رحمة للعالمين، فراعت سياق التلقي وأحوال الناس؛ وكانت مجالاً لاجتهاد مفتوح عبر الاجيال والحقب والعصور. الشيء الذي يتفهمه المسلم بالخضوع لفتاوى الأئمة المختصين والذين يسميهم الشرع موقعين عن رب العالمين.
وأضاف: قال ابن القيم بعد أن ذكر أن الفتوى تختلف باختلاف الزمان والمكان والعوائد والأحوال، ما نصه: «هذا فصل عظيم النفع جداً، وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة، أوجب من الحرج والمشقة، وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به، فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلّها، ورحمة كلّها، ومصالح كلّها، وحكمة كلّها» (إعلام الموقعين 3/‏‏14).

 

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©