الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الدورتان السنويتان» والحلول الصينية للعالم

«الدورتان السنويتان» والحلول الصينية للعالم
9 مارس 2023 00:15

حسين إسماعيل

في الخامس من هذا الشهر، مارس 2023، افتتحت في بكين الدورة الأولى للمجلس الوطني الرابع عشر لنواب الشعب الصيني، وفي اليوم السابق افتتحت الدورة الأولى للمجلس الوطني الرابع عشر للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، وهو الحدث الذي يعرف اختصاراً بـ«الدورتين»، حيث يتم تحديد أهداف التنمية الاجتماعية والاقتصادية للعام، بما في ذلك النمو المستهدف للناتج المحلي الإجمالي للبلاد والخطط والسياسات المتعلقة بالاقتصاد والجيش والتجارة والدبلوماسية والبيئة، إلخ. 
يأتي انعقاد «الدورتين» هذا العام بعد أن أعلنت الصين في السادس والعشرين من ديسمبر 2022 تعديل إجراءات الاستجابة لكوفيد- 19، واعتباراً من الثامن من يناير 2023، خفضت الصين مستوى إدارة المرض من الفئة «أ» إلى الفئة «ب»، وفقاً لقانون البلاد بشأن الوقاية من الأمراض المعدية وعلاجها. ومع استمرار وميض علامات التحذير من ركود الاقتصاد العالمي، لا سيما في بعض الاقتصادات المتقدمة، فإن إرهاصات انتعاش ثاني أكبر اقتصاد في العالم في الربع الأول من العام هي إشارات إيجابية للعالم أجمع. فالمؤشرات المُشجعة، من عائدات السياحة إلى مؤشر مديري المشتريات في بداية العام، تعزز التوقعات بتعافي الاقتصاد الصيني بوتيرة أسرع من المتوقع والتفاؤل بشأن النمو العالمي، حيث أظهر الاقتصاد الصيني مرونته وبدأ في الانطلاق مجدداً على الصُعد كافة. وحسب مقالة للرئيس شي جين بينغ، نشرتها مجلة ((تشيوشي)) التابعة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في السادس عشر من فبراير، فإن ثمة العديد من المهام في العمل الاقتصادي للصين خلال 2023. المقالة التي حملت عنوان «العديد من القضايا الرئيسية في العمل الاقتصادي الحالي»، أكدت على بذل الجهود في خمسة مجالات، هي: توسيع الطلب المحلي؛ تسريع بناء نظام صناعي حديث؛ العمل بثبات لتطوير القطاع المملوك للدولة ودعم القطاع غير المملوك للدولة؛ تعزيز الاستثمار الأجنبي، ونزع فتيل المخاطر الاقتصادية والمالية الكبرى. ودعت المقالة إلى إعطاء الأولوية لاستعادة وتوسيع الاستهلاك، ورفع الاستثمار الاجتماعي العام من خلال الاستثمار والسياسات الحكومية، وتحقيق الاستقرار في الصادرات إلى البلدان المتقدمة وتوسيع الصادرات إلى اقتصادات السوق الناشئة. وقبيل انعقاد «الدورتين»، توقعت العديد من المؤسسات الصينية والعالمية وتيرة نمو أسرع للاقتصاد الصيني في عام 2023. وعلى سبيل المثال، قال صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير عن آفاق الاقتصاد العالمي، إنه من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الصيني بنسبة 5.2% على أساس سنوي في عام 2023، بزيادة 0.8 نقطة مئوية عن توقعاته في أكتوبر 2022. ورفعت مؤسسة مورغان ستانلي توقعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي للصين هذا العام إلى 5.7%، بينما كان الرقم السابق 5.4%. 
إن التوقعات المتفائلة لهذه المؤسسات الدولية بشأن الاقتصاد الصيني، تعكس الثقة الدولية المتزايدة في الانتعاش الاقتصادي للصين على خلفية الديناميكية التي ظهرت خلال عطلة عيد الربيع الصيني هذا العام. ومع تحول الصين تدريجياً من نمط النمو التقليدي الذي يقوده الاستثمار إلى نمو يشمل الاستثمار والاستهلاك، يتوقع الخبراء أن يلعب الطلب المحلي دوراً أكبر في دفع النمو الاقتصادي. وعلى وجه الخصوص، يُعلّق الاقتصاديون آمالهم على تعافي الاستهلاك هذا العام مع استعادة الاقتصاد لقوته. وفي ظل زيادة الدخل والسياسات الداعمة للاستهلاك، سوف يزيد الاستهلاك في الصين بنسبة ملحوظة. وبالإضافة إلى الإنفاق الاستهلاكي، هناك بعض نقاط النمو الجديدة في الاقتصاد الرقمي والبنية التحتية، فهناك فرص استثمارية جديدة في ترميم وإصلاح البنية التحتية والشبكات في المناطق الريفية، والتحديث الرقمي للطرق والسكك الحديدية والموانئ وغيرها من مشروعات البنية التحتية الواسعة النطاق، فضلا عن تطوير قوة الحوسبة، والتي من شأنها أن تولد طاقة جديدة. وفي الوقت نفسه، فإن الأولوية الأخرى للتنمية الاقتصادية في الصين هذا العام هي توسيع التجارة الخارجية والاستثمار الأجنبي. 
من جانب آخر، وبينما دخلت الأزمة الأوكرانية عامها الثاني، بكل تداعياتها السلبية على مختلف دول العالم، أصدرت الصين في الرابع والعشرين من فبراير، ورقة توضح موقفها من التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية. في هذه الورقة، تقترح الصين حلا للأزمة يعالج كلا من الأعراض والأسباب الجذرية، مؤكدة أن الحوار والتفاوض هما الحل الوحيد القابل للتطبيق إزاء هذه الأزمة. وذكرت الورقة أن على المجتمع الدولي أن يبقى ملتزما بالنهج الصحيح المتمثل في تعزيز محادثات السلام، وأن يساعد أطراف النزاع على فتح الباب أمام تسوية سياسية في أسرع وقت ممكن، ويخلق الظروف اللازمة لاستئناف التفاوض ويبني المنصات لهذا الغرض، مضيفة أن الصين ستواصل لعب دور بناء في هذا الصدد. ودعت الورقة جميع الأطراف إلى التحلي بالعقلانية وضبط النفس، وتجنب تأجيج النار ومفاقمة التوترات، ومنع الأزمة من التدهور بشكل أكبر أو حتى الخروج عن نطاق السيطرة. وأضافت أن على جميع الأطراف دعم روسيا وأوكرانيا للعمل في الاتجاه ذاته واستئناف الحوار المباشر في أسرع وقت ممكن، من أجل تخفيف حدة تصعيد الموقف تدريجياً والتوصل في نهاية المطاف إلى وقف شامل لإطلاق النار. وأشارت الورقة إلى ضرورة تشجيع ودعم جميع التدابير التي تفضي إلى تخفيف الأزمة الإنسانية، وضرورة أن تعمل جميع أطراف النزاع على تجنب شن هجمات على المدنيين أو المرافق المدنية، وحماية النساء والأطفال وضحايا الصراع الآخرين، واحترام الحقوق الأساسية لأسرى الحرب. وأكدت الورقة معارضة الصين الهجمات المسلحة ضد محطات الطاقة النووية أو غيرها من المنشآت النووية السلمية، مشيرة إلى ضرورة معارضة التهديد بالأسلحة النووية أو استخدامها، ومنع الانتشار النووي وتجنب حدوث أزمة نووية. 
إن انعقاد «الدورتين» يحمل رسائل متنوعة للداخل الصيني وللعالم؛ الرسالة الأولى هي أن عام 2023 عام حاسم للصين، التي تدخل مرحلة جديدة بعد إعادة فتح الاقتصاد وعودة الحياة إلى طبيعتها بشكل كامل، وذلك بفضل القيادة القوية للحزب الشيوعي الصيني والجهود الكبيرة التي بذلها الشعب الصيني؛ الرسالة الثانية هي التأكيد مرة أخرى على مزايا منظومة حكم وإدارة الصين، والتي أتثبت نجاعتها في التعاطي مع الأزمات، بل وتحويل المحنة إلى منحة؛ الرسالة الثالثة، هي أن الصين ماضية في طريقها لا تعوقها محاولات التشويش التي تأتي من هنا أو هناك، فالتوجهات الاقتصادية والرؤى والمواقف الصينية على صعيد السياستين الداخلية والخارجية، تؤكد كلها أن الصين متمسكة بنهجها ورؤيتها للنظام الدولي السياسي والاقتصادي، وأنها تؤمن بالمصير المشترك للبشرية. 
لقد تعرضت الصين، ومازالت تتعرض، لحملة سياسية وإعلامية ممنهجة من قوى معينة في الغرب تحاول إعاقة مسيرة الصين. إن تنديد الإدارة الأمريكية بالصين قد تصاعد إلى مستوى حرب رأي تقريباً. ستواصل واشنطن مهاجمة بكين مستخدمة ذرائع شتى، وتعلم واشنطن أن الشعب الصيني لن يصدقها، ومع ذلك فإنها ستظل تُشوه الصين طالما أنها تستطيع خداع بعض الناس في الغرب وكسب الأصوات. وستظل مهمة الصين على المدى الطويل هي استخدام الحقائق الثابتة والأدلة العلمية والأخلاقية لفضح الحيل الأمريكية. إنه اختبار طويل وشامل للصين للتصدي لمحاولة التشويه الأمريكية؛ الرسالة الرابعة، هي أن العالم ينظر بتقدير واحترام كبيرين للصين. ولعل تحليل مضمون ما تنشره وسائل الإعلام في الدول العربية حول الصين، وبخاصة منذ انعقاد القمة الصينية- العربية الأولى في الرياض في ديسمبر 2022، يكشف عن مدى ما تحظى به بكين من مكانة متصاعدة وتقدير متزايد.
تؤمن الصين بأن التنمية تحمل المفتاح لحل العديد من مشكلات العالم المستعصية، ولهذا فإنها تدفع التعاون الخاص بمبادرة «الحزام والطريق» قدما، واقترحت مبادرة التنمية العالمية لتوسيع الإجماع العالمي بشأن بناء عالم أفضل للجميع. وحسب توقعات البنك الدولي، إذا تم تنفيذ جميع مشروعات البنية التحتية للنقل في إطار مبادرة «الحزام والطريق»، ستحقق المبادرة 1.6 تريليون دولار أمريكي من الإيرادات العالمية سنويا حتى عام 2030، وسيكون نصيب البلدان الشريكة من هذه الإيرادات نحو 90%. الصين تقدم الحلول لعالم مضطرب. 

.. نائب رئيس تحرير الطبعة العربية لمجلة «الصين اليوم»

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©