أسماء الحسيني، عبدالله أبوضيف (الخرطوم، القاهرة)
أفادت مصادر مطلعة بأن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وقَّعا، مساء أمس، على اتفاق مبادئ أولي في جدة. ونقلت تقارير إخبارية عن المصادر أن الجيش السوداني والدعم السريع، أكدا في «إعلان جدة»، التزامهما بسيادة السودان ووحدته.
يأتي ذلك فيما هزت الاشتباكات منطقة الحلفايا، أحد مداخل العاصمة، في ساعة مبكرة من صباح أمس، وإن بدا القتال أهدأ مما كان عليه أمس الأول.
وحض مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، في جنيف، على العمل لحل هذه الأزمة بكل الوسائل الممكنة. وأضر القتال بالنظام المصرفي، وأبطأ الواردات والصادرات، كما أدى إلى نقص الوقود والسلع الرئيسية في الخرطوم. وقال وزير المالية جبريل إبراهيم، أمس، إنه يحاول حل المشكلة. وأضاف جبريل: «تأكدنا أن كل الإشكالات البسيطة الموجودة قابلة للحلول هنا في بورتسودان»، وتعهد بعودة انسياب حركة السلع بصورة طبيعية.
وتمثل المحادثات في مدينة جدة السعودية أكثر الجهود جدية حتى الآن لوقف القتال، وقال وسطاء أميركيون أمس الأول، إنهم «يشعرون بتفاؤل حذر». وتركز محادثات جدة على إعلان وقف لإطلاق النار، والحصول على ضمانات لتأمين وصول المساعدات الإنسانية في بلد كان 16 مليوناً من سكانه يعتمدون بالفعل على المساعدات قبل نشوب القتال.
وانتُهكت اتفاقات سابقة لوقف إطلاق النار مراراً، ليواجه المدنيون ظروفاً صعبة طغت عليها الفوضى، مع انقطاع الكهرباء والمياه ونقص الطعام وانهيار النظام الصحي.
وقالت منظمة الصحة العالمية إن أكثر من 600 شخص قُتلوا في السودان، وأُصيب أكثر من خمسة آلاف جراء القتال. وأفادت وزارة الصحة بأن 450 على الأقل لقوا حتفهم في منطقة دارفور الغربية.
وفر كثيرون من الخرطوم ودارفور، وتسبب القتال في نزوح 700 ألف داخل البلاد، ولجوء 150 ألفاً إلى الدول المجاورة، وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة.
من جهته، أكد عطية عبدالله عطية، سكرتير نقابة أطباء السودانية، أن العمليات العسكرية تتوسع وتزداد في أنحاء مختلفة من السودان، وأن الوضع الإنساني يتدهور بسرعة كبيرة، وقال، في تصريحات لـ«الاتحاد»: «إن الهدن بشكلها الحالي لا تخدم الوضع الإنساني لملايين السودانيين».
وأوضح عطية «أن 67% من المستشفيات المتاخمة لمناطق الاشتباكات توقفت عن الخدمة، وأنه من أصل 88 مستشفى أساسية في العاصمة الخرطوم والولايات يوجد 59 مستشفى متوقفة عن الخدمة، و29 مستشفى تعمل بشكل كامل أو جزئي، بعضها يقدم خدمة إسعافات أولية فقط، وهي مهددة كذلك بالإغلاق بسبب نقص الكوادر الطبية والإمدادات الطبية والتيار المائي والكهربائي».
وتابع: «إن جميع المرافق الصحية في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور أصبحت خارج الخدمة، بعد أن تم الاعتداء عليها ونهبها ونهب المخزن المركزي للدواء ونهب سكن الأطباء ومكتب الهلال الأحمر ومركز الكلى الوحيد في المدينة».
من جهته، أكد أحمد المنظري، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، أن تقديم الرعاية الصحية في السودان أصبح أمراً بالغ الصعوبة، وفي الخرطوم يعمل أقل من 20 في المئة من المرافق الصحية بكامل طاقتها، و60 في المئة منها لا تعمل على الإطلاق، ويعوق انعدام الأمن المرضى والعاملين الصحيين من الوصول إلى المستشفيات.
وأضاف، في تصريحات لـ«الاتحاد»، أن الإمدادات الطبية معرضة لأن تنضب قريباً، وتتعرض المرافق الصحية والعاملون للخطر، ومع ذلك يظهرون شجاعة هائلة، للاستجابة للاحتياجات المتزايدة.
وأضاف المنظري أن المنظمة أطلقت نداء لتمويل خطة الاستجابة الإنسانية من أجل الصحة بقيمة 141.6 مليون دولار، ولكن تم تمويلها بنسبة 9.2% فقط، ونسعى إلى الحصول على 1.7 مليار دولار لمساعدة 12.5 مليون شخص، ولكن لم يتم تمويلها إلا بنسبة 14%، لاحتواء المخاطر المتوقعة على الصحة.
وأشار إلى أنه عقب الإنذار الأولي بشأن احتلال المختبر الوطني للصحة العمومية، أجرت منظمة الصحة العالمية تقييماً متعمقاً للمخاطر في ضوء المعلومات المتاحة، والشاغل الرئيسي أن المختبر لا يستطيع أداء دوره الحيوي في تشخيص الأمراض بسبب نقص الموظفين واحتلال المرفق ونقص الكهرباء لتشغيل معداته.
وحذر من أن المخاطر لا تزال كبيرة على الصحة في السودان بسبب العنف المستمر والاضطرابات الكبيرة في الرعاية الصحية والهجمات المتكررة على النظام الصحي وضعف الوصول إلى المياه النظيفة والغذاء، إضافة إلى عبء الاضطرابات النفسية التي تصيب الأطفال وصغار السن جراء العنف.
وقال إنه في الوقت الحاضر لا تستطيع المنظمة تنفيذ حملة التطعيم المقررة بسبب الأحداث الجارية، فقد توقفت الجولة الثانية من الحملة حتى يسمح الوضع على الأرض بالتنفيذ، كما تم تعطيل التطعيم الروتيني في بعض الولايات.
وقال إنه في الفترة الراهنة الحاجة ملحة للحصول على تصريح هبوط لجسر جوي لمنظمة الصحة العالمية من دبي مع إمدادات الطوارئ الطبية التي كانت جاهزة للشحن لأيام عدة، وضرورة تسريع الإجراءات الحدودية والجمركية لتخليص جميع السلع الإنسانية التي تصل إلى بورتسودان، حتى يمكن إرسالها بسرعة إلى الداخل لتلبية الاحتياجات الصحية والإنسانية العاجلة.
وأوصى المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية بضمان سلامة بورتسودان كمركز ونقطة عبور للمرور الآمن للسلع الإنسانية والعاملين فيها إلى وجهات أخرى في السودان، بما في ذلك الخرطوم، ورسو السفن المحملة بالإمدادات الرئيسية الناشئة، والتي يجب إرسالها بسرعة إلى المواقع داخل السودان لتلبية الاحتياجات الصحية والإنسانية العاجلة، وإنشاء جسور جوية.
وقال المنظري إنه بمجرد تصاعد النزاع، وزعت المنظمة إمدادات إضافية من المخزونات في الخرطوم (المخزنة في الصندوق الوطني للإمدادات الطبية التابع للحكومة)، وتبذل كل الجهود الممكنة لمواصلة دعم الشعب السوداني وإنقاذ الأرواح.
وأشار إلى أن المنظمة تعمل بنشاط لضمان إيصال الإمدادات الطبية المطلوبة للمرافق الصحية حتى يتمكن العاملون الذين دربتهم المنظمة على التعامل مع الإصابات الجماعية والرعاية الطارئة من استخدامها لعلاج الناس وإنقاذ الأرواح.
وقال إن منظمة الصحة العالمية باقية وتقدم مهامها، وستحصل على المزيد من الدعم، ولكن ما يمكننا القيام به في المناطق الساخنة يعتمد على ضمانات من أطراف النزاع للوصول الآمن والمجال الإنساني.