دينا محمود (لندن)
تُوِجَ تشارلز الثالث، أمس، ملكاً لبريطانيا، في مراسم احتفالية متنوعة، لم تشهدها المملكة المتحدة، منذ تتويج والدته الراحلة إليزابيث الثانية، قبل سبعين عاماً، وذلك في مستهل فعاليات تستمر ثلاثة أيام.
وشَكَّلَ حفل التتويج الذي أُقيم في كنيسة «وستمنستر آبي» بحضور نحو 2200 مدعو من 203 من دول العالم، بينهم عدد من القادة ورؤساء البُلدان والحكومات، ذروة المراسم التي بدأت في العاشرة صباحاً بتوقيت غرينتش، بموكب مهيب، ضم الملك تشارلز وقرينته الملكة كاميلا، وأقلهما من قصر باكنجهام، إلى الصرح الديني العتيق الذي شهد من قبل وضع التاج على رؤوس عشرات من ملوك إنجلترا، وذلك وسط حشود اصطفت على جانبي الطريق.
واتسمت مراسم الحفل الذي تسلم فيه الملك تشارلز رموزاً ملكية وتُوِّجَ أيضا بتاج «القديس إدوارد»، وأدى خلاله ما يُعرف بـ «قسم الولاء» بطابع أكثر بساطة من نظيرتها التي أُجريت للملكة إليزابيث الثانية في عام 1953، إذ حرص منظموها على أن يكون من بين حضورها هذه المرة، ممثلون لأديان مختلفة، وجمعيات خيرية، وكذلك فائزون بجائزة نوبل.
وضع التاج
وببطء، وضع جاستن ويلبي كبير أساقفة كانتربري تاج سانت إدوارد المصنوع قبل 360 عاماً على رأس الملك تحت أنظار نحو 100 من رؤساء الدول وكبار الشخصيات، ومنهم السيدة الأميركية الأولى جيل بايدن، فضلاً عن ملايين المتابعين عبر شاشات التلفزيون.
وتولى تشارلز حكم بريطانيا خلفاً لوالدته الملكة إليزابيث عقب وفاتها في سبتمبر، وأصبح في سن الرابعة والسبعين أكبر ملك بريطاني يضع على رأسه ذلك التاج، ويجلس على كرسي العرش الذي يعود إلى القرن الرابع عشر في كنيسة وستمنستر، كما تضمنت المراسم تتويج زوجته كاميلا.
وفيما المراسم تضرب بجذورها في التاريخ، فإن القائمين عليها قدموا صورة لنظام ملكي وأمة يتطلعان إلى المستقبل.
وتُوج تشارلز على غرار 40 من أسلافه في كنيسة وستمنستر التي شهدت جميع مراسم التتويج بالبلاد منذ ويليام الفاتح في عام 1066، وهذه هي المرة الثانية فقط التي تُبث فيها المراسم عبر التلفزيون.
وتجري المراسم على نطاق أصغر من تلك التي أقيمت لتتويج الملكة الراحلة إليزابيث في عام 1953، لكنها كانت مبهرة، حيث ضمت مجموعة من الرموز التاريخية من كرات ذهبية، وسيوف مرصعة بالجواهر إلى صولجان يحمل أكبر قطعة ألماس مقطوعة وعديمة اللون في العالم.
واصطف المئات من الجنود بزيهم القرمزي وقبعاتهم السوداء العالية على امتداد طريق ذا مول، وهو الشارع الواسع المؤدي إلى قصر بكنغهام، حيث احتشد عشرات الآلاف لمتابعة الحدث متجاهلين المطر الخفيف.
رموز ملكية
وداخل الكنيسة التي تزينت بالورود والأعلام، جلس ساسة وممثلون عن دول الكومنولث إلى جانب عاملين في الجمعيات الخيرية ومشاهير من بينهم الممثلات إيما تومسون وماغي سميث وجودي دنش والمغنية الأميركية كاتي بيري.
من بين المراسم التي شهدتها الكنيسة أداء نشيد «الكاهن الصادق» لهاندل كما جرت العادة في كل حفل تتويج منذ عام 1727.
وكانت هناك عناصر جديدة، مثل نشيد من تأليف أندرو لويدويبر المشهور بعروضه في مسارح وست إند وبرودواي بالإضافة إلى جوقة إنجيلية.
وأقيم قداس وسيلقي زعماء دينيون تحية «غير مسبوقة» في النهاية، فيما تولى حفيد الملك تشارلز الثالث الأمير جورج وأحفاد كاميلا دور الوصفاء.
وبدت الجدية على وجه الملك وهو يؤدي اليمين ليحكم بالعدل ويدعم كنيسة إنجلترا التي يتولى منصب رئيسها الفخري قبل الجزء الأكثر قداسة من المراسم عندما مسح رئيس أساقفة كانتربري على يديه ورأسه وصدره بالزيت المقدس الذي تمت مباركته في القدس.
وبعد تقديم رموز ملكية لتشارلز، وضع ويلبي تاج سانت إدوارد على رأسه وسط ترديد الحضور «حفظ الله الملك».
وبعد انتهاء حفل التتويج الذي تضمن مراسم تعود إلى أكثر من ألف عام وتابعه الملايين على شاشات التليفزيون بجانب من احتشدوا أمام شاشات عملاقة نُصِبَت في الكثير من الساحات العامة في المملكة المتحدة، عاد الملك والملكة وعلى رأسيهما تاجاهما إلى قصر باكنجهام، في «موكب التتويج» على متن «العربة الملكية الذهبية» التي يعود عمرها إلى 260 عاماً، وسط آلاف من عناصر الجيش بملابس احتفالية، جنباً إلى جنب مع عشرات الآلاف من الأشخاص.
وأمام حشود مماثلة، أطل الملك تشارلز والملكة كاميلا، بصحبة عدد من أبرز أفراد الأسرة المالكة، على رأسهم ولي العهد الأمير ويليام وقرينته كيت، من الشرفة الشهيرة لقصر باكنجهام، لتحية المتجمعين أمام القصر، ومتابعة عرض جوي لسلاح الجو الملكي البريطاني.
أزياء تاريخية
وارتدى أفراد العائلة المالكة مجموعة من الملابس زاهية الألوان، في حفل تتويج تشارلز الثالث، وتنوعت بداية من الأردية التقليدية إلى الحلي الأنيقة على الرأس، لتمتلئ كنيسة وستمنستر في لندن بمزيج من الألوان والتصاميم.
ووصل الملك إلى الكنيسة بالزي المخملي الرسمي الذي ارتداه جده الملك جورج السادس في حفل تتويجه عام 1937، والذي يتكون من سترة قرمزية ومن فوقها معطف من الحرير كريمي اللون مع سروال ملكي باللون الأزرق القاتم.
وغير ملابسه بعد ذلك إلى الزي الرسمي الذي ارتداه أسلافه عند تتويجهم، والمؤلف من رداء حريري طويل وحزام سيف التتويج، وفوقهما عباءة من القماش الذهبي، صنعت في الأصل لتتويج جورج الرابع في عام 1821 وهي أقدم زي في المراسم.
وارتدى في يده اليمنى قفازا أبيض من الجلد مطرزاً عند الرسغ بخيوط ذهبية.
وتوج تشارلز بتاج سانت إدوارد التاريخي الذي استخدم منذ تتويج الملك تشارلز الثاني عام 1661.
وارتدت الملكة كاميلا الرداء الرسمي الذي صُنع في الأصل لترتديه الملكة الراحلة إليزابيث في حفل تتويجها عام 1953، فوق ثوب باللون العاجي مزين بتطريز على شكل زهور باللونين الفضي والذهبي لمصمم الأزياء البريطاني بروس أولدفيلد.
وغادر كلاهما الكنيسة في ثوب رسمي أرجواني. وارتدى تشارلز الزي الذي ارتداه جورج السادس، بينما صممت المدرسة الملكية للتطريز ثوب كاميلا والذي تميز بتطريزه المستوحى من الطبيعة.
وقال قصر بكنجهام «للمرة الأولى، تظهر حشرات من بينها النحل والفراشات وخنفساء ودودة على زي التويج، وهي مستمدة من موضوعات عن الطبيعة والبيئة وتعكس حب جلالتهما لعالم الطبيعة».
كما ظهر وليام وكاثرين أمير وأميرة ويلز برداءين رسميين فوق ملابسهما، وارتدى وريث العرش الزي الرسمي للحرس الويلزي، بينما توجت زوجته رأسها بحلية على شكل أوراق الفضية وكريستالية.