عدد اليوم
نسرين درزي (أبوظبي)
بيت محمد بن خليفة ضمن قائمة «اليونسكو» لمواقع التراث العالمي في مدينة العين، والذي أُعيد افتتاحه في أبريل الماضي، يُعد معلماً مهمّاً في تاريخ أبوظبي المعاصر، ويمثِّل بأركانه أنموذجاً مميَّزاً يجمع بين العمارة التقليدية مع مواد وتقنيات البناء الحديث، التي شهدتها دولة الإمارات خلال الخمسينيات والستينيات، ليكون بذلك رمزاً يعكس تغيّر نمط حياة المجتمع وتطوّره.
البيت العريق الذي بدأت أعمال ترميمه عام 2016، شُيِّد عام 1958 للمغفور له الشيخ محمد بن خليفة آل نهيان (1909 - 1979)، وهو والد حرم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيَّب الله ثراه، وجدّ صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله.
وكان ذلك خلال الفترة الانتقالية التي شهدتها المنطقة بين ثلاثينيات وستينيات القرن العشرين، حين برزت الأساليب المعمارية الهجينة نتيجة لانتعاش اقتصاد البلاد بعد اكتشاف النفط.
طابع محلي
على الرغم من طابعه المحلي الأقرب إلى تصاميم المساكن العادية، والمختلف عن القلاع التقليدية التي كانت تُستخدم مقرّاً لقادة القبائل، حافظ «البيت» على التقاليد العريقة المتمثِّلة في فتح قائد القبيلة أبوابه أمام أفراد المجتمع، ولطالما كان بيت محمد بن خليفة مصدراً قيِّماً للتعرّف على المفاهيم الاجتماعية والتاريخية والمعمارية، التي شهدتها الدولة مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين.
طوب أسمنتي
عن الخصائص المعمارية التي تُميِّز بيت محمد بن خليفة، أوضح لـ «الاتحاد» عقيل أحمد عقيل مدير ترميم المباني التاريخية في دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، أن التغيير في فنون التشييد ظهر مع استيراد الإمارات للأسمنت في الخمسينيات، موضحاً أنه في تلك الفترة بدأ استخدام الطوب الأسمنتي كبديل للمواد المتداولة قديماً مثل الطابوق الطيني والجبس والأحجار الطبيعية.
أضاف: الإبقاء على التصاميم التقليدية لشكل البناء يُعرف بالأساليب المعمارية الهجينة، التي دمجت في ذلك الزمن بين طريقة التشييد المتوارثة، والتقنيات المستجدّة بما توافق مع تطورات مواد البناء.
نوافذ
وأورد عقيل، أن البارز في بيت محمد بن خليفة، بعده كليّاً عن مفهوم القلعة الذي كان سائداً قبل تلك الحقبة، ومع انتشار الأمان لم يكن من الضروري أن يتوافر «البيت» على ظروف الحماية، فاتخذ الشكل العصري، حتى إن جدرانه خرجت عن النمط السائد ولم تأت سميكة. أما نوافذه، فقد شُيِّدت على ارتفاع منخفض لتوفير التهوية والإنارة، بما يتناسب مع استخدامات أهله، الذين كانوا يفترشون الأرض في جلساتهم على الحصير، ودخلت عليها اللمسات الحديثة من خلال الهيكل الحديدي المصبوغ بالأخضر، مع الزجاج الملوّن على شكل مربعات.
60 عاماً
بالدخول إلى بيت محمد بن خليفة والتجوّل في أركانه، لا بد من التوقّف مليّاً عند المعرض الدائم، الذي يقدِّم لمحة عامة عن تاريخ هذا البناء العريق. ويتمحور حول مواقع التراث العالمي في مدينة العين خلال الفترة الانتقالية، حيث يطّلع الزوار على قصة «البيت» وتطوّره، ويكتشفون التغيرات التي طرأت على المنطقة المحيطة به على مدار الـ 60 عاماً الماضية.
وتستعرض التجربة التفاعلية «حياة الشيخ محمد بن خليفة»، مقدِّمة عن حياة الشيخ محمد وسيرته، وتكريماً له، باعتباره فرداً بارزاً من عائلة آل نهيان.
البستنة
وبالتوغّل أكثر في المعرض المجاني، يمكن استكشاف نبذة عن الحياة اليومية للشيخ محمد بن خليفة، والتعرّف أكثر إلى اهتماماته والهوايات التي مارسها مثل البستنة وإدارة مزارع النخيل والصقّارة. كما تُسرَد في الموقع مجموعة من القصص التي يرويها كبار المواطنين من سكان العين، والتي تدور حول حياتهم وأعمالهم في المنطقة على مدى عقود من الزمن.
مساحات
أُعيد تأهيل بيت محمد بن خليفة لاستخدامه كمركز مجتمعي، ويتضمّن مساحات متفرِّقة لقاعات تُتاح لإقامة الدورات التعليمية وورش العمل والفعاليات، وفيه:
* قاعة 1: تمتد على مساحة 86 متراً مربعاً، وتستوعب حتى 50 شخصاً. ويمكن فتح سقفها لتصبح شرفة على السطح.
* قاعة 2: تمتد على مساحة 55 متراً مربعاً، وتستوعب 15 شخصاً.
* قاعة 3: تمتد على مساحة 19 متراً مربعاً، وتستوعب 12 شخصاً.
* قاعة 4: تمتد على مساحة 24 متراً مربعاً، وتستوعب 15 شخصاً.
* قاعة الاجتماعات: تمتد على مساحة 20 متراً مربعاً، وتستوعب 12 شخصاً.
* الفناء (الكورتيارد): منطقة رحبة ومفتوحة تتوسط الموقع، ويُمكن استخدامها للفعاليات الكبيرة، تمتد على مساحة 1500 متر مربع، وتستوعب 250 شخصاً.
* خدمات: يمتد ركن المأكولات والمشروبات على مساحة 100 متر مربع، مساحة خدمات التجزئة 45 متراً مربعاً، ومساحة المكاتب 68 متراً مربعاً.
فنون إبداعية
من خلال مساحته الفنيّة الجديدة، يقدّم بيت محمد بن خليفة ورش عمل إبداعية ملهمة لكافة الأعمار بالتعاون مع مركز «رفلكت» للفنون الإبداعية، والذي تأسس في أبوظبي عام 2017، ويُعنى بتمكين المجتمع لممارسة باقة من الهوايات.
ويوفِّر «رفلكت» للطلبة على اختلاف مهاراتهم، دروساً جماعية وأخرى فردية عبر الإنترنت، وفعاليات مخصّصة للشركات، تغطّي الفنون التشكيلية، فنون الأداء، فنون الطهي والحرف اليدوية وسواها.
أجواء عصرية
يوفر «نوتس كافيه» داخل بيت محمد بن خليفة فسحة مميزة تجمع بين الأجواء العصرية والعفوية والمحليّة، وفيه مخبز صغير، وبعد افتتاح المقهى بمفهوم متفرِّد لتقديم القهوة عام 2016، تحوَّل إلى سلسلة شعبية متعددة المواقع في إمارة أبوظبي.
الموقع
يقع بيت محمد بن خليفة في منطقة المعترض بمدينة العين، شارع زايد بن سلطان، بالقرب من المواقع الثقافية في قلعة الجاهلي وواحة العين.
الباب
يضم «البيت» 16 غرفة في الطابق الأرضي و10 غرف في الطابق العلوي، إضافة إلى البهو والفناءات الداخلية، وبعد ترميمه تم الإبقاء على بابه الخشبي الأصلي وأرضيات الأسمنت والرخام.
مواقيت
يفتح «البيت» أبوابه يومياً أمام الزوار، من السبت إلى الخميس من الساعة 10:00 صباحاً - 8:00 مساءً، ويوم الجمعة من الساعة 2:00 ظهراً - 10:00 ليلاً.
إرث
اليوم، وبعد جهود صيانته، يستأنف بيت محمد بن خليفة إرثه لكونه مركزاً حيويّاً يرحِّب بالسكان والزوار للغوص في هذه المساحة المجتمعية التاريخية.
ترميم
فكرة مشروع ترميم «البيت»، بدأت بمرحلتها الأولى عام 2012، مع تجهيز بيانات التاريخ الشفهي لأشخاص سكنوا فيه، والتحقيقات الإنشائية والدراسات الأثرية، لتنطلق مرحلة الترميم الفعلية من عام 2016 حتى مارس عام 2021.
موسيقى
المعرض الدائم يُتيح فرصة الاستماع إلى أعمال موسيقية مختلفة لفنانين اشتهروا في زمن تشييد «البيت»، مثل الشاعرة الإماراتية عوشة السويدي الملقّبة بـ «فتاة العرب»، المغنّي الإماراتي علي بن روغة، وأم كلثوم.
