الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

دور الإبداع في الحياة الخاصة والعامة

دور الإبداع في الحياة الخاصة والعامة
1 يونيو 2021 00:05

بقلم مايا أليسون، المدير التنفيذي لرواق الفن في جامعة نيويورك أبوظبي وبيل براغين، المدير الفني التنفيذي في مركز الفنون.

 

من الصعب دراسة أهمية الفن في حياة الإنسان دون البحث المعمّق في تأثير الأشكال الفنية على الإنسان منذ الطفولة. تشير الأبحاث إلى أن الأطفال يتأثرون بالتعبير الفني منذ عمر مبكر، حيث أن تعلّم الحبو على سجادة تحمل أشكالاً هندسية وألواناً مختلفة يساعد على تطور الدماغ، وتحفز عملية التعليم وتعلّم الرسم والرقص والعزف على آلة موسيقية نمو الجانبين الأيمن والأيسر للدماغ، وهذا بدوره يساعد على تطوير التفكير الإبداعي المعقد.

وترتبط الفنون بجميع الجوانب الإنسانية، مثل التعبير عن الذات والفرح والألم والجمال؛ وحتى المجالات التي تعد في المجتمعات المعاصرة نشاطات ترفيهية بحتة، غالباً ما تعود بالعديد من المنافع على هذه المجتمعات. وتتسم الفنون الأدائية بصورة عامة بالعمل المشترك والتعاون، حيث تبني أساس العمل الجماعي، وتقدم دروساً قيّمة في ديناميكيات العمل في المكتب ومع الفريق، إلى جانب تطوير الأفكار ونمذجة أشكال مختلفة للريادة.

كما توفر الفنون إطار عملٍ يتناول القضايا التي يواجهها العالم ويفتح أبواب الحوار مع الآخرين، إضافةً إلى تحفيز الشعور بالتعاطف ودفع الأفراد إلى تقبّل التغيير. ويقدم الفن منظوراً مختلفاً لرؤية العالم، وهذا ما يشير إليه أستاذ الدراسات الثقافية كريس إنغراهام في كتابه Gestures of Concern، حيث يمكن للفن ابتكار بيئة مناسبة للتغيير الإيجابي في الحياة العامة. ويتسم الفن، وحتى التجريدي وغير السياسي منه، بقدرته على تغيير تصوّر الفرد، ما يقوده إلى الانفتاح على أفكار وعواطف جديدة ولو بشكلٍ جزئي. وخلاصة القول، لا يمكن للتغيير أن يتم دون مساهمة الفن.

الجانب الاقتصادي

لا تقتصر أهمية الفن على مفاهيم التنمية الذاتية والسعي للعيش في مجتمع أفضل فحسب، بل تتعداها إلى المساهمة في تحقيق النمو الاقتصادي.

ويؤذن حلول الثورة الصناعية الرابعة ببدء مرحلة جديدة كلياً من التغيير السريع، لا تزل ملامحها وتأثيراتها على أنماط العمل والاستقرار الوظيفي غير واضحة. ويخطو الذكاء الاصطناعي خطى سريعة في مجال تغيير واستبدال الوظائف كما نعرفها، فيما يغفل التعليم بعض الاعتبارات الأساسية بسبب التركيز الكبير على مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.

فعلى سبيل المثال، يُعد الذكاء الاصطناعي مكوناً أساسياً لبناء المستقبل، وسيتطلب مشاركة أفراد مبدعين لبرمجة الخوارزميات، وآخرين يتميزون بمستويات عالية من الإدراك والأخلاق لاستخدامه بالسبل المثلى. وفي خضم عالم تتداخل تفاصيله، لا بد أن يشكل التفكير الإبداعي جزءاً من النقاشات التي تتناول مختلف جوانب الحياة بما في ذلك التعليم. ويساهم تذوّق الفن وإبداعه والتفاعل معه في تطوير مرونة الحركة الإبداعية التي تعدّ شرطاً أساسياً لمواكبة طبيعة العمل سريعة التغير التي تحملها لنا السنوات القادمة.

دور الفن في المجتمع

تتطلع الإمارات العربية المتحدة إلى تنمية المجتمع والاقتصاد في المستقبل، حيث أطلقت دبي مؤخراً استراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي بهدف مضاعفة مساهمة القطاع الإبداعي في الناتج المحلي الإجمالي لإمارة دبي ليصل إلى 5% من اقتصاد الإمارة بحلول عام 2025.

وجاءت هذه الخطوة لتسلط الضوء على الأهمية القصوى للفنون في رسم ملامح مسيرة التنمية في الإمارات، التي تتميز بتركيبة مجتمعية متنوعة تضم جنسيات من جميع أنحاء العالم، ما يُبرز دور الفن في إنشاء أرضية ثقافية وتاريخية مشتركة وبناء ذاكرة جماعية موحدة.

ويقودنا هذا إلى الدور المهم الذي تلعبه الجامعات في هذا المجال، وهي التي تشكّل القلب النابض لمجتمعاتنا، حيث يمكن لمجتمع الجامعة بمن فيه من الموظفين وأعضاء الهيئة التدريسية والطلاب المساهمة في تنشيط الوسط المحيط، سواء كان حياً أو مدينة أو منطقة بأكملها. كما تتيح المؤسسات الثقافية العامة في الجامعة تفعيل الحوار البنّاء والهادف بين الجامعات والمجتمعات المحلية.

وتُعنى الجامعات بالتنمية الفكرية والإبداعية في المجتمعات، وتؤمّن بيئةً مناسبة للاختبار والمعرفة، ما يتيح للأفراد اكتشاف ملَكاتهم والانضمام إلى مجتمعٍ متوافق في طبيعة التفكير. وبهذه الطريقة تدعم الجامعة التنمية المستدامة داخل حرمها الجامعي وخارجه.

ويشكّل احتفال جامعة نيويورك أبوظبي بالذكرى السنوية العاشرة على تأسيسها، مناسبةً للتمعن في جهودنا المبذولة لتشجيع الفن والحوارات التي تتناول معناه وقيمته في الإمارات والعالم، حيث تبنّى المجتمع الإماراتي شعار مركز الفنون القائم على تعزيز الفضول وتحفيز الإلهام، والذي يمثّل دعوةً لاستكشاف عوالم جديدة والانخراط بحواراتٍ قيّمة. ويستضيف رواق الفن الفنانين والمؤرخين المحليين والعالميين في حواراتٍ بنّاءة، ويقدم مطبوعات تروي قصص الفن وتاريخه. وأطلقت جامعة نيويورك أبوظبي هذا العام أول برنامج ماجستير في الفنون الجميلة في الإمارات تعزيزاً لمكانة أبوظبي كمركز للتواصل الثقافي عبر الفن، بالإضافة إلى افتتاح المركز العربي لدراسة الفن، والذي يعتمد الفن أداةً لكتابة تاريخ المنطقة من الألف إلى الياء.

وبتضافر جهودنا، سيتبلور دور الإمارات كوجهة للإنتاج الثقافي الهادف، وليس مجرد مركز لاستقطاب الفنانين. وفي هذا الصدد، نخطط لمواصلة الاستثمار في تنمية المجتمع الإبداعي المحلي، ومساعدة الفنانين على تقديم ما تفرزه الاتجاهات الفنية المتعددة في الإمارات في المحافل الدولية.

الخلاصة

انطلاقاً مما تقدم، تبرز أهمية الفن كحاجةٍ للشعوب، وليس مجرد رفاهية، وهو ما أشار إليه الموسيقار الدكتور غازي المليفي، الأستاذ في جامعة نيويورك أبوظبي والمتخصص في تطبيقات الموسيقى العرقية وعازف الجيتار وقائد فرقة بوم ديوان، عبر التأكيد على مكانة الموسيقى التاريخية كوسيلة أساسية للبقاء في الخليج. فقد لعب النهام (المغنّي) في الماضي دوراً أساسياً في رحلات الغوص للبحث عن اللؤلؤ، إذ استخدم الموسيقى لطلب المساعدة وتوفير الإلهام والحافز ومنح شعورٍ غامر بالسكينة للطاقم.

وساهمت الفنون مساهمةً كبيرة في الحفاظ على شكلٍ من التواصل مع الآخرين خلال أزمة كوفيد-19؛ حيث أشارت العديد من الدراسات إلى العلاقة الوثيقة بين الفنون والصحة النفسية.

وفي هذا الإطار، نستذكر عرض مسرح العرائس بعنوان واي تشيب آرت، الذي سلط الضوء على فكرة أساسية تؤكد أهمية الفن كغذاء للروح وجوهر للحياة.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©