سعد عبد الراضي (أبوظبي)
عندما تجالسه لن تشعر فقط بأنك في حضرة مثقف كبير يرتدي عباءته الأكاديمية، ولكنك ستدخل دون إذن إلى عوالم من الألق الإنساني والفكري الممزوج بثقافة واسعة، إنه الباحث والناقد والمترجم الدكتور خليل الشيخ، الذي يمتلك سيرة حافلة ومضيئة ومتنوعة في العمل الثقافي، تجلت في أكثر من 30 دراسة محكمة، بالإضافة إلى العديد من الكتب النقدية والمقارنة من بينها: «باريس في الأدب العربي» و«السيرة والمتخيّل» و«دوائر المقارنة»، إضافة إلى ترجمته إلى «العربية» مجموعة كبيرة من الأعمال النقدية والإبداعية، مثل: «يوميات فرانتس كافكا» وكتب بوبر يوهانزن «أوروبا والشرق من منظور واحد من الليبراليين المصريين» وفلوريان لانجن شايدت «معجم المتفائلين» وإنجو شولتسه «رواية آدم وإيفلين» وكتاب غوستاف سايبت «غوته ونابليون»، وكتاب ميشائيل مار «الحجرة الزرقاء الدامية: توماس مان وعقدة الذنب»، وغيرها كثير.
«الاتحاد» التقت الدكتور خليل الشيخ وسألته في البداية عن علاقته بالإمارات، فقال: تعود علاقتي بالإمارات إلى لحظة مهمة في مسيرتي الثقافية التي بدأت عند اختياري عضواً في الهيئة العلمية لجائزة الشيخ زايد للكتاب، وأضاف: كانت الجائزة وكتبها واختياراتها مدخلي للعلاقة مع هذا البلد الجميل. وكلما كنت أجيء إلى أبوظبي، كنت أكتشف مناحي التقدم في بلد يصدر عن وعي بالحاضر وبالمستقبل.
ويتابع د. خليل الشيخ: ثم قدّر لي أن أعرف هذه التجربة من قرب يوم شرعت مع الدكتور علي بن تميم في الكتابة عن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، «سيرة التحول والنهوض»، وكان اقترابي من سيرة هذا القائد التاريخي، بمثابة خريطة طريق للعلاقة مع التاريخ والمستقبل. وبعد عملي في أبوظبي صارت الوقائع التي كنت أقرأ عنها حقيقة أراها رأي العين.
«أبوظبي للغة العربية»
وعن «مركز أبوظبي للغة العربية»، يقــول د. الشيخ، الذي يتولى فيه إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية: يشهد المركز حركة نشطة وصناعة ثقافية تجيء تجسيداً لاستراتيجية أبوظبي في الوقوف إلى جانب «العربية»، لتكون لغة علم وتفكير وإبداع. ويؤكد أن العمل في المركز يجمع بين المتعة والجدية والإنتاج. والفضل في هذا كله يعود إلى الدكتور علي بن تميم الذي يشرف ويتابع ويعرف تفصيلات العمل المعرفي الذي لا يتوقف.
اكتشاف عوالم جديدة
تعود علاقة د. الشيخ باللغة إلى الطفولة، إذ يؤمن بأن اللغة هي مفتاح المعرفة. وعن بدايات رحلته التكوينية، يقول: أتذكر أنّ ثلاثة عوامل أسهمت في جذبي إلى عالم الأدب، تمثل العامل الأول في قصص الأديب المصري كامل كيلاني (-1959)، فقد كانت تلك القصص تمتاز بصورها الجميلة وعربيتها السلسة وخيالها الساحر. أما العامل الثاني، فكان الغناء الشعبي، فقد احتل الزجل والحداء مساحة كبرى في القرية التي ولدت فيها. وقد لفتني منذ الطفولة إيقاع الغناء وما فيه من ارتجال وجناس وطباق، وزاد هذا من عشقي للشعر الذي كنت أحفظه عن ظهر قلب دون مجهود يذكر، وساهم في منحي أذناً موسيقية. أما العامل الثالث الذي أثر في تكوينه فهو عثوره في نهايات المرحلة الإعدادية على مجلدات لمجلة «العربي» في مكتبة أحد أقربائه فشرع في قراءتها. وقادته إلى اكتشاف عوالم جديدة.
من الأردن إلى ألمانيا
حصل خليل الشيخ على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، وعن سر توجهه نحو الأدب العالمي يقول: كنت أسعى بعد حصولي على الماجستير عام 1980، وتعييني في الجامعة الأردنية، للظفر بمنحة تمكنني من الذهاب إلى الغرب للحصول على الدكتوراه. وجاء ذهابي إلى ألمانيا مصادفة عندما فزت بمنحة للحصول على الدكتوراه من المؤسسة الأكاديمية الألمانية للتبادل الثقافي في ثمانينيات القرن الماضي، وقد ذهبت إلى هناك في أكتوبر 1981 مبعوثاً من جامعة اليرموك.
الثقافة والعولمة
وبالنظر إلى انشغاله بآداب عربية وغير عربية، يؤكد أن العولمة هي عملية التفاعل الثقافي بين الحضارات المختلفة، وما ينتج عن ذلك من تأثير ثقافي وسياسي واقتصادي. وهي تشير إلى توحد العالم بتوحد المؤثرات الثقافية أو الحضارية، نتيجة الثورة في عالم الاتصالات، وانتقال المؤثرات من بلد إلى آخر بسرعة لم يسبق لها مثيل، وفي سياقها تبلورت إشكالية الهوية.
النقد العربي الحديث
وعن النقد العربي الحديث، يقول د.خليل الشيخ: النقد العربي ليس ناقلاً للمفاهيم والنظريات الغربية، فهذا القول اتهمت به الفلسفة العربية التي وصفت بأنها يونانية بحروف عربية. فالنظريات النقدية الحديثة ليست من صنع الغرب وحده، حيث أسهم كثيرون من الشرق والغرب في صناعتها، فقد أضاف إدوارد سعيد وإيهاب حسن ومصطفى صفوان وإعجاز أحمد إلى النظرية النقدية، وهم من أصول عربية وشرقية، كما أضاف إليها نقاد آخرون يتوزعون على قارات العالم.
الجوائز ودعم المبدعين
وسألناه عن الجوائز ودورها في دعم تعزيز المشهد الثقافي العربي، فقال: من الطبيعي أن يكون للجوائز دور في دعم المبدعين والمفكرين، وفي اكتشاف الطاقات الإبداعية الجديدة، وأن يتنافس الأدباء للحصول عليها. ومن المهم في هذا السياق أن أشير إلى ضرورة أن تتحلى الجوائز بالشفافية في إجراءاتها، وبالموضوعية في أحكامها، وأن تهدف إلى البحث عن المبدعين المتميزين والمفكرين والباحثين لتقدير عطائهم وإلقاء أضواء كاشفة على تلك الإبداعات.