الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

د. عبد الله الغذامي يكتب: هل هي خدعة ثقافية؟

د. عبد الله الغذامي يكتب: هل هي خدعة ثقافية؟
20 فبراير 2021 00:01

من أشد الأمثلة رواجاً بين الناس المثل الذي يقول: جنت على أهلها براقش، والبعض يحرفه فيقول: جنت على نفسها، والصواب هو جنت على أهلها، وقصته كما رواها الميداني في معجم الأمثال أن لصوصاً كانوا يجوبون الصحراء بحثاً عن شيء يسرقونه، وبينما هم يسيرون وسط الظلمات إذا بكلبة تنبح لأنها شمت روائح الغرباء، ونباحها جعل اللصوص يعرفون بوجود أهل نزلٍ هناك، فهجموا عليهم وسرقوا ما عندهم ومضوا غانمين، ولم يك لهم أن ينالوا شيئاً بسبب غطاء الظلام، لو لم تنبح الكلبة التي كان اسمها براقش، مما جعل المثل ينطق عن جناية براقش على أهلها، والطريف أن المثل يحظى بقبول مطلق دون تبصر بمعانيه التي لا تتفق مع مراد استخداماته، فوظيفة الكلبة الأساسية هي أن تنبح لكي تنبه أهلها على أي طارئ يطرأ في غفلة منهم، وينتهي دورها عند هذا الحد الذي هو وظيفتها الحقيقية وهو الغرض من وجودها في المكان، أي أنها حارسة أمينة بوظيفة محددة، ولكن التقصير وقع عند أهلها الذين لم يترجموا التنبيه إلى عمل للتصدي للصوص، وقد تم تلبيس العجز على الكلبة براقش، بينما هي قد أتقنت عملها، في حين قصر أهلها، ولكن الثقافة تجاهلت تقصير الأهل ونسبت الخطأ لمن لم تخطئ، وتقبلنا نحن لهذا المثل وترديده في وصف أي حالة تشابه حالة براقش مع أهلها، يعود إلى حس بشري يجنح لإحالة الأخطاء لغير مرتكبها الحقيقي وإلصاقها بمن يعجز عن الدفاع عن نفسه، وهذا لتبرئة المقصر الحقيقي، وكل أحوال السلوك البشري اليومي تترجمها مأساة براقش التي تصرفت كما يجب، والمقصر غيرها.
وهذه خدعة ثقافية تماثل الخدع الثقافية التي يمهر البشر في اختراعها لتزكية الذات واتهام الغير، وهو نسق ثقافي يكرر نفسه بصيغ متنوعة ويستعيد مناسباته، ومن بين هذه المناسبات جاء هذا المثل ليكون قولاً جاهزاً لتمرير قصص الحياة والسلوكيات في غفلة عن النقد والمساءلة. وهذه ثقافة العجز عبر نظريات المؤامرة التي تنسب أخطاء الذات لغيرها من باب تطهير النفس وتبرئتها من التقصير، كما حدث لأهل براقش الذين تحملت الكلبة تقصيرهم وظلت تتحمل تقصير كل مقصرٍ عاجز.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©