الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

زافون.. ساحر «مقبرة الكتب المنسية»

زافون.. ساحر «مقبرة الكتب المنسية»
25 يونيو 2020 00:14

فقدت إسبانيا في الجمعة الماضي 19 يونيو، أشهر كُتابها المعاصرين في العالم، والأكثر مقروئية منذ ثربانتس صاحب (الدون كيخوته) في القرن السابع عشر، ألا وهو الروائي كارلوس ثافون، والذي يُعتبر، بحق، ملك الرواية الأكثر مبيعاً باللغة الإسبانية، أي رواية البيست سيلر، فقد باعت أعماله ملايين النسخ وتُرجمت إلى قرابة الخمسين لغة، منها لغتنا العربية، حيث يعرفه القراء العرب بلقب (زافون) فيما الأصح هو (ثافون) وفق اللفظ الإسباني، وبالطبع حدث هذا الخطأ اللفظي مع أسماء وأعمال كثيرة تمت ترجمتها من لغة وسيطة، لا من لغتها الأصلية.

مثل ظاهرة فريدة، عالمية في الأدب الإسباني، مزج بحب وتأثر صريح وقصدي بين ثقافته المحلية وثقافة أخرى، هي الأميركية على وجه الخصوص، تماماً كظاهرة موراكامي في الأدب الياباني. 
ولد كارلوس رويث ثافون سنة 1964 في برشلونة، في شقة صغيرة لعائلة متواضعة لا علاقة لها بالأدب، الأم ربة بيت والأب وكيل شركة تأمين. بدأ دراسته في مدرسة يسوعية ثم توجه للتخصص في دراسة علوم تكنولوجيا المعلومات، ولأنه كان متفوقاً فيها منذ السنة الأولى، حصل على فرصة عمل في شركة إعلانات معروفة في برشلونة، وسرعان ما صار المدير الإبداعي فيها، لكنه قرر التخلي عن ذلك عام 1992 وتكريس بقية حياته للأدب.
بدأ بكتابة أدب الفتيان أو اليافعين، ففازت روايته الأولى (أمير الضباب) بجائزة إيديبه عام 1993 واستثمر المكافأة المالية للجائزة لتحقيق حلمه بالسفر إلى الولايات المتحدة الأميركية، التي كان مفتوناً بثقافتها وموسيقاها من خلال شغفه بالسينما منذ طفولته، واستقر في لوس أنجلوس، ممضياً السنوات الأولى بكتابة السيناريوهات البسيطة إلى جانب استمراره بكتابة الروايات لليافعين، مكملاً روايته الأولى بروايتين هما: (قصر منتصف الليل) 1994 و(أضواء سبتمبر) 1995 لتعرف بعد ذلك تحت عنوان (ثلاثية الضباب) والتي سيتم نشرها لاحقاً في مجلد واحد، ثم ألحقها سنة 1999 بروايته (مارينا) والتي يعتبرها ثافون أقرب أعماله إليه شخصياً، وذلك لانعكاس بدايات شبابه فيها، اكتشافه لمحيطه ولذاته، المدينة والعالم والعلاقات الإنسانية كالحب والصداقة والفضول المعرفي وغيرها.
ثم جاءت روايته الأولى للبالغين (ظل الريح) والتي شكلت انطلاقته الحقيقية نحو الشهرة والمجد. تقدم بمخطوطتها إلى مسابقة جائزة لارا سنة 2000 وكانت ضمن القوائم النهائية لكنها لم تفز بالجائزة، إلا أن إعجاب الكاتب المعروف تيرينسي مويكس الشديد بها، والذي كان أحد أعضاء لجنة التحكيم، دفعه لإقناع دار نشر بلانيتا، وهي أكبر دار نشر باللغة الإسبانية، بنشرها، فصدرت عام 2001 وكان الإقبال عليها بطيئاً في البداية مما حدى بالدار للقيام بحملة دعاية كبيرة لها، أثمرت عن تفجر شهرتها لتتعدى مبيعاتها العشرة ملايين نسخة وتتصدر قوائم الروايات الأكثر مبيعاً في العالم بعد ترجمتها لأكثر من لغة.
وكان من الطبيعي أن يتم استثمار هذا النجاح الهائل لرواية (ظل الريح) من قبل المؤلف والناشر فيستمر بإصدار أجزاء مكملة لها: (لعبة الملاك) 2008 التي كانت طبعتها الأولى مليون نسخة، رافقتها أكبر حملة دعائية في تاريخ دار نشر بلانيتا، وتبعها بإصدار (سجين السماء) عام 2011 ثم ختمها برواية، من قرابة ألف صفحة، بعنوان (متاهة الأرواح) سنة 2016، وعرفت هذه الرباعية الملحمية بعنوان (مقبرة الكتب المنسية) نسبة إلى الفكرة الأصلية لرواية (ظل الريح) والتي تدور أحداثها في مدينة برشلونة عام 1945، منذ زمن الثورة الصناعية وإلى ما بعد الحرب الأهلية الإسبانية. يحوكها ثافون بعناية فائقة، مستفيداً من خبرته بالكتابة التشويقية لليافعين، وتجاربه في كتابة السيناريو وخلق المشاهد والأحداث التصاعدية المفاجئة المبهرة.
وكما كان سطوع نجم كارلوس ثافون مفاجئاً وسريعاً، جاء موته مفاجئاً للجميع، وهو في ذروة شهرته وعطائه، ذلك أنه في الخامسة والخمسين من عمره، ولم يكن خبر إصابته بسرطان القولون، منذ أكثر من عامين، معروفاً للجميع، بحكم طبيعته الشخصية المتحفظة والبعيدة عن الوسط الثقافي والإعلامي الإسباني، حيث يعيش في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأميركية منذ عام 1994 إلى أن توفي فيها، فنعاه كبار القادة والشخصيات في البلد والملايين من قرائه في العالم، مؤكدين على أنهم لن ينسوا أبداً مقبرته الساحرة (مقبرة الكتب المنسية).
 وإذا كانت وفاة ثافون تعد خسارة للأدب فهي خسارة أكبر لسوق الأدب، كونه استطاع تنشيط الشغف بالقراءة عبر تمكنه من الارتفاع بمستوى كتابة روايات اليافعين، التي يجيدها، لتصبح صالحة للقراءة من قبل كل الأعمار والمشارب، فمن حيث الشكل، وظف عناصر التشويق والفانتازيا والحبكات البوليسية وتقنيات الفنون المرئية وتعدد الحكايات الصغيرة المفاجئة داخل الحكاية الإطارية الكبرى، ومن حيث الموضوع، جعل محور حكايته عن الكتب والإغراء بالإقبال عليها، ومن أشهر عباراته بهذا الشأن: «كل كتاب، كل مجلد تراه، له روح، هي روح الذي كتبه، روح من قرأوه وعاشوا وحلموا به».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©