الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

«حوسبة اللغة العربية».. تمكين جديد لـ «لغة الضاد»

«حوسبة اللغة العربية».. تمكين جديد لـ «لغة الضاد»
26 أكتوبر 2022 01:54

إبراهيم سليم، سعد عبدالراضي (أبوظبي) 

انطلقت أمس في أبوظبي فعاليات مؤتمر «اللسانيات الحاسوبية واللغة العربية.. التصورات والتطلعات والتحديات» الذي ينظمه مركز التميز في اللغة العربية بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، على مدار يومين، وذلك في إطار حرص الجامعة واهتمامها بالبحث العلمي والنهوض باللغة العربية واستخداماتها في المجالات الحديثة، وتعزيز حضورها عالمياً، وتنسيق الجهود البحثية لخدمتها على النحو الأمثل، ويشارك في فعاليات المؤتمر نخبة من الباحثين والأكاديميين من مختلف أنحاء العالم. وناقش المشاركون في المؤتمر العديد من القضايا المتعلقة باللغة العربية، والحاسوب، والتحديات التي تواجهها، مع التأكيد على أن اللغة العربية، مهما واجهت من إهمال أو تحديات، فإنها ستبقى خالدة، وأنها كانت لغة العلوم الأولى قاطبةً، لمدة تجاوزت 8 قرون، وأن المؤتمر يناقش توظيف اللغة العربية في لغة الحاسوب، واستخدامها في كل ما يتعلق بالتطور في الحواسيب الآلية، وتمكينها من فهم اللغة العربية وتراكيب المفردات، ومواجهة كل أشكال التحديات، وتمكين الطلبة بالجامعة من التعرف على كل ما يواجه اللغة، وتحقيق أقصى استفادة من الخبرات المتخصصة المشاركة بالمؤتمر بما يحقق فهم اللغة وتعلمها.
وأعرب معالي الشيخ عبدالله بن بيّه، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، رئيس منتدى أبوظبي للسلم، رئيس المجلس العلمي لجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، في كلمته الافتتاحية للمؤتمر، عن شكره لجهود إدارة جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية لتنظيم هذه الفعالية المهمة ودعوة النخبة المميزة من أعلام الفكر واللغة وعلماء الحاسوب للمشاركة في المؤتمر.
وقال معاليه: «إن موضوع هذا المؤتمر هو اللغة العربية في جانب من جوانبها وزاوية من زواياها تتعلق بالتجديد، إن لم يكن تجديداً في الأساس فهو تجديد في الوسائل، وذلك يندرج في رؤية دولتنا، دولة الإمارات العربية المتحدة، وقيادتنا الرشيدة في تشجيع التجديد والابتكار في شتى الميادين ومختلف الفنون». 
وأضاف معاليه: «إن اللغة العربية جديرة بأن تنال حظها وتحظى بنصيبها في اهتمام جامعاتنا ومؤسساتنا العلمية، خاصة تلك التي تتمتع بطموح وسعي للتميز كمثل جامعتنا، جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، ولذلك كان هذا المؤتمر بعنوان (مؤتمر اللسانيات الحاسوبية واللغة العربية)، وهو موضوع له جدته وجديته لما يمثل من سعي لتمكين اللغة العربية من الولوج في مجالاتٍ ظلت حصراً على بعض اللغات العالمية».
وتابع معاليه: «صارت العربية بفضل القرآن الكريم لغةَ عِبادَةٍ، وهي أيضاً وَسيلة فَهْم الشريعة، هذه الوظيفة التعبدية للغة العربية، وهذه الميزة ربما لا يشارك فيها من اللغات الحية إلا العبرية القديمة، وأما النصارى الكاثوليك فكانوا يتعبّدُون باليونانيّة ثم اللاتينية، باعتبار أن الأولى هي التي ترجم إليها العهد الجديد من النسخة الأصلية الضائعة التي لا يعرف أكانت باللغة السريانية أم بالعبرية؟ وقد سمح الفاتيكان في المجمع المسكوني لسنة 1965 بأداء الطقوس بلغة كل قوم».
وقال معاليه: «فإذا كانت اللغة العربية من مبتدأ تدوينها دائرة على منطق دقيق واستقراء عميق، فأحرى أن تكون بذلك أقرب وأيسر في البرمجة والحوسبة التي مدارها كذلك على المنطق الرياضي، والمراد هنا.. كيف نستطيع من خلال إمكانات الحاسوب البرمجية ومتاحات الذكاء الصناعي استيعاب اللغة العربية بمجازاتها واستعاراتها وكناياتها وظاهر دلالاتها...ذلك ما نأمل أن يسهم هذا المؤتمر فيه من خلال التعاون والتكامل بين علماء اللغة والمختصين في التقنية والشراكات بين المؤسسات الأكاديمية والقطاع الخاص».

نخبة مميزة
من جانبه، قال معالي الدكتور حمدان مسلم المزروعي، رئيس مجلس أمناء الجامعة: «أرحب بكم في بلدكم دولة الإمارات العربية المتحدة، بلد التسامح والتعايش والقيم الأصيلة... مرحباً بكم في دار زايد الخير... مرحباً بكم في بلد الإرث الطيب الذي تركه القائد المُؤسس، لتتوارثه الأجيال فتصونه جيلاً بعد جيل أهلا بِكُم بجامعة أعز الرجال وحكيمهم، قائد الحكمة والقيم، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وسدد على طريق الخير خُطَاه». 
وأضاف: «نسعد أيها الإخوة والحضور الكريم بأن نستضيف في هذا اليوم الكريم هذه النخبةَ المميزة من مختصين وباحثين وعلماء، يحملون في قلوبهم الإخلاص والوفاء والتقدير للغة العربية... لغة القرآن الكريم، قال اللهُ تعالَى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، وهي اللغة التي نطق بها خير البشر رسولُنا -صَلى الله عليه وسلم -، فهي لغة الرحمة والسلم والسلام والتسامح والقيم الإنسانية التي تبث المحبة بين بني البشر جميعاً. فلزامٌ علينا أن نبين مكانة اللغة العربِية وأهميتها وجمالها ودورها في الماضي والحاضر والمستقبل، وعلينا أَن نقدم لها كل السبل والأَدوات العلمية التي تمكنها من عبورِ بوابات المستقبل الواسعة لتظل لغة مواكبة حاضرة لا يَقِلُّ شَأْنُهَا عَنْ غَيْرِهَا مِن اللُّغَاتِ».

فرصة ثمينة
وتابع المزروعي، أن مؤتمرنا اليوم يتشرف بحضور نخبة مميزة من المختصين والمهتمين في اللغة العربية من مختلف الدول، وأتمنى أن يكون حضور هذه النخبة فرصة ثمينة، لنستفيد من علمهم الغزير وخبرتهم الطويلة في مجال اللغة العربية، كما أننا نتشرف بمشاركة عدد من الباحثين والباحثات المميزين والواعدين تستضيفهم جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية التي ترغب في أن يكون أبناؤها في الصفوف الأولى باحثين ومفكرين، يدركون المستقبل ويتطلعون إلى الإبداع والتميز والابتكار في مجال اللغة العربية. 
وأضاف: «إننا اليوم نتطلع لكم بقلوب مؤمنة ومتأكدة بعظيم ما ستقدمونه للغة العربية بنقلها إلى مستويات رقمية رحبة، ستسهل من انتشار العربية ومن تدريسها وتعليمها وتعلمها»، مؤكداً أن المؤتمر يأتي استجابة لما فرضه الواقع المتسارع من تحديات ومتطلبات عصرية مختلفة، حيث لا سبيل لعصرنة اللغة وتمكينها دون هذا الجهد المشترك بين التخصصات المختلفة، وإننا على يقين - بإذن الله تعالى - أن الجهود التي ستقدم في أيام هذا المؤتمر هي جهود سيكون لها الدور الفعال، فيحمل اللغة العربية، ونقلها للحقول العلمية والإنسانية المختلفة، فهي اليوم لغة لا تقف أهميتها فيما يكتب في حقول الأدب والنقد والتأويل والتفسير وتحليل النصوص والإعراب وبلاغة التواصل والاتصال.... بل نريدها حاضرة أيضاً في قطاع الطب والاقتصاد والعلوم الحياتية المختلفة».

اليوم الأول
اشتمل اليوم الأول على جلسة علمية خاصة لمجامع اللغة العربية حول العالم، قدمها الدكتور علي بن إبراهيم النملة، وزير العمل والشؤون الاجتماعية سابقاً في المملكة العربية السعودية، ود. نذير عبيدات، رئيس الجامعة الأردنية، ود.عبد الحميد مدكور، الأمين العام لاتحاد المجامع اللغوية.
إضافة إلى كلمة د. محمد حسين آل ياسين، رئيس المجمع العلمي العراقي، وكلمة .د بكري الحاج، رئيس مجمع اللغة العربية في الخرطوم، وكلمة ود/ أمحمد المستغانمي، الأمين العام لمجمع اللغة العربية في الشارقة.
وأدار الجلسة الأولى الدكتور نزار حبش من جامعة نيويورك، واستعرض خلالها الدكتور بشير حليمي من كندا تجربته في إدخال الحرف العربي على لوحة مفاتيح أجهزة الحاسوب، مشيراً إلى أن هذا الحدث عزز دور اللغة العربية في مجال تقنية المعلومات، كما قدم الدكتور عمر مهديوي ورقة بعنوان «نحو تطوير برمجيات حرة ومفتوحة المصدر في خدمة تطبيقات المعالجة الآلية للغة العربية»، تبعه الدكتور حسين ياغي بورقة بعنوان «نحو مرقم آلي للغة العربية»، وختمها الأستاذ المشارك في الجامعة الأردنية مجدي الصوالحة بورقة بعنوان «الذخيرة الأردنية الشاملة لنصوص اللغة العربية المعاصرة: إجراءات الجمع والعنونة».

شراكات علمية
يهدف مؤتمر اللسانيات الحاسوبية واللغة العربية إلى إتاحة الفرصة لإقامة شراكات علمية ودراسات بينية في مجال حوسبة اللغة، واستعراض أحدث الدراسات والبحوث الأكاديمية والتطبيقية، والإفادة من البرمجيات والتقنيات الحديثة في تدريس اللغة العربية، إلى جانب استشراف آفاق البحث والتطبيق في مجال اللسانيات الحاسوبية والدعم مستقبلاً، وتطوير الدرس اللساني العام والعربي تحديداً، وطرح الأفكار والرؤى حول تطوير تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، إضافة إلى تحديد معالم التحديات من إيجابيات وسلبيات متعلقة بتوظيف التقنية في تعليم اللغة العربية، والتواصل بين المتخصصين والباحثين في حقل المعالجة الحاسوبية للغة العربية على نطاق العالم العربي والعالم أجمع.

الجلسة الثانية
في الجلسة الثانية التي أدارها الأستاذ الدكتور محمد العدناني، مستشار مدير جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، قدم الأستاذ الدكتور أسامة الريس، مدير دائرة اللغة العربية والحاسوب في مجمع اللغة العربية بالسودان، ورقة بحثية بعنوان «مستقبليات اللغة العربية في فضاء الويب الثالث والعوالم الافتراضية (الميتافيرس)»، تلتها ورقة «تمثيل النصوص العربية وتصنيفها بناء على نهج ثنائي متواليات الأحرف الأبجدية»، قدمتها الدكتورة فاطمة الغنام من جامعة بنها بجمهورية مصر العربية، كما قدم الدكتور هيثم زينهم، الأستاذ المشارك بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، ورقة بعنوان «مساهمة قارئ الشاشة في دمج ذوي البصيرة: رؤية مستقبلية لقلادة ذكية تحقق التنمية المستدامة»، مؤسساً لتطبيق عربي يحول النصوص المكتوبة والصور إلى منطوق لمساعدة المكفوفين في القراءة.
واختتمت الجلسة بورقة علمية تعنى أيضاً بشؤون أصحاب الهمم، وتهتم بالكشف عن الاعتلال اللغوي عن طريق إيجاد متوسط طول الكلمة عند المتأخرين في النطق، قدمها الدكتور أنس الحنيطي، وباسل مشاقبة، الأستاذ المشارك بالجامعة الهاشمية بالأردن، كما تحدثت خلال الجلسة الدكتورة نامي تسوجيغامي، الأستاذة بكلية الدراسات العالمية في جامعة صوفيا باليابان، والدكتورة كواك سون ليه، الأستاذة بقسم اللغتين الكورية والعربية بكلية الدراسات العليا في جامعة هانكوك بكوريا، حيث أكدتا أن للغة العربية أثراً كبيراً في البيئات غير العربية.

عبدالحميد مدكور: تطويع الحواسيب والأجهزة والبرامج الرقمية
قال الدكتور عبد الحميد مدكور، الأمين العام لاتحاد المجامع اللغوية العربية، أمين عام مجمع القاهرة في تصريح خاص لـ«الاتحاد»: أبدأ بالتعبير عن سعادتي بهذا المؤتمر المهم والقيم الذي أتيت إليه ممثلاً لاتحاد المجامع اللغوية العربية للمشاركة، وأكد أنه يخطو خطوات متقدمة إلى الأمام في معالجة قضية من قضايا اللغة العربية الكثيرة، التي تحتاج منا إلى دعم وإلى تعزيز.
وأضاف: هذا النطاق الذي اختاره المؤتمر، هو تحويل اللغة العربية إلى لغة رقمية مخزنة على الحواسيب ليطلع عليها الناس في جميع أنحاء العالم.
وتابع: توجد بعض المشكلات اللغوية في اللغة العربية لأنها لغة معربة، ولأن كلماتها تكتب موصولة، ولأن تراثها عريق جداً مقارنة باللغات الأخرى، ولأنها طويلة العمر، حيث تمتد لأكثر من ثمانية عشر قرناً من الزمان.
وأضاف: من أجل هذا كله توجد بعض المشكلات المتعلقة بتطويع الحواسيب والأجهزة والبرامج الرقمية.
وقال: إن حل هذا أمر لا يتأتى إلا بالجمع بين المختصين في اللغة العربية والمتخصصين بالأجهزة الحاسوبية لإقامة شراكة بينهما تطوع فيها اللغة للحواسيب وتطوع فيها الحواسيب للغة، وبذلك يتحول تراثنا العريق إلى تراث مخزن على الأجهزة تستطيع أن تستحضره وتستطيع أن تضيف إليه.
وأشار إلى أن هذا المؤتمر الذي يعقد على مدى يومين ويشارك فيه عدد كبير جداً من المختصين ستقدم فيه أبحاث تجمع بين النطاقين؛ نطاق اللغة ونطاق الحاسوب. 

موزة الكعبي: تكاتف الجهود
أكدت الدكتورة موزة الكعبي- مدير مركز التميز في جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، أن الرسالة التي يريد المؤتمر إيصالها هي التعريف بعلم اللسانيات، وهو علم يربط بين اللغة والآلة «الحاسوب»، لتنتج الآلة لغة طبيعية سليمة من دون تدخل بشري، ينتج عنها مشروعات وتطبيقات تزيد من جودة الحياة ورفاهية البشر، كما يرمي المؤتمر إلى زيادة الوعي بعلم اللسانيات الحاسوبية، ونشر هذا العلم، وأهميته باعتباره من العلوم البينية التي تجمع بين أكثر من علم.
وأضافت أن دعوة المتخصصين من مختلف التخصصات مثل اللغويات، والحاسب الآلي، والرياضيات، ترمي إلى تكاتف الجهود، لتحسين مستوى معالجة اللغة العربية آلياً في العديد من التطبيقات.

محمد الظريف: «العربية».. لغة تواكب الحياة
أكد الدكتور محمد الظريف، عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية لـ«الاتحاد»، أن اللغة العربية لم تكن يوماً لغة جامدة فهي لغة تواكب الحياة باستمرار في جميع تموجاتها وهذا كان دأبها منذ القديم.
وقال: حينما نزل القرآن بالعربية لم تتوقف عن التطور والاستمرار والامتداد وانتشرت في العالم وترجمت عبرها الكثير من الأعمال في الطب والفلسفة والفلك ومختلف العلوم، فهي دائماً قابلة للتطور ومواكبة للمعرفة والتقنيات. 
وأضاف: نحن اليوم نعيش في ما يسمى بالثورة الصناعية الرابعة، هذه الثورة هي ثورة الذكاء الاصطناعي، والأجهزة الذكية، هذه الثورة في مجال اللغة العربية تحتاج إلى الإفادة منها وهذا ما سيناقشه المؤتمر من خلال جلساته.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©