مع كل سهرة من سهرات الأبطال، في حضرة المسابقة الأجمل والأمتع والأكثر مشاهدة، دوري أبطال أوروبا، هناك متعة تطلع من عشب الملاعب، وسحر يتدفق من المدرجات، ودروس كروية عميقة تُعطَى مجاناً للذين يريدون أن يتعلموا القواعد التي تتأسس عليها كرة القدم «المستوى العالي».
وعندما يصل دوري الأبطال إلى أدوار خروج المغلوب، لا تشعر بأن هناك نادياً ما تسلل من خلف الأكمة، أو شيئاً في الحسابات التكتيكية تُرك للمصادفة، أو صورة تخدش المستوى العالي في المبتدأ وفي المنتهى، بل إن الأفكار الهاوية التي تشوش أحياناً دماغنا تصبح غير ذات قيمة.
ردد الإعلاميون في أكثر من مرة، ونحن نشاهد فريقاً يجلد منافسه، حتى وهو يلعب بأقلية عددية، أن الفريق المنقوص يصبح للاعبيه قوة خارقة تصادر أحياناً هذا النقص العددي، لتعوضه بتفوق نفسي، وهذا ما لم نشاهده على الإطلاق في مباراة العودة بين برشلونة وباريس سان جيرمان، فقد كان النقص العددي جراء طرد المدافع أراوخو إعلاناً عن موت تكتيكي لبرشلونة، فإن أعطى الباريسيين أجنحة بها أشعلوا النار في دفاعات برشلونة، انكفأ فرسان «البلاوجرانا» على وجوههم، ولم تنفعهم مشاعر التحدي والشجاعة، لكسر منطق الفوارق العددية في مباريات المستوى العالي.
صعَّب برشلونة على الفريق الباريسي «الريمونتادا»، وهو يتقدم بهدف رافينيا من «موزة مقشرة» أهداه إياها «الطفل المعجزة» لامين يامال، واحتاجت المباراة، وقد كانت بالفعل نزالاً شطرنجياً بين مدربين عاشقين للاستحواذ، وهما من ورثة فلسفة «التيكي تاكا»، إلى من يكشف غطاءها السحري، فكان طرد الأوروجوياني أراوخو مدافع «البارسا» في الدقيقة 30، أشبه ما يكون بسقوط الجبل على رؤوس لاعبي برشلونة ومدربهم تشافي، إذ سيضرب النقص العددي كل التوازنات، بل إنه سيمسح بالكامل الفكر الهجومي لبرشلونة، بخاصة لما ضحى تشافي بجناحه الطائر لامين يامال لإعادة الدفاع لقاعدته الرباعية.
طبعاً ما كان صعباً على أحد أن يتبين حجم الدمار التكتيكي الذي أحدثه النقص العددي داخل برشلونة، بدليل أن لاعبيه عجزوا دفاعياً عن صد الإعصار الباريسي الذي سيحمل طوفاناً من الفرص، أربع منها تحولت لأهداف، لينجح الباريسيون في تحقيق «ريمونتادا تاريخية»، ويكرروا فوزهم بـ «الرباعية» هناك في برشلونة، ويكملوا سفرهم الأوروبي، حيث سيكون في الانتظار عند باحة الدور نصف النهائي، بروسيا دورتموند الألماني الذي نجح بدوره في إقصاء فريق إسباني آخر هو أتلتيكو مدريد، وبـ«الرباعية» نفسها.
أهدانا الفاصل الأول من الدور ربع النهائي المجنون لبطولة المتميزين، متعة وسحراً يرويان الظمأ، وكشف لنا حقيقة دامغة، تقول إن كرة القدم «المستوى العالي» لا مكان فيها للأفكار الشقية والبئيسة، وأن النقص العددي فيها دمار شامل.