في الزمن الأول أيام الكد والتعب والرجولة الخشنة في مجالدة الحياة وقسوتها، وحين كانت الكندورة «ذاك من ذاك» من كان يقدر على ارتدائها، والمحافظة على رونقها، دون رتق الفتق، ودون جَبْنّ أطرافها أو قلبها ليظهر باطنها الجديد وإخفاء ظاهرها القديم، في ذاك الزمن حين كان يقول الشواب: «كندورة فلان بذيك الحجيه، يعني بربابي قليلة، ولا تسوى باكيت زكارا اليوم»! وإذا قالوا: «فلان بطران، والله ما شابه أهله، كندورته لاس»! فقد نعتوه بشيء ليس فيهم، ولا من طبائعهم، فقط كانوا يتسامحون بتلك «الكندورة المورسة» التي يجبرون عليها حين يحيل القِدم الكندورة التي كانت جديدة من أيام العيد الصغير أو الكبير، وبعد ما مات لونها ووهجها، فيلجؤون إلى «الورس» ليعطيها لوناً مصفراً زعفرانياً، لتبدو وكأنها جديدة، وكثيراً ما يبررون ذلك بأنه «عزر الأسياد أو الزيارين» الذين يسكنونهم أو يسكنوا باطن الأرض، ويخرجهم دقّ الزار والمادّة.
لقد تطورت الكندورة في النوعية والكيفية وفي التصميم عبر السنوات الأربعين، وكانت هناك محاولات لتغيير الكندورة العربية كجزء من التمرد على الزي التقليدي المحلي، بفعل التعلم في الخارج مثل الكويت وقطر والبحرين أو حتى في بريطانيا وأميركا، لكن في الثمانينيات كانت ردة قوية للتمسك بالكندورة العربية المحلية الأصلية، وكان الفضل في ذلك للشيخ زايد -طيّب الله ثراه- والجيل الذين كانوا من مجايليه وأترابه، وفرضها على أبنائهم كجزء من إرث ووصية عليهم الحفاظ عليها، واستطاعت الكندورة العربية مع الوقت أن تفرض حضورها في كل الإمارات وبقوة، مع وجود النموذج القطري والبحريني والسعودي والكويتي بشكل أو بآخر، لكنها قدرت أن تثبت نفسها كزي إماراتي أصيل، وعلينا أن نقوم بتسجيله في «اليونسكو» مع العمامة أو الحمدانية والخنجر والعصا والخزام، وبعض الإكسسوارت الإماراتية التي لها خصوصية مختلفة في التفاصيل والأجزاء عن موروثات الشعوب المجاورة.
نعود إلى «ذيك الكندورة اللي بذيج الحجيه» والتي بالتأكيد أغلى من «باكيت زكارا» في وقتنا الراهن، وحسب ما سمعت وشاهدت في فيديو استعراض الأزياء أن الكندورة بلغ ثمنها مئتين وواحداً وستين ألفاً وخمسمئة درهم «261500» درهماً، ولا أدري ما دخل الخمسمئة درهم في تلك الألوف الكثيرة، هل القائمون على ذلك محقون وعادلون، ويحسبونها بالدرهم والفلس، حيث لا ضرر ولا ضرار، ولا غبن في الكيل والمكيال؟ ذيك الكندورة الرجالية التي «بذيك الحجيه» يعني بصراحة أغلى من فستان «ديانا» في زمانها، والذي لن يتكرر، وأغلى من فستاني بنت خاشقجي وزوجته معاً، وبالكاد يصل لسعر فستان «الشهبانو» ليلة زفافها الأسطوري، ونحن هنا نتكلم عن فساتين نساء مبهرات فاتنات، قد لا يجود الزمان بمثلهن أو أشباههن، لا عن كندورة رجال بو شوارب، وكناديرهم التي تشبه الشراع عادة، ويمكن أن يلبسها الرجل بعد أن يغسلها في الشريعة، ويرضفها على ظهره، ويضرب الخلاء، «كندورة بذيك الحجيه» هي أغلى من جُبّة مولانا السلطان، ووزيره قمر الزمان، لا عرفها أباطرة روما، ولا أكاسرة الفرس، هي ما يمكن أن نطلق عليه الجور ذاته، والبطر ذاته في زمن أقرب ما يكون لزمن «الترللي»!
 اللهم أجرنا، وباعد بيننا وبين معاصيك، والطف بنا، واجعله حولنا لا حوالينا، والحمد لله أنها جاءت في زمننا الجديد، لا زمن كد الغوص، وإلا الأسفار للهند وأفريقيا، لأن لا «حاصلة الغوص» تكفي، ولا كَدّ السخام يكفي، ولا سوق «الجريّات» يكفي، ولا «طَنّيّ النخل» يكفي، ثمن فتر من هـ «الكندورة التي بذيك الحجيه»!