اليوم أصبح العالم يعيش على حافة عقل ربما يعد العدة للاستقالة من الخدمة، والتوقف عن الإبداع، وتقديم اعتذار، للآلة، لأنه وقف ضدها لزمن طويل، وحان الوقت ليفسح لها الطريق، لكي تحل محله، وتضرب المثل على قوتها في تحقيق ما لم يستطع خيال الإنسان تحقيقه على جميع الصعد، وفي مختلف الميادين.
ربما أن العقل لم يكن ليعتذر، ولا ليتنحى عن دوره في صناعة أجمل ما يمتلكه الإنسان، وهو الخيال، ولكن هذا العقل المسكين وجد نفسه مرغماً على التنحي عن عرشه، لأن موضة العقل تطالبه بذلك، ولو لم يفعل، فسوف يتهم بالتخلف، وسوف يوصم بجريمة قتل الإبداع، وعرقلة عجلة الحضارة، والوقوف وراء التخلف، والانزواء بعيداً عن المسيرة الثقافية المشتعلة بالمهارات، والمبادرات، والمثابرات، والمجازفات، والاقتحامات، وأحياناً الصراعات.
فماذا بإمكان العقل أن يفعل إزاء هذا الهجوم الشرس غير أنه ينصاع للأمر الواقع، ويركن عربته على جانب الرصيف، وينتظر ماذا يسفر عن هذا التدفق في ذكاء الآلة، وفي انثيال مخترعاتها المذهلة، والمدهشة، رغم خواء مضمونها، ورغم جفاف مشاعرها كونها آلة لا غير، ولكن الإنسانية مندفعة إلى حد الجنون وراء ما يطلق عليه الذكاء الصناعي، وقد اختلفت المفاهيم، والمصطلحات، ومعاجم اللغة عجزت عن مسايرة الركب، لأن سرعة الزمن العقلي تفوق سرعة الزمن الروحي، وهذا ما يجعل من الفشل الذريع لأي خطوة غير مدروسة، وأي خطوة عشوائية قد تضر الذكاء البشري ولا تنفعه.
اليوم نسمع عن آلة تكتب الرواية، والقصة القصيرة، والقصيدة، والبحث، والعمل المسرحي. وهذا أمر بديهي طالما استثنينا الإنسان كحالة وجدانية، ومخزون ذاكرة، ومشاعر.
عندما نحيد كل هذه المضامين الإنسانية، فيتساوى الإنسان والآلة، ولا يختلف اثنان على أن الإنسان من دون مشاعر، لن يختلف عن أي آلة كاتبة، ولا عن أي جهاز كمبيوتر، بل سوف يخلف الإنسان «غوغل» ويصبح الإنسان جهاز حفظ، وتخزين معلومات فقط، لا غير.
منذ فجر التاريخ والإنسان يجتهد ويكافح، ويعمل من أجل مواجهة غضب الطبيعة، وقد اخترع الوسائل المختلفة لمواجهة جنون الطبيعة، وأهوالها، وما زال يعمل، ويجتهد، ويخترع، وطالما بقي على قيد الحياة، فهو لن يكل، ولن يمل من تحفيز العقل، وتحريضه على اختراع مازيمبي اختراعه لمواجهة قوة الطبيعة، تغيراتها، وعواصفها، ومن بين ما اختراعه العقل البشري هو (الخيال) ولهذا الخيال قوته السحرية الفذة، والنافذة، في غضون الحياة، ولهذا الخيال، أسطورته التاريخية التي ملكت الباب الإنسان وجعلته الحاكم بأمر هذه الأسطورة، وهي (الخرافة).
لم تكن الخرافة بدعة من أجل التسلية، واللعب، بين العقل، والطبيعة، بل إن الخرافة هي حاجة وجودية، هذه الخرافة التي انطلقت منها الرواية.
وقد يستغرب الناس عند ذكر هذه العلاقة الوجودية بين الخرافة، والرواية، وقد يعتبرها البعض محاولة للهروب إلى الأعلى، وتحاشي الصدام مع العصر، عصر التكنولوجيا، والذكاء الصناعي.