لا أدري كيف لم أشاهد هذا العمل أو حتى أسمع عنه طيلة السنوات العشر الماضية منذ إنتاجه منتصف عام 2012، وكأنه قدري أن أشاهده الآن وأنا أقطن هذه الفترة في القاهرة، ليزداد تأملي وانشغالي أكثر في الشخصية المصرية الفريدة بكل تفاصيلها، والتي لا تشبه غيرها. يتناول فيلم «ساعة ونص» حكايات متعددة بعرض مكثف لأشخاص تقاطعت طرقهم بشكل أو بآخر خلال (ساعة ونصف) قبل وأثناء ركوبهم قطار الصعيد، وقبل انقلابه واحتراقه بهم، في مقاربة لحادثة قطار العياط عام 2002 والذي راح ضحيته 350 شخصاً.
‏الجميع يذهب في اتجاه واحد حيث مصيره. وعلى الرغم من دقائق الفيلم المحدودة، التي تلتقي فيها كل الشخصيات بعضها بعضاً ولو مروراً، تبرز في العمل لحظات حيوية كاشفة وقاسية في كل المستويات على الصعيد الشخصي والإنساني، إلا أنها للأسف لن تصبح لحظات تحول لأي أحد، فالجميع سيلقى حتفه. الأم تكشف نية ابنها، والثوري يكتشف سخف ماضيه، والموظف يكاشف عن همومه، والصديق والزوج والأب والابنة.. الجميع يعيش واقعه بتجرد كامل ومكاشفة حقيقية بلا زيف في لحظات يعلو فيها صوت الخيبة والاعتراف والذنب والألم، وكأنهم يدركون أنها لحظة النهاية. شبكة كبيرة من الشخصيات ترتبط ببعضها بعضاً بشكل واهن عابر، ولكنه عضوي أصيل في صلب الحدث والمكان.
«ساعة ونص» من المأساوية التي يعيشها المتابع، كون صناع الفلم أخبرونا مسبقاً بأن النهاية معروفة بحادثة «قطار العياط»، غير أنك ستتابع العمل وهناك شعور مخادع يغمرك بأنهم سيكملون طريقهم، ولن يكونوا من ضحايا القطار! ساعة ونص مليئة بالدلالات الإنسانية الكبيرة التي تنسجها القصص الصغيرة، والتي مهما بدت صغيرة وخاصة ومنفصلة هي في حقيقتها عالم بذاته، عالم من المشاعر والأحلام والتحديات والنكسات. صُنع الفلم بحرفية عالية ونُفذ بدقة بالغة، تقاطعت الطرق والصور والمشاعر لتأتي منسجمة مع صوت النهاية الصاخب. فيلم «ساعة ونص».. أعتقد أني سأعود لرؤيته ساعات أخرى لأغرق في قصص شخوصه، لأني على دراية تامة أنني قابلت وسأقابل مثلهم في طريقي من دون أن ألحظهم.