يمشي الهوينا، متمتعاً بالسير الهادئ، يلتفت يميناً ويساراً، مبتسماً للصباح، يطرح السلام على كل من يصادفة في الطريق، يدندن بإحدى أغاني بلاده الجميلة، يقطعها بين فترة وأخرى بصوت جرس الدراجة الهوائية، يعرض قوة ساعده لأي عمل؛ زراعة شجرة أو ترتيب حديقة أو إخصاب نخلة أو حتى إصلاح وتسوية تربة أو نقل أي أدوات وتحميلها إلى حيث تحفظ في الأماكن/ المناطق المخصصة لها، تداعب الرياح قميصه وسرواله الواسع وتنشره خلفه، تخالّه جناح طائر كبير، وهو محلق بدراجته الهوائية. لا يجزعه الصباح ويوتره الاستيقاظ والعجلة التي تصاحب أولئك الذين يمرون بالشوارع والسكيك بوجوه عابسة، وأعصاب متوترة.
 يمر صاحب الدراجة بمحاذات سيارة فارهة، يصرخ صاحبها، مزعجاً طلة الصباح، وحاثاً صاحب الدكان الصغير بأن يسرع في إعطائه حاجته، وأن لا ينسى (السيجارة) وقنينة الماء. يمر صاحب الدراجة الهوائية الكبيرة، فرحاً وهادئ البال والأعصاب، بينما ذلك القابع خلف مقود السيارة الفارهة، محمر العينين، مكفهر الوجه عابس، وفي حالة عصبية تزعج ابتسامة الصباح. خالي البال يقود بخيلاء وفرح دراجته، باحثاً عن أي عمل يرزقه به الله، متوافقاً مع نفسه وظروفه وحياته.. الآخر ينطلق بعصبية دون أن يطرح السلام على الناس الذين ينتظرون أمام الدكان الصغير، قبل لحظات كان صاحب الدراجة الهوائية يمد معهم حديثاً جميلاً، ويسأل إنْ كانت هناك فرصة لأي عمل يقوم به. كثر يمرون بعجل وجوههم مشغولة بالحياة وهمومها، وحده هذا الآسيوي صاحب الدراجة الهوائية يغني للصباح، شاكراً ربه على نعمة اليوم الجميل هذا، وأن الله وهبه صباحاً مشرقاً جديداً. 
عندما تتأمل الدراجة الهوائية التي تمر في السكيك والحواري، تتذكر طفولتك البعيدة، وكم كانت الدراجة الهوائية تبعث فيك الفرح والسرور، لا شيء يعادل قيادة الدرجة ولا سعادة توازيها، إنها قمة الفرح، هي البدء والخطوة الأولى لكل طفل نحو معرفة صور الحياة، والانطلاق والحركة والحرية، ثم معانقة الريح والعبور إلى فضاء الأمكنة. أتذكر طفولتي، عندما حصلت على أول دراجة هوائية، لم أذق النوم مدة طويلة، دائماً أنتظر الصباح لأنهض مسرعاً إلى تلك الدراجة وأقودها في محيط البيت والحي دون أن أذوق الطعام، حتى أطفئ حبي الكبير وفرحي بها، كذلك يفعل كل الصبية في الحي. لا شيء يعادل قيادة الدراجة الهوائية عندما يملأ قلبك حب الحياة والفرحة باليوم الجديد الذي وهبه لك الله لتنعم بإشراقة الشمس ونورها الساطع. أعادني هذا، صاحب الدراجة الهوائية، الذي يقودها بحب وفرح، إلى نقطة بعيدة وجميلة وحالمة.