لعله السؤال المستقبلي الذي يمكن أن يهدد الإنسان وإنتاجيته وطموحه ومصدر دخله، وما يترتب عليها من سلوكيات، ونجاحات، وسعادة ينشدها، وعلو مكانة يتطلع لها، أعتقد أنه سؤال وجودي ومستقبلي، مثل سؤال شكسبير على لسان بطله هاملت: «أكون أو لا أكون تلك هي المسألة»، ولكم أن تقوسوا «أنا» لأن بعض الناس ما عندهم من الموضوع إلا تلك الحساسية من مسألة «أنا»، بعضهم يردفها بقوله: وأعوذ بالله من كلمة أنا! من باب فرض التواضع، وتذكير الآخر به، والبعض من المحتدين والمعتدين، ولو كان على قبض الريح، سيتبع بعد قولك «أنا» بسؤاله الاستفزازي: من أنت لتحط نفسك؟ رغم أنه ليس هو الموضوع الأساسي، ولا هو لب الموضوع، إنما كان ذكراً عارضاً، عابراً، بس لأنه بعده ما عنده ذكاء صناعي سينسى الموضوع، ويبقى متعلقاً بكلمة «أنا»، ولن يرضى عنك حتى لو استبدلتها بـ «أنت»، طبعاً مثل هذا لا يدري أن فلاسفة كتبوا الكتب في كلمة «أنا» وبنوا افتراضات ونظريات وطروحات بحثية فلسفية عميقة، وأن أديب إيطاليا الرائع «البيرتو مورافيا» كتب رواية جميلة، ومتفردة في موضوعها اسمها «أنا وهو»، المهم اسمحوا لي لإيراد كلمة «أنا» هذه المرة، لأنني شعرت مثلما شعر  الكثير من الإعلاميين والصحفيين والكتّاب أن الذكاء الصناعي وتطوره المذهل، خاصة بعدما دخل في شغلهم، أنه سيطردهم من أماكنهم، ويزاحمهم في إنتاج المحتوى بطريقة سريعة وسهلة وبتكاليف أقل، رغم أنه من جهة أخرى سيسهل عليهم الأمور، فلا داعي كثيراً للتذكر، وعصر الذهن وتدخين «سبعة صلوب سيكاره» على كتابة صفحة، وخلق أجواء، وموسيقى هادئة، وتلك الطقوس التي لا يعترف بها الذكاء الصناعي، بس أعطه رأس الموضوع، و«أزهل» الباقي، في ثوان وقبل ما «تولع صلب السيكاره» تلقى صفحات عن الموضوع وافية كافية، لكنها بالتأكيد مسبقة الصنع أو مثل صب الخرسانة الجاهزة، خالية من اللمسة الإنسانية، وحس الدعابة أو تلك السخرية السوداء أو تلك الكلمات التي تنزل دمعة عين الآخر دون أن يشعر أو ذلك الرأي الشخصي المهم الذي تدفع ضريبته أو يخلق تلك الضجة أو «تفتش» على أثره أو يلقي بك في مهاوي الردى.
فقلت في نفسي لِمَ لا أجرب أن أطرح موضوعاً عليه من صفحة واحدة فقط؟ وأكتب أنا في الموضوع نفسه قبل أن أقرأ نتاج الذكاء الصناعي، ولأعمل تلك المقارنة العادلة والحيادية بيني وبينه، «أنا أو الذكاء الصناعي»، ولعلني أنشرها يوماً هنا، من باب الفكاهة وسرقة البسمة منكم، ولكي تقارنوا من كتب «العمود الثامن» حينها بصدق وحماسة وعاطفة وإحساس «أنا» أو «الذكاء الصناعي»، لكنني بعد التجربة شعرت بعدم الحيادية لأنني اخترت موضوعاً محلياً، -وهذه لعبتي ووسط ملعبي- وصعب عليه مجاراتي حتى في التعامل مع المفردات والتفاعل مع مجريات الحديث، من ذكر الحواشي وتمتين النص، وتضمينه الأقوال والأمثال والأشعار، والغوص عميقاً في العبارة المحلية، لكنه بالتأكيد سيغلبني لو طرحت موضوعاً مختلفاً، وعاماً، مثل «الهيدروجين الأخضر» أو «مستقبل الاستثمار في غينيا بيساو»، بالتأكيد «سيغليني وراه»، وستصبح معلوماتي مقابل معلوماته مثل قول الكثير من المترددين غير الواثقين: «في الحقيقة والواقع، وكما هو ماثل للعيان، ولكي نعطي للموضوع حقه من البحث والتقصي، دون الإخلال بأي منظومة اقتصادية واعدة، يمكن أن يترتب عليها أي أثر قد يعيق مسألة التنمية والاستدامة، أرى من وجهة نظري البحتة..» ومن هالخريط الرطب الذي بلا معنى.. بس يعجب الناظرين، ويخلي المذيعة «أم قذلة وشفايف ميتشلان، فاجّة نطعها وتبربش وتطالع» استعداداً للسؤال التالي!