الزمن هو العدو الأول والأكبر للإنسان، وحده الحب يصنع الحياة بعيداً عن لعبة الزمن، والأحلام تلغي الزمن، ونسبيته، وفي زمن الحروب يتوه الزمن، هو سريع على المنتصر، وبطيء قاتل على المهزوم، في الحب الوقت مشاع، وفي الانتظار الوقت كالسيف مسلط على الرقاب، ترى لمَ هذا الشعور؟ رغم أن الزمن واحد، وربما كان المكان واحداً، هل كان علينا أن ننتظر «أينشتاين» ونظريته النسبية لفهم بعض الأمور الكونية ونتدرج للأمور الحياتية، هل قال لنا «إسحاق نيوتن» شيئاً حين شعر بسقوط التفاحة، واكتشاف تلك القوة المهولة؛ الجاذبية التي تدخل في أسرار الكون، هل يعي ذلك الرسام السوريالي المجنون بالألوان معنى تلك الساعة المائعة، وعقاربها الذائبة، وكيف يمكن أن تفسر سيرورة الزمن؟ وهل يدرك ذلك العبقري صاحب التفاحة المقروم طرفها، وهو يعمل من داخل كراج صغير، ماذا سيفعل جهازه في إنسان العصر الحديث، وكيف سيقرّب الأماكن، ويتصل الناس ويتواصلون، وربما ألغى المسافات بينهم  تماماً، ودخل في لعبة الزمن الخالدة، وجعل البعيد قريباً، والكبير صغيراً، والكثير قليلاً، وحفظ ذاكرة الناس وذكرياتهم؟   
هناك الكثير من الأدباء والفنانين تناولوا الزمن عبر رواياتهم وإبداعاتهم الأدبية والفنية، قليلون من صنعوا الفرق في التعاطي مع الزمن وأبعاده الفيزيائية والماورائية، وتركوا شيئاً يسمع ويقال ويردد عبر الوقت وانقضاء العصور، عجيب كيف ينظر هؤلاء المبدعون إلى الزمن الذي هو العدو الوحيد للإنسان، فبدأ الإنسان منذ أن أدرك أن هناك حيزاً مكانياً وحيزاً زمانياً، وأنه في صراع بين أن يبقى على المكان طوال الزمان، ومنذ أن سطر الزمن أول توقيت لجريمة إنسانية عرفها التاريخ وخلدتها آداب البشرية، حين قتل «قابيل» أخاه «هابيل»، ولم يعرف كيف يواري سوءة أخيه حتى دلّه الغراب على طريقة الدفن في المكان ليتوحد الإنسان بالمكان والزمان حتى يوم يبعثون، بعدها بدأ الإنسان يغامر في تحدي الطبيعة وما جُبلت عليه من سنن وقوانين كونية، وبدأ في فهم الكثير من الظواهر الكونية، وما كان يخيفه عبده، وما لم يقدر عليه خلق له صراعات في الأساطير والروايات والملاحم والأناشيد، وابتكر آلهة للخير والشر والمطر والرعد والحب والموت والعوالم السفلى والعوالم العليا وغيرها، وحين يئس من ملاحقة الزمن ومحاربته، حاول أن يتحايل عليه باكتشاف الترياق أو البحث عن عشبة الخلود، كما فعل جلجامش في الملاحم السومرية. 
كان الزمن على الدوام محور رؤى للفلاسفة والحكماء والمتنسكين والأدباء، وجزءاً من أعمال الشعراء المتعمقين والإنسانيين، والعلماء الذين بذلوا جهوداً كبيرة في تقنين الزمن وتقسيمه وربطه بالطقوس المجتمعية لثقافات شعوبهم، حتى توصلوا لاختراع حساب الزمن، وربطه بالشمس والنجوم والمد والجزر وحركة الفلك، حتى اختراع الساعة بأشكالها القديمة والجديدة، وظهر الزمن كبطل في رواية «البحث عن الزمن الضائع» لـ «مارسيل بروست» التي تتحدث عن علاقة الزمن بالوعي، ورواية «يوليسيس» لـ «جيمس جويس» والتي تتحدث عن تيار الوعي المتدفق، والمسيطر على الزمنين الجوّاني والبرّاني أو الذاتي والموضوعي، ورواية «الإنسان بلا سمات» أو «الرجل الذي لا خصال له» لـ «روبرت موزيل» وتتحدث عن فرض العصر على الإنسان الحديث أن يكون بلا ملامح.