على قمة جبل جيس، في الإمارة الخضراء، هناك في المرابع، تزهو الشجرة النبيلة وفي معيتها ترتع شجرة ثمرات النعيم، هناك ترتع أنت المنتشي جذلاً، ترتل العبارة بدهشة ونشوة العطاء، أنت في حضرة المشهد الرفيع، وفي عينيك أثمد الحلو وسيولة الثمرة الخضراء.
هناك يبدو العالم يفتل ضفائر الزمن بأغصان ترعرعت على صهوة الفرح، وقريحة أحلام زاهية، هناك تترقرق الأغصان محمولة على أكتاف الإبداع البشري، مشمولة برعاية، وعناية الذين عشقوا الجمال، فنضدوا الطموحات بمشاعر أرق من النسيم وأبهى من رونق النجوم في السماء، تلك النجوم التي صفقت فرحاً بما أسدته الأيادي الكريمة وهي ترتب مشاعر الجبل الأسطوري، وتنظم أثاثه بإبداع، هناك يبتسم الجبل للقادمين من جهة الشغف، هناك يرعى الجبل عبق التين والزيتون، هناك تمتد آفاق الجبل السمري إلى ما بعد النظر، وما وراء الرمال الذهبية، هناك يرى السائح كل ما يدهش، وكل ما يغري، وكل ما ينعم على الإنسان بنعمة الأخضر اليانع، والمذاق الأنيق.
على قمة جبل جيس، ترقرقت أوراق التين، وراقت أغصان الزيتون، ترفل بأناقة الحلم، لباقة جلفار العريقة هناك، كل الأشياء تبدو في حفلة وجودية، تصفق للحياة، ويغرد الطير هيماناً بما جادت به أيدي الحصفاء، والذين في تاريخهم هللت الصحراء، ونبغ الجبل العريق في صياغة الحلم، وسبك معطياته من ذهب العقل المبدع، والقلب المتدفق حناناً وأشواقاً إلى التاريخ، والتاريخ دفتر الذاكرة، لا يهمل عبارته، لا يسلو عن حب كان في الأنام عنوان تلاقي الإنسان والصحراء وما بينهما، يسكن الجبل وتد خيمة البقاء، خيمة الدفء، وأشواق التلاقي في شتاءات الأهل، والناس الأوفياء.
على قمة جبل جيس، الهديل يعلو صداه، والتغاريد تبارك ارتفاع أغصان التين والزيتون على القمة، وعند خاصرة الغافة السحرية، تبدو الظلال مثل غيمات تحلق على القلوب، وتمنحها السر العظيم في العيش بلا تنهيدة، هناك تشعر أنت الزائر بأنك تخضب أنامل الوجد الطفولي بأخضر الزيتون، ورائعة التين الأصيل، ورمانة القلب تهفهف، كأنها الأجنحة في ريعان النشوء والارتقاء، كأنها النسائم في ليالي القيظ، يوم ما كان المقيظ يخفق بأشواق الحالمين بعنقود يملأ سلة الصباح، ويذهب بالأيادي السمراء إلى حيث تكمن حقيقة رأس الخيمة الجميلة.
جبل جيس اليوم، يرتدي حلته، ويتألق بالعيون السود التي في طرفها حور، عيون تفتح الجفون على منظر أشبه بحلم، وعلى حلم أشبه بلحظة السفر إلى وهج القصيدة العصماء. كم هو اللقاء مع الجبل يعيد صياغة المشاعر، وكم هي شجرة الزيتون وهي تعانق الغيمة، تشبه عناق الأحبة في نهار مشرق بابتسامة الغيمة، وتراتيل البرق بين الشغاف والأعطاف.