احتفاء باليوم العالمي للأخوة الإنسانية الذي كانت الإمارات من أوائل المبادرين لتبنيه أممياً، لأنه من الإشعاعات الحضارية التي يجب علينا جميعاً أن نتعاون ونتعاضد من أجل إرساء قيمها ومبادئها، ليعم الخير والحب والتعايش والتسامح بين البشر، ولنبذ الشرور والحروب والتفرقة بأشكالها. ولو تأملنا كلمة التسامح في لغات العالم فسنجدها تأتي رقراقة كماء جار، فيها من الود والليونة وطلب الرضاء والقناعة بالعيش بسلام وطمأنينة، وإعلاء للجمع ضد رغبات الفرد، والقبول بتحجيم الأنا من أجل تلك المساحة الخضراء التي تضم الكل، وتلك الابتسامة التي يحبها الجميع. التسامح «tolerance» باختصار هو طريق معشب ومزهر نحو السلام، سلام النفس والذات، وسلام للآخر والوطن والمجتمعات.
يبدأ التسامح من الأشياء الصغيرة والتفاصيل التي نفعلها، ونغفل عنها، مثل من يركب طائرة، ويظل يرجو في داخله ألّا يحاذيه أو يجلس بجانبه رجل، وكأن تلك المقصورة له أو مقصورة عليه، كنوع من الأنانية المسكوت عنها، لكنه يصبح متساهلاً ومتسامحاً لو أن الحظ جلب له فتاة رقيقة تختصر ساعات السفر الطويلة! وهنا التسامح من أجل المصلحة، ثم يكبر عدم التسامح في النفس، والتعالي على الآخر، حين يشاطرك المقعد شخص من غير لونك أو شخص تنظر له على أنه أقل مرتبة اجتماعية منك أو أقل ثقافة وعلماً أو من ملة دينية مختلفة، هذه النظرة قد تكون متبادلة أيضاً بين الطرفين، فما يدريك أن الآخر، المنزوع منه التسامح أيضاً، ينظر لك نظرة دونية بطريقة مختلفة؟ كنظرة المتضادات «الأسود للأبيض، الفقير للغني، المرأة للرجل، المسلم للمسيحي، والمسيحي للمسيحي من طائفة أخرى، واليهودي للأمم الأخرى». 
 يكبر التسامح من نفس إنسانية فردية إلى المجتمعات والكيانات البشرية، ولكن أقل الشرر يمكن أن يفجر الأشياء، والتخلي عن روح التسامح قد يخلق حرباً، فالفرد يسامح فرداً مختلاً، ويتسامح معه بسمو أخلاقه، وضبط نفسه، وكتم غيظه، لكن المجتمعات لا يمكن التحكم في توجهاتها، ولا ضبط ثوراتها وانفعالاتها، وهنا نصل بالتسامح إلى الأشياء الكبيرة التي تشكل معاني وقيماً إنسانية وحضارية، فبدونها يرجع الإنسان إلى شريعة الغاب، ويحكّم سياسة الإقصاء وإلغاء الآخر، وتسود الأنانية والحروب الأهلية، ويكبر حب التملك، وتغيب القناعة، ويتخلى الإنسان عن سنوات من مسيرته الحضارية عبر التاريخ والحروب والصراعات ثم القناعة بالسلام كحل، والتسامح كخيار، غير أن التسامح لا يقوى عليه كل أحد، مثله مثل القناعة، صعب أن تقنع به وبها أحداً، فإذا لم يكن الأمر نابعاً من قلب رضيّ، ونفس سامية، واختيار واع، وتربية أخلاقية متراكمة فستبقى القناعة، وسيبقى التسامح رهن المزاجية، ومخادعة النفس، ومداهنة الناس، وردات الفعل، وهذه أمور أبعد ما تكون عن القناعة، وعن التسامح الحقيقي.
ما أحوج هذا العالم المتناحر اليوم لمثل كلمة القناعة والتسامح! لأنهما صنوان، ومتداخلتان، فلا تسامح دون قناعة، ولا قناعة ورضا دون أن يبتل قلبك بالتسامح، ولنا في رسول الله قدوة حسنة في المحبة، ومثل أعلى في التسامح، فقد توفي، صلى الله عليه وسلم، وجاره يهودي، وشريكه يهودي، وتزوج من مريم وكانت قبطية، وتزوج من صفية بنت حيي بن أخطب وهي يهودية، وله قصة مع بحيرة الراهب وهو صغير، وممن كان يركن لهم ولمشورتهم قبل الإسلام القس ورقة بن نوفل، وممن حمى المسلمين في هجرتهم الأولى إلى الحبشة النجاشي وهو نصراني.