في صباح تبدو فيه الغيمة شرشف أحلام طفولة، والقلب جناح طير ترق له السماء، وتحفه الحياة بقطرات تغسل غبار السنين، وتنقي قمحة الروح من زؤانة الأيام.
الغيمة تخلع نعليها وتمضي في خيلاء، مجللة بخضاب العود الأبدي، وفي ثنايا القلب ترفرف عصافير، وترتفع أناشيد، ويتسع وعي الصحراء، بأغنيات سكبت حنينها في الآفاق، لترقص الأشجار شغفاً ولهفاً وبخور الورد، يعبق ثياب الوجود، وينسج للزمان خيط الحرير، والنقش على معاطف العشاق مثل بحور الشعر، مثل قواف تأدلجت من بوح جرير، والفرزدق، وما جادت به قريحة قبعة السماء، من فيض، ألوان، وأشجان، وألحان، حيث المتأمل في الأبجدية يثمل بما جد، واستجد بين الرمش، والرمش، وما ساد، وتسيد عند الجفنين، من فرح، في مشهد المطر.
في صباح أبدى سخاء في العطاء، ومد البصر ببصيرة ملأت الوجدان وعياً بأهمية الماء، وضرورة أن نكون في الحياة أجنحة لبياضها ترقص النجمة،  وتحتفي الغيمة بالتراب المجلل بالحب، ومشاعر عشاق ما نامت عيونهم في ليلة أطلقت فيها السماء زغاريد فرح، وتحنان أطياف مرت على الخاطر في لحظة، كانت فيها الحنايا مفعمة بزخات، وخبات، أنعشت ركاب الزمن وحركت في الأقاصي ذروة التذوق، لنثة أيقظت في النفس، جياد اللهفة، وساورت في القلب، حمامة ربما غفت، أو سلت، ولكنها عندما دقت نواقيس الصباح لناسك متعبد، ساهر في محراب لوعاته، ينظر إلى السماء، وفي عينيه يترقرق بريق أيام، وأحلام،  وقصة ما باحت سرها، ولا أفشت عن مكنون الغيمة التي مرت من هنا، عند خيمة الدهر، فتلامست، ثم همست، ثم رمشت، ثم طرفاً، ثم أطرقت قائلة، هذا الصباح، هو صباح المطر، فتعال نختفي دفئاً،  تعال نكتب قصة الحلم عندما يصبح واقعاً، حروفه من قطرات، وعنوانه من بارق يغسل الأسماع من الصمم، ويفرك جفون العين، لتتسرب بين الرموش، نغمات من وحي الأبدية،  وأبجدية الكون المجبول على استيلاد الحلم من رحم التلاقي ما بين شهقة الرعد، وتنهيدة برق.
في صباح ينعم ولا يثلم، يكرم ولا يعتم، يغنم ولا يقضم، تبدو في الصورة الزاهية، وجوه ملأت في دفتر الذاكرة كل ما جاش، وتمرد على الصمت، تبدو الوجوه فراشات ترتع في نسيم المطر وتغني للخلود، وها هو المعنى يفصح عن لغة في ضمير الكائنات، ويسفر في بوحه ما تمادت به الأمطار عندما تكون الأمطار أجنحة الغيمة، وتكون السماء قبعة تخبئ تحت قماشتها لون الفرح البشري،  وتكون الأرض سجادة من مخمل التعاطي الجميل.
في صباح مجلل بالماء والعيون التي في طرفها كحل، وجلل، تبدو الوجوه مثل مرايا منقوشة بالبريق، تبدو العيون مثل نهار تحدى عتمة الليل، فانبلج صليلاً يحرك في الأعطاف ورطة المواجع اللذيذة.
في صباح يبدو مثل نهر يصب سلالته في ضمير الوجود، ويمضي مترعاً بالهدير، وتمضي السواقي هائلة بنوايا الجمال، وحسن خصال الغيمة.