أيها البحر الكوني، لماذا سمّيناك بحراً؟ ألأنك أسكنت جوهرك الفريد في كل حرف ونبرة للحرف. ولأنك البهاء والحب والرحيل، سمّيناك «بحراً»، وحين ننطق اسمك نفتتح الـ«بـ»هاء مبتهجين. وإذ نسكن الـ«حـ»ب ونستكين، يراوغنا الـ«ر»حيل مستقبلاً أحوالنا، ننصبه منارة، ونجره خشية، ونضمه حلماً بديلاً. أي لهب عارم صبك في بوتقة سرية وصهرك، ألقى بك ماءً أجاجاً على هذا اليباس يفيض فتنة وينساب رقةً. أكانت الأرض قبلك يباساً موحشاً، أم كانت فائقة الفتنة يلفها عقم وفي رحمها تغفو شهوة للخصب؟ 
أي سر أسررت به إليها؟ أنت الذي كنت زمرداً تائهاً في الكون، حتى اختبلتَ ومسّكَ العشقُ وذوبك اللهب. فكنت بعلها المأسور بتضاريسها. وفي رعشة الشوق قبلت أطرافها واستولدتها النهر والمطر والشجر. وحين تنأى بمائك يلفها الذبول! ونحن يأسرنا الماء والملح والزمرد ويشفنا الحب والنشيج والرحيل؟. أي سحر في كيميائك يلد المطر؟ وأي توق في خفائك يحتفي بالحياة؟ أنت الذي إن شئت كنا طراوة الغصن، وإن شئت كنا حطب الحرائق. الماء بعض كنهك وبعض قدرتك أن يرجع الماء طواعية إليك. ما الغيم ما المطر ما الزهر ما الشجر إلا أنت وأنت سادر في مدك وجزرك الأبدي! آسر كأنك القدرة الغامضة، وأسير كأنك القطرة في توحدها واستدارتها. نشربك وتظل من حرقةٍ أرواحنا عطشى. هل نحن جوهر ظمأ لا يبل لظاه إلا لظاك؟ نشتاق إليك حين تغوينا بشهوة الإبحار وشهقة الخطورة فأي النقائض تحتويك وأي مبتدأ يحيط بأسرارك؟ أسراك نحن ورهن مائك، إذ ننسل منك نعود طائعين، وإذ نخشاك ننتفض شوقاً إليك. في أرواحنا ولهٌ بموجك ومتاهاتك، وفي أعضائنا رعشة الموت المرتقب. شبيهك العشق في دمنا وغرقاه نحن كأننا غرقاك. 
كأنما العشق إذ يسري في أجسادنا نطفة منك، وحين يفتق مباهج الروح والقلب والجسد ندرك أي احتدام يرج كوامنك! كمنّا لك بالحظائر وألقينا عليك شباك اللغة كي نقودك إلى مصائد السكون، لكنك النافر العصي اللامتناهي، سخرت وارتد موجك ضاحكاً كما يضحك الطفل مسروراً بلعبته. مفتونة بك، هائمة أكاد أسمع نأمة الموج ورفيف أجنحة النوارس وخفق مائك إذا هدأت. سرير نشوتي أنت وأرجوحتي الأولى. أمس مررتُ بك ولجتُ ملحك وغموض التجاعيد في موجك واحترت كيف أفسرك. تركت لك السر والسحر والغموض، ولي رعشة الدهشة ولذة الذهول. لعلك كامن في أشواق قلبي، ومبهمٌ كي لا أراك. كم نشيجٍ يضج في موجك وفي روحي!