هل بقي من شيء لم نقله عن الزمن الصعب لـ «الأبيض»؟
بكل المعاني صورنا «المواجع»، وفي كل المراجع بحثنا عن شبيه لزمن التراجع الذي لا تبدو له في الأفق نهاية، حبسنا كثيراً زفرة الألم، وتفادينا العض بالعناب على البرد من فرط الندم، وشرعنا لأنفسنا طرقاً جديدة للأمل، لعلها تزيل عنا «الهواجس»، وتعيد لأفقنا «الحلم»..
في كل مرة، كنا نتصور أن المارد من نومته الطويلة سيفيق، وأن «الأبيض» سيخرج من «الدوامة» ليعلي من جديد رايات الفرح، نصدم والحسرة هي ذاتها، والإخفاق هو ذاته، والاجترار لصدمة الخروج بـ «وفاض خال» من البطولات مستمر ومتواصل، فما العمل؟
قطعاً، لا ينبغي أن نتوهم ألا فجراً جميلاً على «الأبيض» سيطلع، وأن زمن الفواجع الكروية لن ينتهي، كما لا يجب أن نتصور أن «الأبيض» فاقد لهذا الذي نتمناه ونحلم به، فاقد للقدرة على أن يرفع الهامة، وأن يكتب صفحة جديدة من كتاب الملاحم المغلق تقريباً منذ تسع سنوات، أبداً لا يجب أن ينقطع الرجاء، ولا أن تنتكس في ديرتنا راية الأمل، علينا أن نواصل العمل، لنغير ما في زماننا الكروي من «عذاب» بتوالي الصدمات.
أعرف أن اتحاد الكرة غير الاستراتيجيات وغير المدربين وحتى المعاطف الفنية، وما توقف أبداً عن تصدير خطاب التمنيات للجماهير، تارة بالخلوات وأخرى بالاعترافات، إلا أن الخيط الذي يقود إلى الفجر الذي يضيء العتمات، ما زال مجهولاً، فما هو مؤكد أن «الأبيض» لن يكرر سفره الرائع للقمم خليجياً وآسيوياً، إلا إذا تشكل بالهيئة الفنية والنفسية التي تصادق عليها كرة القدم الحديثة، ولا ترى سواها متطابقاً مع المستويات العالية.
يحتاج «الأبيض» لكي يلعب كرة قدم هذا الزمان، إلى رأسمال بشري خلاق، وإلى فكر فني مبتكر، وإلى روح جماعية تزعزع الجبال، وهذه الأشياء لم توجد في «الأبيض» مجتمعة منذ زمن طويل، ولا نجاح يمكن أن يتحقق، إلا إذا تواجدت مجتمعة، لذلك يبدو الطريق أمام «الأبيض» شاقاً ومضنياً وطويلاً، لابد وأن يمشيه، تتلاعب به الرياح، تصفعه العواصف، تضربه الأزمات والنكسات، ولكنه يظل يمشي بلا هوادة، ومن دون توقف، ومعنى يمشي هي ألا يتوقف عن العمل والأمل.
أن يحصل «الأبيض» على جيل من اللاعبين يتحدثون لغة كرة القدم الحديثة، فهذا ليس مستحيلاً، أن تكون له الروح الجماعية التي تحول الجمرة إلى تمرة، هذا ممكن، لكن أن يكون لـ «الأبيض» مدرب ماهر يبدع منظومة لعب متطابقة، مدرب من طينة خاصة، بكيمياء مختلفة وبفكر خلاق يدخل حدائق الشوك ليعيد الحياة إلى الأزهار وإلى أقحوان «الأبيض».
هذا المدرب هو الذي يجب البحث عنه، ولا أتصور أنه معدوم في المشهد الكروي العالمي.