يتناول المتحدث برمستنا أمثالاً شعبية وإن كان من بيئة تعالج بالكلام أمراض العصر كما يفعل الشعراء وسالفة الغوص، يكون ذلك الشخص بارعاً في استخدامه للأوصاف والأمثال والقصص، إذ يكمن في خباياها مربط الفرس وبيت القصيد. أقول ذلك فلطالما أدهشتني معادلة عُمَر الخيام في قصيدته التي صدحت بها سيدة الغناء العربي «كوكب الشرق» أم كلثوم «فما أطال النومُ عمراً.. ولا قصّر في الأعمارِ طول السهر». وقد أصبح النوم شغلاً شاغلاً للمحبين وتعبيراً عن تضحيتهم لأهم ما يريح الفكر ويطمئن الفؤاد ناهيك عن عَدِّ النجوم! سرحت أفكر في بعض الأمثال الشعبية المرتبطة بالنوم، ومنها ما هو عن النوم على الجنب الأكثر راحة للجسم، وأن يمد الشخص رجله على قياس لحافه، وهناك مثلٌ آخر ينصح المرء بالهروب من الواقع «لي كثرت همومك نام» أو «تيك التهايم وانت نايم»... وهناك قائمة طويلة من أغاني المهد وتنويم الأطفال «المهاواه».. إلخ.
ومن هذه الأمثلة والمواقف المرتبطة باستخدامها استوقفني مثل «النوم سلطان»، وتجلت من المثل سلطة يفرضها «بوساحة» (من ألقاب النوم في الإمارات) عند حضوره بقصد أو بتكلف! وعندما بحثت عنه وجدت قصة ذكرها أحدهم تقول، إن الريح والشمس والمطر والنوم تزامطوا، وزعم كل منهم أنه الأقوى، لذا قرر كل منهم إبراز قوته وفرض سيطرته ليكون النصر حليفه. وفي تلك الأثناء، مرّ رجل من أمامهم وهو يحمل رغيفاً من الخبز في يده، فقال أحدهم: الآن سنرى.. مَن يستطيع أن يأخذ هذا الرغيف من الرجل يكون المنتصر في هذا التحدي!
بدأت الريح فهبّت بقوة شديدة لتخطف الرغيف من يد الرجل، غير أنه تمسك به بكل قوته ولم يتركه أبداً، وجاء المطر ليُثبت قوته وقدرته على سلب ذاك الرغيف، فتساقط المطر بشدة، ولكن الرجل حمى الرغيف من قطرات المطر ولم يفلته من بين يده، ثم جاءت الشمس بقوة أشعتها الحارقة، ولكن الرجل ازداد تمسكاً بالرغيف ولم يتنازل عنه، وأخيراً حضر النوم الذي لم يستطع الرجل مقاومته، فغرق في نوم عميق، وانفلت الرغيف من بين يده بكل سهولة، وبذلك أصبح النوم سلطاناً!
للعارفين أقول، ذهبت أيام القيلولة وحل محلها الاستلقاء مع الهاتف الذكي الذي تسلب أشعته الزرقاء البصر، والنوم وراحة البال. النوم نعمة استغلوها كلما استطعتم، إذ لا يوجد إنسان على وجه الكرة الأرضية يستطيع أن يقاوم النوم، أو أن يعيش بدونه. نتيجة المزامط «النوم سلطان».