إلى نهاية كأس العالم في نسخته الاستثنائية، نخطو وبداخلنا صوت يزلزل المكان، أما كان ممكناً للمسير الجميل أن يطول قليلاً؟ فلا السفر الخرافي أتعبنا ولا تعاقب أزمنة الإثارة أنهكنا، فما زالت بنا رغبة لكي نواصل المشي في حقول الدهشة.
من نهاية حلم كبير وجميل نقترب، نغفو ثم نفيق، تشتعل الرغبة بداخلنا كالحريق، وفي أعيننا يسكن البريق، بريق أسود عبروا من المحيط إلى الخليج، وما أنهكهم طول الطريق، لكي يقدموا لنا حلماً لا نريد منه أن نفيق. هكذا هي اللحظات الجميلة المقتطعة من زمن التعب والانتظار، تمر سريعة مر السحاب، لكن عزاءنا، وهذا المونديال الرائع سيرخي بعد ثلاثة أيام الستائر، سيترك لنا إرثاً كله مفاخر، وأي فخر أكبر من أن يتحقق حلمنا العربي، في مشاهدة كأس العالم تقام على أرض عربية وتستوفي كل أغراض النجاح، حتى لكأن لقب الاستثناء يليق عليها؟
أي فخر أعظم من أن يتكلل مونديالنا العربي بتحقيق حلمنا، بأن يكون منتخب المغرب سفير الإبداع في المربع الذهبي لكأس العالم؟
وقفت معجباً وفخوراً، على كثير من التعابير الدالة على ما يشعر به العرب من فخر وسعادة إزاء هذا الذي حققه منتخب المغرب بمونديال العرب، وكان منها من سمّى الأسود بأسود السعادة، ومن لقبهم بمنتخب الحالمين، ومن قال «شمس المونديال تشرق من المغرب»، إلا أنني إزاء هذا الزخم العاطفي الذي أحدثه المنتخب المغربي في المونديال، إزاء هذه القوة الناعمة التي صدرها للعالم كله، أجد أن منتخب المغرب وقد صعد بنا إلى القمم، يستحق أن يسمى بـ«منتخب القيم»، عطفاً على ما أبدع في تقويمه وإشاعته من قيم. أول هذه القيم، قيمة الحلم الذي لا حياة للإنسان ولا للشعوب من دونه، فالحلم هو الطريق الأمثل نحو السعادة.
وثاني هذه القيم، قيمة العمل، فكلما أخلصنا في العمل جنينا أجمل الثمار، وهذا المنتخب المغربي الذي لم يأته وليد الركراكي مدرباً إلا ثلاثة أشهر قبل المونديال، آمن بقيمة الحلم، فسعى إلى تحقيقه بالعمل متوكلاً على الله سبحانه وتعالى وعاقداً النية، مصداقاً لقول نبينا الكريم: «إنما الأعمال بالنيات».  وثالث القيم، قيمة الانتماء للوطن والارتباط المتين بالأسرة، وتلك من القيم الجميلة التي جبلنا عليها نحن العرب، فقد تناقل العالم عبر مشاهد كثيرة، توسل «أسود الأطلس» لخالقهم ليكون لهم معيناً، ومسارعتهم نحو أمهاتهم وآبائهم بعد كل مباراة ليقبلوا الأيادي والرؤوس امتناناً وعرفاناً وطاعة.
ورابع القيم، قيمة التواضع التي تقود إلى الشموخ والرسوخ، فمهما كان الصعود نحو القمة، ومهما ولَّد الإنجاز إنجازاً أكبر منه، فإن منتخب «الساجدين» و«المرضيين» يزداد بما يصنع تواضعاً، فكيف لا يكون هؤلاء الأسود صناع سعادة، كيف لا يكونون أسود القيم، أسوداً لا تتهيب الجبال للصعود إلى القمم.