مع اقتراب أيام العيد الوطني، بدأ الناس الاستعداد للاحتفاء بهذه المناسبة العزيزة على قلوبهم، ورأينا أعلام الوطن ترفرف بأجنحة الفرح، كما هي النسور خفاقة، رقراقة، مشتاقة إلى نجمة السماء تواقة إلى الغيمة المبجلة. ولكن البعض لا يعرف كيف يفرح، ولا يفهم كيف يعبر عن فرحته فنراهم يلصقون أعلام الوطن على الجدران، ويجعلونها تزحف على الرمل، مما يسبب لهذا العلم التشويه، لأن في التصرف تسويفاً، وإسفافاً، وجهلاً بمعنى أن نرفع العلم.
علم البلد هو هويته، وهو شيمته، وهو قيمته، وهو عطر الوطن وسبره، سيرته، في التاريخ، والجغرافيا، فلا يعقل أن نجعل من هذه القماشة المقدسة، تلامس أديم الأرض، وتزحف على التراب دون احترام لما يمثله العلم للبلد، وما يعبر عنه من أسباب الرفعة، وسبل الكرامة.
فعلمنا، هو دمنا الذي يحلق في الأعالي، وهو تاريخنا الذي رصعه الأفذاذ من آباء وأجداد برائحة عرقهم، وكفاحهم من أجل أن يبقى هذا العلم مرفوعاً دائماً، خفاقاً، على مدى الدهر، مزدهراً بألوانه، زاهياً بأفنانه، لا ينثني، ولا ينحني، ولا يخضع، ولا يركع، هو هذا الشامخ الراسخ، الباسق السامق، له الروح تهفو، والقلب يصبو، والعقل يرنو، ولا يمكن أن تتقبل العين أن ترى هذا الشهم موئل النعيم أن يكون إلا مرسوماً في السماء نجمة، وعند الأفق سمة الأحلام البهية، الأمر الذي يجعلنا نستنكر الإهمال، في التعامل مع علمنا، والتساهل في وضعه أينما صار.
إنه علم الإمارات، إنه الشامة، على وجنة العشاق، إنه العلامة على المستوى الرفيع الذي وصلت إليه الإمارات بفضل قيادة حكيمة رفعت العلم، كما رتبت مشاعر الإنسان حباً، واتساقاً مع ملاءة السماء الزرقاء، هذا العلم هذا الشهم وخير الكلم، هذا النعيم، وهذا مصدر الخير والنعم لا يمكن أن يكون مكانه إلا السماء، ولا يمكن أن تكون مكانته إلا نياط القلب، ولا يمكن أن يحلق إلا في عنان الدرجات العلا.
هذا هو مكان علمنا، وهذا هو قامتنا، ومقامنا، هذا حلمنا الأبيض، هذا طموحنا المتألق دوماً وأبداً، فلا يمكن أن ترتاح العين وهي ترى أن العلم في مكان غير مكانه، وأنه مثل أي خرقة مهملة، فهو اللجين وقرة العين، هو المسافة ما بين الحاجبين، هو الشامة على الجبين، هو السطر الأول في صفحات التاريخ، هو الدم الرائق والسنين، هو الكلمة الأولى في ثنايا الكتب، وهو الحرف الأول في نثات السحب، هو اللجة في الطوايا، هو اللغة في قصائد الحب، وهو الصورة متجلية بضمير الناس الطيبين، هو كل هذا لأنه في كل ذلك كان الحلم، والعلم والجذر والصدر، هو الرواية الحقيقية في المبدأ والمبتدأ، هو الحكاية التي سطرت في اليوم الأول من ذلك التاريخ الذي علم العالم أن وطناً يلم شتاته، ليدوي اسمه في أسماع الملأ، ويقول للعالم أنا هو، في المكان والزمان، عبقرية الإنسان، وأسطورة الحب والحنان.
نريد شيئاً من الحنان، بل كله، وجله، وجلاله لهذا الكائن السحري الذي ما إن تراه العين خفاقاً يخفق له القلب، وترتجف أغصان الشجر طرباً لألوانه، وشغفاً برونق هامته، وهيبة قامته.
لا يمكن أن نقبل أبداً غير أن يكون علم بلادنا دوماً في الأعالي، ليرى الصغار قبل الكبار كيف تكون الأمم حرة أبية وهي تنظر إلى العلم بإباء وفخر واعتزاز، بالذين جعلوا هذا الوطن السابق للأولويات وهو المسلمة، وبديهية التعلق بما يعبر عن الوطن، وكل ما يحمل اسمه.
ارفعوه عالياً، ليبقى شامخاً، إنه العلم والرمز، والمثال، والنموذج لوطن النبلاء.