كرة القدم هي احتفال إنساني، وكأس العالم أجمل مشاهد ذلك الاحتفال، لذلك برعت كرة القدم، من خلال المؤسسات، ومن خلال مهندسي الفرجة، في الارتقاء بهذا الاحتفال، إلى أن صار كما اليوم آسراً للقلوب، متحكماً في الزمن، وحاملاً البشرية على صحون بلورية، تطوف بها في سماء الجمال، وتسقيها من المتع أشكالاً وألواناً.
كرة القدم في ثلاثينيات القرن الماضي، ليست هي كرة القدم اليوم، فما برع تاريخ الإنسانية في نحت سموقه وشموخه وارتقائه في دنا السحر، أكثر ما فعل في كرة القدم التي غدت طقساً إنسانياً يتغير بوتيرة متسارعة، لذلك يستحيل بكل المقاييس أن ننجز مقارنة، رغم أن الروح والشغف وقوة الجاذبية لم تتغير، وكذلك كأس العالم التي تستعد بعد أربع سنوات للاحتفال بمئويتها الأولى، كان لها سفر أنطولوجي ألبسها رداء الكونية، حتى غدت البشرية تضبط واحدة من عقاربها على كأس العالم، مرة كل أربع سنوات، ومن يرسم في الأذهان وعلى الحيطان مجسمات الشغف بكأس العالم رونقاً وجمالية ومتعة، فإنه يرى في تغيير حركة الزمان، بالانتقال عند انعقاد كأس العالم من أربع سنوات إلى سنتين، شروعاً في الابتذال، وإمعاناً في قتل الجاذبية.
ويتجسد الفرح الإنساني بكأس العالم، وهي تزورنا مرة كل أربع سنوات في تمظهرات كثيرة تستحق أن تكون توابل لملاحم أدبية، أجملها ما عاينته من ردود فعل اللاعبين الذين تم ضمهم للوائح المنتخبات المشاركة في النسخة الثانية والعشرين لكأس العالم التي سترفع ستارتها الأحد المقبل بقطر، بين فرح عارم بل وجنوني، وبين السجود شكراً لله وبين كلمات سعادة تتفجر عيوناً من المشاعر الجميلة، وكأني بكل هؤلاء في يوم عيد.
لم أكن وحدي من راقه هذا المشهد الاحتفائي للاعبين أسعدهم الحظ، بالوجود في كأس العالم، فحتى جياني إنفانتينو رئيس «الفيفا»، وهو يعلن عن متابعة خمسة مليارات شخص لمونديال قطر، أبدى سعادته بما شاهد من صور، وما قرأ من تغريدات الفخر، وقال إنها كأس العالم التي توحد العالم في الفرح، إنها كأس العالم رمز الافتخار وعنوان المجد، بل إن رئيس «الفيفا»، وجدها فرصة ليقتص من الذين حبطت محاولاتهم لإيذاء كأس العالم، بأن تعودوا في كل مرة حلت نسخة من نسخها على نشر وابل من الترهات والتلفيقات، فما زلت أذكر أحدهم، وقد خرج من جحره ليقول، ما هذه التفاهة التي يلتف حولها الناس؟ يقصد كرة القدم، وما هذا الحدث الذي يجري خلفه البشر مثل الحمر المستنفرة؟ يقصد به كأس العالم. 
ومع ذلك ما تغير شيء، والناس يقبلون كل أربع سنوات بالمليارات على كأس العالم، لأنها باختصار شديد كأس الحياة.