تحلق الأجنحة عالياً، تحلق بعيداً لتنصهر في الوقت، ثمة شمعات من الزمن الجميل، على إطلالة ما، ثمة أشياء تحاور وجدك، وفي رؤيتك تأملات المتأمل بذاكرته، وبحضوره طوف الترحال المتنزه، يشعل الصمت، في إيحاء يخطف من خياله ما يهيم بالنفس، قائلاً أنا ها هنا لأول مرة، زائراً من دون معرفة بهذه المدن، قلت له: لا تكترث يا صديقي، المدن هنا تعشق الوجوه المسافرة، فابتسم في وجه الصباح، وأردفت قائلاً، هي جميلة، حين تحتضن بنبضها الحياة، وهي عاشقة حالمة، في ترحال الزمن. مدن تهيم في الذاكرة، ترسو على ضفافها، تشم من فصولها رائحة التاريخ، تتجاذب في حكاياتها الغريبة والمجنونة أحياناً، وفي قهوة الصباح، تكتشف أسرارها الملهمة بالإبداع الإنساني، وعنفوان السلام المهيمن! لها وقع جمالية الطبيعة الساحرة، ومناكفة الأمطار. مدن متناثرة منثورة يتأصل الود بينها والإنسان، ويتأصل الزمن، في دلالاتها التاريخية، في تجلي القيم العريقة.
رحلة تمتد بفصولها وفي تجليها، من مدن مختلفة الأنساق، في تشابهها تكمن الحياة، بوسطن، نيوجيرسي، مانهاتن، نيويورك، والطرق الممتدة، تملأ الفصول، تشاغب الوجد بالرحيل. مدن تنصهر في نبضها الحياة، لها وقع آخر من الخيال الملاذ بالذكريات. فناءات جميلة وجزر على عبابها تجر نحو تمثال الحرية في منفاه، إرهاصات غريبة واجمة، نصب تذكاري للسماء الفارغة، شكلها فنان بارع من مرايا تحمل أسماء تساقطت كحبات المطر.
تستمتع ببهاء الطبيعة، بعيداً عن زحام وسط المدن، مثل تايم سكوير الصاخب بالحياة، وعراقة ذاكرة التاريخ، في ملامح الحقبة البريطانية وما تركته من تقاسيم الوجود، والوقت ينبش الوقت، يعيد ما أبصر في كتب التاريخ وما وجد، وتتشابه العراقة التاريخية، كأنها فطرت على مجتمع ذي جغرافية تتباعد، آسرة في تصاميمها الوجودية.
مدن ووجوه من فتيل الشمع، من ملاءة الزمن، من حقيبة الوقت، من مرايا الصور لطير النورس المحلق عبر البحار، يحرس وجوهاً تمر على حافة الأسياف، يرى بتول الأزهار في ربيعها وحفيف الأشجار في خريفها كمرايا الوقت تنبض في أريج تشكلها كأنك تبصر ما تبقى من فيلم، عرضه يستمد من سحرها قصصاً، تنبئ بجمالية المحيط الأطلسي، بهدوء ضفاف ساحل ريفيرا، وما يلتقي من الأفكار في قراءتها وصمتها. تصدف الرياح في رئتها، يتنفس الهواء البارد النقي في طراوتها، بحفيف الأشجار المودعة لأغصانها، وكأنها تنتظر السحب بالمطر اخضراراً. تنتظر ما يطهرها، وعتبات الشتاء، تكتب رسائلها في اشتهاء، في تجلي النهر، كالفنان يجلس على عتبات البيوت يحمل ريشته، ينتظر لوحة الظلال تملأ ألوان الطبيعة، يلتذ بالسحب وهي تمسد مرايا الوقت لذة.