معلمون سكنوا هنا في منطقة القلب عند النياط، قبل أن يغادروا دنيانا أو يقطنوا في منازل التقاعد.
المرحوم خضر زويد، والمرحوم الأستاذ إبراهيم، مدرس اللغة العربية، والمرحوم سليم حلس، مدرس اللغة الإنجليزية، والأستاذ عدنان، وغيرهم كثر نقشوا في الذاكرة صورة الوردة التي أزهرت وما زالت تنثر عطرها في الوجدان، وتستقبل فراشات الصباح لتلون الحياة بها.
هؤلاء هم بذرة الحلم وهم الشجرة التي أنشدت عصافير العمر على أغصانها، ملبية نداء الوجود، مؤكدة أن الحياة جسر للوصول وليست مكاناً للتوقف.
هؤلاء الآباء المؤسسون لشجرة العلم، هؤلاء هم النابسون بأغنيات الفجر قبل تنظيم الطابور الصباحي، وقبل أن يرتفع المذياع ليرفع النشيد الوطني.
هؤلاء كانوا في الحلم طيات الشغف، وثنيات البريق في عيون صغار وهم في زغب القطا، هؤلاء علمونا كيف تصبح الحياة خيطاً ممدوداً بين رحلتين وكيف تصير الرحلة إلى الأبد وبلا نهاية، هؤلاء الذين كتبوا على سبورة الفصل الدراسي، الحلم يصبح حقيقة، عندما يتحول تفتر الذاكرة شعلة نور، وتصير الإرادة بيضاء من غير سوء، والعقل قلما ينحت على أوراق الحياة ما تبديه العزيمة من رفرفة لأجنحة لا توقفها الريح، ولا تعرقلها التباريح، هؤلاء نسخوا الدرس مرات ومرات كي يستوعب من في عقله مضض، أو من تردعه غشاوته عن الفهم والاستيعاب، ولم يقنطوا من تعب أو سغب، بل مارسوا التعليم بشغف الأوفياء، ولهف النجباء، ومنحوا الحياة لمريديهم كي لا تنطفئ الشعلة وكي لا يخبو لون السماء، ولا تتوقف النجمة عن إشاعة البريق.
اليوم تلاميذهم الذين نهلوا من معينهم، أصبحوا يطرحون الأسئلة وأهمها كيف نستطيع رد الجميل لأولئك الأفذاذ وكيف نحمل أجسادنا المثقلة بأوزار العمر وركام المثقلات إلى حيث يكونون وهم في القلوب قبل أفنية الجدران يسكنون. 
هؤلاء هم الذين علموا أجيالا كيف يمسكون القلم وكيف ينحتون الكلمة، وكيف تكون الجملة اسمية عندما يكون مبتدَؤها اسم علم، وكيف تكون فعلية عندما يتقدمها الفعل ويكون الفاعل ضميرا يتحدى الظلام.
هؤلاء هم نفرة الروح في الدياجير بحثاً عن ضوء القمر، وسرداً في الواقع لتكون الحكاية بداية نقش على قماشة الحلم، وزخرفة على جدار معبد الوجود العظيم.
هؤلاء علموا من لا يعلم كيف تكون للكلمة نغمتها المبجلة عندما تخرج من فم عاشق لا تخونه العبارة في التعبير عن مشاعر الاحترام للآخر، هؤلاء علمونا كيف يصبح الصباح مشرقاً عندما يؤدي التلميذ واجبه المدرسي، ولا يؤجل عمل اليوم للغد.
هؤلاء كتبوا على الجبين كلمة صباح الخير، لتصير بعد حين النور المضيء، باتجاه الغد والموجة الغراء تمشط جدائل السواحل العارية.
شكراً لهم ورحم الله من غادرنا، ويحفظهم بيننا.