منذ زمن تنبع فكرة الكتابة لترسم شيئاً من ملامح الصورة الشعرية لدى شاعر توهجت قصائده، وانتظمت في المنظومة المجتمعية، ولم يهملها الزمن أو يَحُل بينها وبين المتلقي، ليس لتوهجها فحسب وإنما لعلو سماتها وشأنها، إنه شاعر الحكمة الكبير سعيد بن محمد بن هلال الظاهري، ابن حي الخريس بمدينة العين الرحبة بمكونها الثقافي والإبداعي والتاريخي.
رحل الشاعر عن الدنيا عام 2001، ولم يغب إرثه الشعري، وهو عبق مجتمعه المتسم بالتواضع والكرم، فمن يسعى بين الناس، يخاطب وجدانهم ومناسباتهم شعراً، لابد أن تقيم له الحياة حضوراً يتدفق كجمالية أفلاج الواحات ونسائمها التي تلهمه قصائد ما بين قوافي ومعاني النبط المخملية.
توهجت قصائده بمحيطها الخليجي، منفرداً بشاعريته، بألوان القصائد المختلفة، ما بين عذوبة اللفظ وطراوة المعنى وسلاسة الصورة الشعرية النابعة من الأصالة التراثية، وبجماليات اللهجة المحلية المؤثرة. إنه ابن نسيجها المجتمعي حيث رددت لغته الشعرية الأوصاف والأمثال، حامل ذكاء الشاعر وحلمه المستفيض بالمعنى الشعري الجزل والمرن، وهذه خاصية إبداعية قلما نجدها عند الشعراء إلا أن الشاعر ابن هلال قد قدم قصائد مؤثرة في السياق الموروث التراثي.
بدأ الشاعر في تناغمه الشعري في فترة مبكرة من عمره، وحظي بالتجربة من خلال مجاراة بعض من شعراء النبط، في تدفق أصيل ما بين الغزل والمدح، وشكلت مجالس الشعراء في السبعينيات، والتي ترأسها، نواة للشعر النبطي، وانجذاباً لبيئة تتساجل وتتحاور شعرياً. وأشرقت تجربة الشاعر، وبدأت في تناغم وسجال، حيث أظهر المنظومة الشعرية المختلفة والمجددة، التي تعكس المرادفات الشعرية المعاصرة ومفرداتها المنتقاة بالوصف الشعري.
سعى الشاعر ابن هلال في الوصف الشعري بذكاء وحرفة المتأمل، وأبدع في نسج دلالات المعنى الشعري وبإيقاع جميل سردي مشحوناً بالذاكرة الشعرية النبطية، منفرداً بذاكرة المكان وقضاياه ومعالمه، راصداً تفاصيل الحياة وتدرجاتها الزمنية ومشاهدها، وفاضت قصائده في تصوير ما يحدث من مسرات وآلام، ليجسد شعره حالات البشر والطبيعة، فتحولت القصيدة إلى نبض وجودي.
كل ما كتب وقيل وما أورد عن شخصية ابن هلال الأدبية والشعرية، وفضاء ما تركه من إرث شعري موثق أو غير موثق، يعد علامة فارعة في نسيج الشعر النبطي الإماراتي، وأشيد بنادي تراث الإمارات بإصداره الأنيق حول تجربة الشاعر وحياته، وجميل أن تتوسع الدراسات وتشمل سجالاته مع شعراء عصره، كالشاعرة «فتاة العرب» عوشه السويدي، وشعراء من رواد عصره وزمنه، لنقرأ جمال الصورة الشعرية والإبداعية في زمن كان شغوفاً بالشعر.